المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

[1011]

عَن سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ} كَانَ مَن أَرَادَ أَن يُفطِرَ وَيَفتَدِيَ حَتَّى نَزَلَت الآيَةُ الَّتِي بَعدَهَا فَنَسَخَتهَا.

ــ

(17)

ومن باب: نسخ الفدية

قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ} اختلف في قراءتها، وفي معناها، فأما قراءتها: فالجمهور على: (يُطِيقُونَهُ) بكسر الطاء وسكون الياء، وأصله: يطوقونه (1)، وكذلك قراءة حميد.

ومشهور قراءة ابن عباس: يُطوقُونه. وقد روي عنه: يطيقُونه. وقرأت عائشة وطاوس وعمرو بن دينار: يطوقُونه.

فأما قراءة الجمهور فمعناها: يقدرون عليه. وعلى هذا تكون الآية منسوخة كما قال سلمة بن الأكوع، وابن عمر، ومعاذ بن جبل، وعلقمة، والنخعي، والحسن، والشعبي، وابن شهاب.

وقال السُّدي: هم الذين كانوا يطيقونه وهم بحال الشباب ثم استحالوا بالشيخ فلا يستطيعون الصوم. وهي عنده محكمة، وتلزم الشيوخ عنده الفدية. ونحوه عن ابن عباس، وزاد: المريض الذي لا يقدر على الصوم، وعضد هذا بقراءته المذكورة قبل.

قال القاضي أبو محمد (2) بن عطية: الآية عند مالك؛ إنما هي فيمن يدركه رمضان وعليه صوم من رمضان المتقدم، فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم، فترك، فعليه الفدية.

وحكى الطبري عن عكرمة: أنه كان يقرؤها: وعلى الذين يطيقونه فأفطروا.

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

في الأصول (أبو بكر) والمثبت من (ع)، وانظره في السير (19/ 587).

ص: 202

وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَى أُنزِلَت هَذِهِ الآية: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ} [البقرة: 185].

رواه البخاري (4506)، ومسلم (1145)(149 و 150)، وأبو داود (2315)، والترمذي (798)، والنسائي (4/ 190).

ــ

وأما قراءة: يُطوقُونه؛ فمعناه: يكلفونه مع المشقة اللاحقة لهم كالمريض والحامل؛ فإنهما يقدران عليه؛ لكن بمشقة تلحق رضيعها، فذهب بعض الناس: إلى أنها محكمة لهؤلاء، فإن صاموا أجزأهم، وإن افتدوا فلهم ذلك، وقاله ابن عباس فيما حكاه عنه البخاري، وأبو داود، ورأيا: أنها ليست بمنسوخة؛ لكنها مثبتة للشيخ والمرأة الكبيرة اللذين لا يستطيعان أن يصوما، وللحامل والمرضع.

و{يُطِيقُونَهُ} بالياء مكان الواو مشددة، مبنيًّا للمفعول، مثل:(يَطَوَّقُونه) بالمعنى. فأما قراءة عائشة: فأصلها: (يَتَطَوَّقُونه) فأُدغمت التاء في الطاء، ومعناها: يتكلفون ذلك بأنفسهم مع المشقة، ويرجع ذلك لما تقدَّم في المريض ومن ذكر معه.

فأما قوله تعالى: {فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ} ففدية: مرفوع بالابتداء، والخبر محذوف؛ أي: فعليهم فدية، أو خبر مبتدأ؛ أي: فحكمهم فدية. وقراءة نافع وابن عامر: ففديةُ طعامِ بإضافة فِديَةٌ إلى طَعَامٍ وجمع مَسَاكِينِ. وقرأ هشام: فِديَةٌ طَعَامُ (1)، بتنوين فِديَةٌ ورفع طَعَامُ على أن الطعام بدل منها. وقرأ بقية السبعة كذلك، إلا أنهم وحدوا مَسَاكِينِ وهي قراءة: حسنة؛ لأنها بيَّنت: أن الواجب في فطر يوم إطعام مسكين واحد، فأما الجمع فلا يعرف من مساق الآية هل هم أعني: المساكين - بإزاء يوم واحد، أو بإزاء أيام؟ وإنما يعلم ذلك من دليل آخر.

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم اختلفوا في مقدار هذا الطعام حيث يجب: فذهب مالك وجماعة من العلماء: إلى أنه مُدٌّ لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدَّم في الزكاة.

وقال أشهب: مُدّ وثلث بمد أهل المدينة. وقال قوم: قوت يوم عشاء وسحور. وقال سفيان الثوري، وأبو حنيفة: نصف صاع من قمح، وصاع من تمر أو زبيب.

