الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنَا أَمشِي فِي مِثلِ الحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيتُهُ فَأَخبَرتُهُ خَبَرِ القَومِ وَفَرَغتُ قُرِرتُ، فَأَلبَسَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن فَضلِ عَبَاءَةٍ كَانَت عَلَيهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَم أَزَل نَائِمًا حَتَّى أَصبَحتُ، فَلَمَّا أَصبَحتُ قَالَ: قُم يَا نَومَانُ.
رواه مسلم (1788).
* * *
(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم
-
[1307]
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُفرِدَ يَومَ أُحُدٍ فِي سَبعَةٍ مِن الأَنصَارِ، وَرَجُلَينِ مِن قُرَيشٍ، فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: مَن يَرُدُّهُم عَنَّا
ــ
وقوله: (كأنما أمشي في حمام)؛ أي: لم يصبه شيء من ذلك البرد ببركة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من كراماته، ألا ترى أنه لما فرغ من ذلك العمل أخذه البرد كما كان أول مرة؟ ! و (كبد القوس): وسطها، حيث يقبض الرامي. قال الخليل: كبد كل شيء: وسطه. و (قررت)؛ أي: أصابني القرُّ، وهو: البرد. و (العباءة) - بفتح العين والمد-: هي الشملة، وهي كساء يشتمل به؛ أي: يلتف فيه. و (نومان): كثير النوم. نسبه إلى ذلك؛ لأنه نام حتى دخل عليه وقت صلاة الصبح.
(25)
ومن باب: اقتحام الواحد على جمع العدو
(رَهِقُوهُ)؛ أي: غشوه، ولحقوه، وهو مكسور العين ثلاثيًّا، وقد جاء رباعيًّ بمعنى. ومنه قوله تعالى:{وَلا تُرهِقنِي مِن أَمرِي عُسرًا} قال ابن الأعرابي: رهقته، وأرهقته: بمعنى واحد.
وَلَهُ الجَنَّةُ، أَو هُوَ رَفِيقِي فِي الجَنَّةِ؟ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِن الأَنصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَم يَزَل كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبعَةُ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيهِ: مَا أَنصَفنَا أَصحَابَنَا.
رواه أحمد (3/ 286)، ومسلم (1789).
[1308]
وعن سَهلَ بنَ سَعدٍ، وسئل عَن جُرحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ أُحُدٍ فَقَالَ: جُرِحَ وَجهُ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم، وَكُسِرَت رَبَاعِيَتُهُ، وَهُشِمَت البَيضَةُ عَلَى رَأسِهِ، فَكَانَت فَاطِمَةُ بِنتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَغسِلُ الدَّمَ. وَكَانَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ يَسكُبُ عَلَيه بِالمِجَنِّ. فَلَمَّا رَأَت فَاطِمَةُ أَنَّ المَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثرَةً، أَخَذَت قِطعَةَ حَصِيرٍ فَأَحرَقَتهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا، ثُمَّ أَلصَقَتهُ بِالجُرحِ فَاستَمسَكَ الدَّمُ.
رواه البخاري (2911)، ومسلم (1790)(101)، وابن ماجه (3464).
ــ
و(قوله صلى الله عليه وسلم-لصاحبيه)؛ يعني بهما: القرشيين المذكورين في أول الحديث. وقوله: (ما أنصفنا أصحابنا)، الرواية:(أنصفنا) بسكون الفاء. (أصحابنا) بفتح الباء؛ يعني بهم: السبعة الذين قتلوا.
قال عياض: أي: لم نُدِلهُم القتال حتى قتلوهم خاصة (1). وقد رواه بعض شيوخنا: (ما أنصفَنا أصحابُنا) - بفتح الفاء، وضم الباء من (أصحابنا) - وهذا يرجع إلى من فرَّ عنه وتركه.
و(المجن): الترس؛ لأنه يستجن به؛ أي: يستتر.
و(الرُّباعية) - بفتح الراء، وتخفيف الياء- وهي: كل سن بعد ثنية، و (هشمت): كسرت. و (سلت الدم عنه): نزعه بيده.
(1) في (ع) و (ز): لم يدلهم القتال حتى قتلوا هم خاصة.
[1309]
وعَن أَنَسٍ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كُسِرَت رَبَاعِيَتُهُ يَومَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِي رَأسِهِ، فَجَعَلَ يَسلُتُ الدَّمَ عَنهُ، وَيَقُولُ: كَيفَ يُفلِحُ قَومٌ شَجُّوا نَبِيَّهُم وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، وَهُوَ يَدعُوهُم. فَأَنزَلَ اللَّهُ:{لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ}
رواه أحمد (3/ 253)، ومسلم (1791)، والترمذي (3002)، وابن ماجه (4027).
[1310]
وعَن عَبدِ اللَّهِ قَالَ: كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحكِي نَبِيًّا مِن الأَنبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَومُهُ، وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ، وَهو يَقُولُ: رَبِّ اغفِر لِقَومِي فَإِنَّهُم لَا يَعلَمُونَ.
رواه أحمد (1/ 380)، والبخاري (3477)، ومسلم (1792)، وابن ماجه (4025).
ــ
وقوله: (كيف يفلح قوم شجُّوا نبيهم؟ ) هذا منه صلى الله عليه وسلم استبعاد لتوفيق من فعل ذلك به.
وقوله تعالى: {لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ} تقريب لما استبعده، وإطماع في إسلامهم، ولما أُطمع في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم (1):(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). وإذا تأمل الفطن هذا الدعاء في مثل تلك الحال علم معنى قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فإنه صلى الله عليه وسلم لم يدع عليهم فينتصر، ولم يقتصر على العفو حتى دعا لهم، ولم يقتصر على الدعاء لهم حتى أضافهم لنفسه على جهة الشفقة، ولم يقتصر على ذلك حتى جعل لهم جهلهم بحاله كالعذر، وإن لم يكن عذرًا. وهذا غاية الفضل والكرم التي لا يشارك فيها ولا يوصل إليها.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ج).
[1311]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اشتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَومٍ فَعَلُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهُوَ حِينَئِذٍ يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: اشتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه أحمد (1/ 165)، ومسلم (1793)، والترمذي (1692).
* * *
ــ
وقوله: (اشتد غضب الله على قوم كسروا رباعية نبيهم)؛ يعني بذلك المباشر لكسرها ولشجه، وهو: عمرو بن قمئة. فإنه لم يسلم، ومات كافرًا. فهذا عموم، والمراد به الخصوص، وإلا فقد أسلم جماعة ممن شهد أحدًا كافرًا، ثم أسلموا وحسن إسلامهم.
وقوله: (اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ خصوص، والمراد به العموم في كل كافر قتله نبي من الأنبياء على الكفر. فَيستَوِي في هذا الأنبياء كلهم. وقد جاء هذا نصًّا فيما ذكره البزار عن ابن مسعود مرفوعًا:(أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتل نبيًّا، أو قتله نبي، أو إمام ضلالة)(1).
وقول عبد الله: (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء) إلى آخره؛ النبي صلى الله عليه وسلم هو الحاكي، وهو المحكي عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبل وقوع قضية (2) يوم أحد، ولم يعين له ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وقع ذلك له تعين: أنه هو المعني بذلك.
(1) انظر: مجمع الزوائد (1/ 181).
(2)
في (ج): قصة.