المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

مِنكَ رِيحَ الطِّيبِ، فقَالَ: نَعَم، تَحتِي فُلَانَةُ، هِيَ أَعطَرُ نِسَاءِ العَرَبِ، قَالَ: فَتَأذَنُ لِي أَن أَشُمَّ مِنهُ، قَالَ: نَعَم، فَشُمَّ، فَتَنَاوَلَ فَشَمَّ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأذَنُ لِي أَن أَعُودَ؟ فَاستَمكَنَ مِن رَأسِهِ، ثُمَّ قَالَ: دُونَكُم! قَالَ: فَقَتَلُوهُ.

رواه البخاري (2510)، ومسلم (1801)، وأبو داود (2768).

* * *

(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

[1318]

عَن سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ قَالَ: خَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيبَرَ، فَسرنَا لَيلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِن القَومِ لِعَامِرِ بنِ الأَكوَعِ: أَلَا تُسمِعُنَا مِن هُنَيهَاتِكَ؟ -وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا- فَنَزَلَ يَحدُو بِالقَومِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَولَا أَنتَ مَا اهتَدَينَا

وَلَا تَصَدَّقنَا وَلَا صَلَّينَا

ــ

(29)

ومن باب: غزوة خيبر

قوله: (ألا تسمعنا من هنيَّهاتك؟ ) أي: من أراجيزك، وهو تصغير:(هنة). و (هن): كناية عن النكرات. وفيه ما يدل على استنشاد الشعر وإنشاده على جهة التنشيط على الأعمال الشاقة والأسفار، وترويح النفوس من الغم، لكن إذا سَلِم من الآفات التي قدّمنا ذكرها، ثم على (ل لة، والنُّدور.

و(الحدو) أصله: السوق. ولما كان إنشاد الشعر في السفر يسوق الإبل سمّي: حدوًا.

وقوله: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا)؛ كذا الرواية هنا مجزومًا (1) -بالزاي-؛

(1) أي: بسكون اللام الأولى من اللهم.

ص: 663

فَاغفِر فِدَاءً لَكَ مَا اقتَفَينَا

وَثَبِّت الأَقدَامَ إِن لَاقَينَا

وَأَلقِيَن سَكِينَةً عَلَينَا

إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَينَا

ــ

أي: زائدًا فيه حرف. وصوابه من جهة الوزن: لا هم، تالله، أو: والله، كما جاء في الحديث الآخر:

والله لولا الله ما اهتدينا.

وقوله: (فاغفر فِداءٌ لك ما اقتفينا)؛ الرواية هنا بكسر الفاء من (فِداء) وبالمد. وقد رواه بعضهم بفتح الفاء والمد، وقد حكاه الأصمعي. وحكى الفراء: فَدًى- مفتوحًا مقصورًا- وهو- أعني في البيت- مرفوع بالابتداء، خبره: ما اقتفينا، ومفعول (اغفر) محذوف، أي: ذنوبنا. ويجوز أن يكون (ما اقتفينا) مفعول (اغفر)(1)، وخبر المبتدأ محذوف؛ أي: فداء لك نفوسنا (2).

ومعنى (اقتفينا) أي: اكتسبنا. وأصله: من القفا. وكأن المكتسب للشيء يجري خلفه، حتى يصل إليه. وهذا الكلام إنما يقال لمن تجوز عليه لحوق المكاره والمشقات، فإذا قاله أحدنا لجنسه، كان معناه: إن نفسي وقاية لك من المكاره؛ أي: تصيبني ولا تصيبك. وهذا المعنى لا يليق بالله تعالى، فيحتمل أن يكون إطلاقه هذا اللفظ على الله تعالى بحكم جريان ذلك على ألسنتهم من غير قصد، كما قالوا: قاتله الله. وتربت يمينك. كما قدمناه في كتاب الطهارة. ويحتمل أن يحمل على الاستعارة. ووجهها: أنه لما كان الفداء مبالغة في رضا المفدى عبَّر بالفداء عن الرضا. أو يريد بذلك: فداء لدينك. أو: لطاعتك؛ أي: نجعل نفوسنا فداء لإظهارهما.

وقوله: (إنا إذا صيح بنا أبينا) من الإباء. و (أتينا) من الإتيان. الروايتان صحيحتان، ومعناهما: إذا صاح بنا أعداؤنا أبينا الفرار، وبتنا لا يهولنا صياحهم. وعلى الأخرى: إذا صرخ بنا أتينا للنصرة، وإذا صاح بنا أعداؤنا أتيناهم مسرعين غير متربصين ولا متوقفين.