وقوله: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فَهُوَ خَيرٌ لَهُ} ؛ أي: من تطوع بزيادة على إطعام مسكين، قاله ابن عباس وجماعة. وقال ابن شهاب: من أراد الإطعام مع الصوم. وقال مجاهد: من زاد في الإطعام على المد.

وخَيرٌ الأول والثاني بمعنى: أَخيَر، وأفضل، معناه: من تطوَّع بأكثر من ذلك فهو أفضل عند الله.

وقوله: {وَأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم} ؛ أي: الصوم خير. وكذلك قرأها أُبَيّ. ومعناه: أن الصوم أفضل وأولى من الفدية.

وقول سلمة بن الأكوع: إن ذلك نسخ بقوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ} هذا مقبول من قول الصحابي؛ لأنه أعلم بالمقال، وأقعد بالحال، كما إذا قال: أمر ونهى. ووجه النسخ في هذا واضح؛ وهو: أن آية الفدية تقتضي التخيير بين الفدية والصوم مطلقًا، كما قال سلمة. وهذه الآية الأخرى جاءت جازمة بالصوم لمن شهد الشهر، رافعة لذلك التخيير.

ومعنى: شهد الشهر؛ أي: حضر فيه مقيمًا في المصر. هذا قول جمهور العلماء، وعلى هذا يكون الشَّهرَ منصوبًا على الظرف، ويكون معناه عندهم: أن من دخل عليه الشهر وهو مسافر، أو طرأ عليه فيه سفر؛ لم يجب عليه صومه.

وروي عن عليّ، وابن عباس، وعبيدة السلماني: أن معنى مَن شَهِدَ: من حضر دخول الشهر، وكان مقيمًا في أوله فليكمل صيامه، سافر بعد ذلك أو أقام؛ وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في السفر.

قلت: وهذا القول يردّه فطر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في السَّفر الطارئ عليهم بفتح مكة، على ما تقدَّم. وقد كانوا ابتدؤوا الصوم في الحضر. وقال أبو حنيفة: من

ص: 204

[1012]

وعن عَائِشَةَ قالت: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّومُ مِن رَمَضَانَ فَمَا أَستَطِيعُ أَن أَقضِيَهُ إِلَّا فِي شَعبَانَ

ــ

شهد الشهر بشروط التكليف فليصمه، ومن دخل عليه وهو مجنون، وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام. ومن جُنَّ أول الشهر، أو آخره؛ فإنه يقضي أيام جنونه.

قال القاضي أبو محمد بن عطية: ونصب الشهر على هذا التأويل على المفعول الصريح: بـ (شَهِدَ).

قلت: وتكميله أن يكون شُهَدَ بمعنى: شاهد.

وقول عائشة رضي الله عنها: (أنها يكون عليها الصوم فما تستطيع أن تقضيه حتى يأتي شعبان)؛ فيه حجة على أن قضاء رمضان ليس على الفور؛ خلافًا لداود في إيجابه إياه ثاني شوال، ومن لم يصمه كذلك فهو آثم عنده. وهذا الذي صار إليه داود خلافًا لما يفهم من هذا الحديث ومن قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ} ؛ فإنه لم يعينها، ولا قيدها بقيدٍ، فتعيينها تحكم بغير دليل.

وحديث عائشة هذا وإن لم تصرح فيه برفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يعلم: أنه لا يخفى مثله عنه، ولا أن أزواجه ينفردن بآرائهن في مثل هذا الأمر المهم الضروري، فالظاهر: أن ذلك عن إذن النبي صلى الله عليه وسلم وتسويفه لهن ذلك. فوقت قضائه على هذا: من شوال إلى شعبان. وهو قول مالك، والشافعي. فله أن يوقعه في أي وقت من أوقات المدة المذكورة شاء. وحينئذ يأثم مؤخره عن شعبان لتفريطه.

ثم هل تلزمه كفارة لذلك، أم لا تلزمه؟ فالأول قول مالك، والشافعي، ومعظمهم. وقال به ابن عباس، وعائشة. وذهب أبو حنيفة، وأصحابه، وداود: إلى أنه لا كفارة عليه.

ثم اختلف أصحابنا فيما به يكون مفرطًا: فمعظم الشيوخ: على أنه لا يكون مفرطًا إلا بترك القضاء عند خروج مقدار ما عليه من أيام الصوم من شعبان. ولو صح من سنته، ثم جاءه ما منعه حتى دخل عليه رمضان؛ لم تلزمه الكفارة.