وقوله: (وألقين سكينة علينا)؛ أي: سكونًا وتثبيتًا في أوقات الحروب،

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (هـ).

(2)

ساقط من (هـ).

ص: 664

وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَينَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: مَن هَذَا السَّائِقُ؟ قَالَوا: عَامِرٌ، قَالَ: رحمه الله. فَقَالَ رَجُلٌ مِن القَومِ: وَجَبَت يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَولَا أَمتَعتَنَا بِهِ؟ قَالَ: فَأَتَينَا خَيبَرَ فَحَاصَرنَاهُم حَتَّى أَصَابَتنَا مَخمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيكُم. قَالَ: فَلَمَّا أَمسَى النَّاسُ مَسَاءَ اليَومِ الَّذِي فُتِحَت عَلَيهِم، أَوقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيءٍ تُوقِدُونَ؟ قَالَوا: عَلَى لَحمٍ، قَالَ: أَيُّ لَحمٍ؟ قَالَوا: لَحمُ حُمُرِ إِنسِيَّةِ،

ــ

وصبرًا في مواطن المشقات.

وقوله: (وبالصياح عوَّلوا علينا)؛ أي: ليس عندهم إلا الصياح، فلا نبالي بهم.

وقول الرجل: (وجبت)؛ أي: الرحمة التي دعا له بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الرجل من أهل العلم بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك: أنه علم أن دعوته مستجابة لمكانته عند ربِّه تعالى. وفهم: أن تلك الرحمة تعجل للمدعو له، فقال:(لولا متعتنا به)؛ أي: هلا دعوت الله في أن يمتعنا ببقائه.

و(المخمصة): الجوع الشديد.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فتحها عليكم)؛ أي: يفتحها عليكم. فوضع الماضي موضع المستقبل لما كان أمرًا محققًا عنده. أو يكون أخبر عما علم الله من فتحها.

و(أَنَسيَّة) روي بفتح الهمزة والنون. قال البخاري: كان ابن أبي أويس يقول: (الأَنسية) - بفتح الألف والنون- وأكثر روايات الشيوخ فيه: (الإِنسية) بكسر

ص: 665

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: أَهرِيقُوهَا وَاكسِرُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ من القوم: أَو يُهرِيقُونهَا وَيَغسِلُونهَا؟ فَقَالَ: أَو ذَاكَ. قَالَ: فَلَمَّا تَصَافَّ القَومُ، كَانَ سَيفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضرِبَهُ، وَرَجِعُ ذُبَابُ سَيفِهِ، فَأَصَابَ رُكبَةَ عَامِرٍ، فَمَاتَ مِنهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا، قَالَ سَلَمَةُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي: قَالَ: فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاحبًا قَالَ: مَا لَكَ؟ قُلتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، قَالَ: مَن قَالَهُ؟ قُلتُ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَأُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ الأَنصَارِيُّ، فَقَالَ: كَذَبَ مَن قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجرَينِ،

ــ

الهمزة وسكون النون- وكلاهما صحيح. والأَنس- بالفتح-: التأنس.

قلت: وهو بالفتح منسوب إلى الأُنسِ، بِمَعنَى التَّأَنسِ، وَبِالكَسرِ إِلَى الإِنسِ الَّذِي هُوَ نَوعُ الإِنسَانِ. وقيل: إن كليهما منسوب إلى الإنس (1)، لكن الأول على غير قياس، والأول أولى. والله تعالى أعلم.

وقوله: (أهريقوها واكسروها)؛ الضمير في (أهريقوها) للحوم. وفي (اكسروها) للقدور، وإن لم يجر لهما ذكر، لكنهما تدل عليهما الحال. والهاء الأول في (أهريقوها) زائدة؛ لأن أصله: أراق، يريق. وقد يبدلون من هذه الهمزة (هاء) فيقولون: هراق الماء، وهَرِق ماءك، كما تقول: أراق، وأرق.

وفيه: دلالة على تحريم لحوم الحمر الإنسية، وسيأتي في الأطعمة إن شاء الله.

وقوله: (أو ذاك) ساكنة الواو، إشارة إلى إجازة غسل القدور، وتخيير بينه وبين الكسر المأمور به أولًا. وهذا يدل لمن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أبيح له الحكم بالرأي والاجتهاد.

و(قفلوا): رجعوا. و (شاحبًا): متغيرًا. و (حبط): بطل. و (كذا) أخطأ.

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 666

-وَجَمَعَ بَينَ إِصبَعَيهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثلَهُ.

رواه أحمد (4/ 47 و 48)، والبخاري (2477)، ومسلم (1802)(123)؛ وابن ماجه (3195).

[1319]

وعنه قال: لَمَّا كَانَ يَومُ خَيبَرَ، قَاتَلَ أَخِي قِتَالًا شَدِيدًا مَعَ

ــ

وقوله: (لما كان خيبر قاتل أخي قتالًا شديدًا)؛ القصة مخالفة لما ذكره في الرواية المتقدَّمة، ولما يأتي بعد في أن هذه القضية إنما وقعت لعمه عامر بن الأكوع، وهو الصحيح، فلعل سلمة أطلق على عمه اسم الأخوة لرضاع كان بينهما، أو لمؤاخاة، وإلا فهو وهم من بعض الرواة، والله تعالى أعلم.

وقوله: (إنه لجاهد مجاهد) الرواية الصحيحة المشهورة: بكسر الهاء فيهما، وضم الدال وتنوينها فيهما، وضم الميم. وعند ابن أبي جعفر:(لجاهد مجاهد)، بفتحها كلها إلا هاء (مجاهد) فإنها بالكسر. على أن يكون الأول: فعلًا ماضيًا، والثاني: جمعًا لا نظير له في الآحاد، فلم يصرفه. وكذلك رواه بعض رواة البخاري. والصواب الأول. ومعناه: جاهد جادٌ في أمره. قاله ابن دريد. والثاني: تكرار على جهة التأكيد. قال ابن الأنباري: العرب إذا بالغت في الكلام اشتقت من اللفظة الأولى لفظة على غير بنائها، زيادة في التوكيد. فقالوا: جادٌّ مجدٌ، وليلٌ لائل، وشعر شاعر. قال غيره: وقد يكون (جاهد)؛ أي: مبالغ في سبيل الخير (1). و (مجاهد) لأعدائه.

قلت: ويظهر لي: أن هذا القول أحسن بدليل قوله في الرواية الأخرى: (مات جاهدًا مجاهدًا، فله أجره مرتين)؛ فأشار بفاء التعليل إلى الجهتين اللتين يؤجر منهما، وهما: جاهد مجاهد. فمعنى أحدهما غير الآخر. والله تعالى أعلم.

وقوله: (قل عربي مشى بها مثله)؛ أكثر الروايات على أن (مشى) مفتوح

(1) ساقط من (ع).

ص: 667

رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم، فَارتَدَّ عَلَيهِ سَيفُهُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ أَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، وَشَكُّوا فِيهِ: رَجُلٌ مَاتَ فِي سِلَاحِهِ، وَشَكُّوا فِي بَعضِ أَمرِهِ، قَالَ سَلَمَةُ: فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن خَيبَرَ. فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائذَن لِي أَن أَرجُزَ بَكَ، فَأَذِنَ الرَسُولُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: أَعلَمُ مَا تَقُولُ، قَالَ: فَقُلتُ:

وَاللَّهِ لَولَا اللَّهُ مَا اهتَدَينَا

وَلَا تَصَدَّقنَا وَلَا صَلَّينَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: صَدَقتَ.

فَأَنزِلَن سَكِينَةً عَلَينَا

وَالمُشرِكُونَ قَد بَغَوا عَلَينَا

فَلَمَّا قَضَيتُ رَجَزِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن قَالَ هَذَا؟ قُلتُ: قَالَهُ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: يَرحَمُهُ اللَّهُ. قَالَ: فَقُلتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! والله إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلَاةَ عَلَيهِ، يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاتَ بِسِلَاحِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا.

ــ

الميم على أنه فعل ماض، و (بها) بغير تنوين الهاء، على أنه جار ومجرور. وللفارسي وحده:(مُشابهًا) -بضم الميم، وتنوين الهاء- (1) من المشابهة. وفي البخاري لبعض الرواة:(نشأ بها) من النشء (2). وكل بعيد في المعنى والعربية، والصواب رواية الجماعة، والضمير في (بها) عائد على الأرض، وقيل: على الحرب.

قلت: ويحتمل أن يعود على الشهادة والحالة الحسنة التي مضى بها إلى الله تعالى. وهذا يعضده المعنى، ومساق الكلام. والله تعالى أعلم.

(1) ساقط من (ز).

(2)

نشأ: شبَّ ونما، فهو ناشِئ.

ص: 668