وقال بعضهم: إنه تراعى صحته، وإقامته من أول عامه، فمن صح من

ص: 205

الشُّغلُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَو بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَفِي رِوَايَةٍ: وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه البخاري (1950)، ومسلم (1146)(151)، وأبو داود (2399)، والترمذي (783)، والنسائي (4/ 191).

ــ

شوال فما بعده مدة يمكنه فيه قضاء ما عليه فلم يفعل حتى جاءه ما منعه حتى دخل عليه رمضان؛ فقد لزمته الكفارة. ونحوه في المدونة.

قلت: والقول الأول جار على القياس في التوسيع لوقت الصلاة؛ فإنه لو صح في أول وقت الصلاة، ثم أغمي عليه مثلاً؛ حتى خرج الوقت؛ أعني: وقت الضرورة عند أصحابنا لم يلزمه قضاء، وعلى ذلك القياس: لو مات في أثناء السنة لم يقضِ. وقد حكى أبو حامد: إجماع السَّلف على ذلك القياس في الصلاة، اللهم إلا أن يخاف الفوت لحضور سببه؛ فيتعين الفعل إذ ذاك، فإن أخره أثم.

وأما القول الثاني: فإنما يتمشى على مذهب من يقول: إنه مُوسَّعٌ بشرط سلامة العاقبة، كما يقوله الكرخي. ولا نعلم أحدًا من أصحابنا قال به، غير أن هذا الفرع يقتضي مراعاة ذلك الأصل، والله تعالى أعلم.

ثم اختُلف في قضاء رمضان: هل من شرطه التتابع؟ وبه قال جماعة من الصحابة، والتابعين، وأهل الظاهر. أو ليس من شرطه ذلك. وهو مروي أيضًا عن جماعة من الصحابة، والتابعين، وكافة علماء الأمصار متمسكين بإطلاق قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ} والتقييد لا بُدَّ فيه من دليل، ولا حجة في قراءة عبد الله متتابعات؛ إذ ليست تلك الزيادة بقرآن متواتر، ولا مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعمل بها، وهي محمولة على أنها من تفسير ابن مسعود لرأي رآه. والله تعالى أعلم.

وقولها: (الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي الرواية

ص: 206

[1013]

وعَنهَا قَالَت: إِن كَانَت إِحدَانَا لَتُفطِرُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا تَقدِرُ عَلَى أَن تَقضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَأتِيَ شَعبَانُ.

رواه مسلم (1146)(152).

* * *

ــ

الثالثة: (فما نقدر أن نقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كل هذه الألفاظ محوِّمَةٌ على أن مراعاة حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أزواجه كانت الموجبة لتأخير قضاء رمضان إلى شعبان.

وتفيد أن تأخير القضاء إلى شعبان مسوغ، وأن المبادرة به أولى، وأن ذلك التأخير كان عن إذنه صلى الله عليه وسلم. وارتفع (الشغل) في الرواية الأولى على أنه فاعل بفعل مضمر، دلَّ عليه المساق؛ كأنها قالت: منعني الشغل.

وظاهر مساق الألفاظ: أنها من قول عائشة، وخصوصًا: في الرواية الثالثة، فإن ذلك نصٌّ؛ غير أن البخاري ذكر الرواية الأولى، ثم قال:(قال يحيى: الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم). فقال لذلك بعض علمائنا: إن ذلك القول في الرواية الأولى ليس من قول عائشة، وإنما هو من قول غيرها، وسكت عنه.

قلت: وَهَبكَ أن الرواية الأولى قابلة للاحتمال، لكن الثالثة لا تقبل شيئًا من ذلك، فتأملها.

وقولها: (إن كانت إحدانا لتفطر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ يفيد هذا اللفظ: أن التأخير لأجل الشغل لم يكن لها وحدها، بل لها ولغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

وقولها: (فما نقدر على أن نقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعني: أنها كانت تتوقع حاجته إليها على الدوام. فإن قيل: وكيف لا تقدر على الصوم لحقه فيها وقد كان له تسع نسوة، وكان يقسم بينهن، فلا تصل النوبة لإحداهن إلا بعد ثمان، فكان يمكنها أن تصوم في هذه الأيام التي يكون فيها عند غيرها؟ ! فالجواب: أن القسم لم يكن عليه واجبًا لهن، وإنما كان يفعله بحكم تطييب قلوبهن، ودفعًا لما

ص: 207