الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا
[1021]
عَن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ قَالَت: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَومٍ: يَا عَائِشَةُ هَل عِندَكُم شَيءٌ؟ قَالَت: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا عِندَنَا
ــ
(20)
ومن باب: من أصبح صائمًا متطوّعًا ثم يفطر
قوله - وقد سأل -: (هل عندهم طعام؟ فقيل: لا، فقال (1): إني صائم)؛ حجة لمن قال: إن صوم التطوع يصح بغير نية تُبَيَّت، كما قدمنا الخلاف فيه، ولا حجة فيه؛ إذ يحتمل أن سؤاله أولا: هل عندهم (2) شيء؟ كان لضعفه عن الصوم فاحتاج إلى الفطر، فسأل، فلما لم يجد بقي على ما قدَّم من صومه (3)، أو سأل عن ذلك وهو صائم ليعلم هل عندهم ما يحتاج إليه عند إفطاره فتسكن نفسه إليه، فلا يحتاج إلى تكلف اكتسابه، ويحتمل أن يكون قوله:(أنا صائم)؛ أي: لم آكل بعد شيئًا (4)، فيكون صائمًا لغة.
و(الزُّور): الزُوَّار، قال ابن دريد: وهو ما يكون الواحد والجماعة فيه سواء. وقيل: الزور: المصدر، وبه سُمي الواحد والاثنان والجميع، كما قالوا: رجل صوم وقوم صوم وعدل، ونحوه للخطابي.
و(الحيس) قال فيه الهروي: هو ثريدة من أخلاط. قال ابن دريد: هو التمر مع الأقط والسَّمن. قال الشاعر:
(1) ساقط من (ع).
(2)
في (ع): عندكم.
(3)
ساقط من (ع).
(4)
ساقط من (ع).
شَيءٌ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَت: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُهدِيَت لَنَا هَدِيَّةٌ، أَو جَاءَنَا زَورٌ.
قَالَت: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُهدِيَت لَنَا هَدِيَّةٌ، أَو جَاءَنَا زَورٌ، وَقَد خَبَأتُ لك شَيئًا. قَالَ: مَا هُوَ؟ قُلتُ: حَيسٌ قَالَ: هَاتِيهِ فَجِئتُ بِهِ، فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: قَد كُنتُ أَصبَحتُ صَائِمًا.
قَالَ طَلحَةُ بن يحيى: فَحَدَّثتُ مُجَاهِدًا بِهَذَا الحديث قَالَ: ذَاكَ بِمَنزِلَةِ الرَّجُلِ يُخرِجُ الصَّدَقَةَ مِن مَالِهِ، فَإِن شَاءَ أَمضَاهَا وَإِن شَاءَ أَمسَكَهَا.
رواه أحمد (6/ 207)، ومسلم (1154)(169)، وأبو داود (2455)، والترمذي (733)، والنسائي (4/ 195).
ــ
التمرُ والسَّمنُ جميعًا و (1) الأَقِط
…
الحَيسُ إلا أنه لم يختلط.
وقولها في هذه الرواية: (فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية)؛ ظاهره: أن هذا وما قبله كان في يوم واحد، وليس كذلك، بدليل: ما جاء في الرواية الأخرى الآتية: (ثم أتانا يومًا آخر)، وذكر نحوه.
وقوله: (قد كنت أصبحت صائمًا، فأكل)؛ حجة لمن قال: إن صائم النافلة يجوز أن يفطر فيه، وأن يخرج منه. وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق مع جماعة من الصحابة، مع استحبابهم له إتمامه من غير وجوب. ومنعه ابن عمر وقال: هو كالملاعب بدينه. وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والحسن، والنخعي، ومكحول، وألزموه إتمامه إذا دخل فيه. فإن أفطر متعمدًا قضاه على
(1) في اللسان: معًا ثم.
[1022]
وعنها قَالَت: دَخَلَ عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَومٍ فَقَالَ: هَل عِندَكُم شَيءٌ؟ فَقُلنَا: لَا قَالَ: فَإِنِّي إِذَا صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَومًا آخَرَ، فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أُهدِيَ لَنَا حَيسٌ فَقَالَ: أَرِينِيهِ، فَلَقَد أَصبَحتُ صَائِمًا فَأَكَلَ.
رواه أحمد (6/ 49)، ومسلم (1154)(170)، والترمذي (734)، والنسائي (4/ 194 - 195).
ــ
مذهب الملزمين لإتمامه. فلو أفطر ناسيًا، أو مغلوبًا، أو لعذر لم يلزم القضاء، وأسقط أبو حنيفة القضاء عن الناسي خاصة، وأوجبه عليه ابن عُلَيَّة. وحكى ابن عبد البر: الإجماع على أن المفطر فيه لعذر لا قضاء عليه؛ وكأنه لم يقف على ما ذكر عن ابن عُلَيَّة، فإنه خلاف شاذ. ويحمل الحديث عند هؤلاء على أنه صلى الله عليه وسلم كان مجهودًا.
ومما يستدل به لمالك ومن قال بقوله: حديث النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصبحت صائمة أنا وحفصة، فأُهدي لنا طعام فأعجبنا، فأفطرنا، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فبدرتني حفصة فسألته؟ فقال:(صوما يومًا مكانه)(1).
وقول مجاهد: ذلك بمنزلة الرَّجُل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها (قياس)(2)، ليس بصحيح، فإن الذي يخرج الصدقة من ماله ولم يعطها للفقير، ولم يعينها، لم يدخل في عمل يجب إتمامه، بخلاف الصائم؛ فإنه قد دخل في عمل الصوم، وقد تناوله نهي قوله تعالى:{وَلا تُبطِلُوا أَعمَالَكُم} ؛ وإنما يدخل في عمل الصدقة بدفعها لمستحقها، أو بتعيينها، وحينئذ تجب للفقير (3)، ويحرم على مخرجها الرجوع فيها، وأخذها منه، فأما قبل
(1) رواه النسائي في الكبرى (3299).
(2)
ساقط من (ع).
(3)
ساقط من (هـ).
[1023]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ، أَو شَرِبَ فَليُتِمَّ صَومَهُ فَإِنَّمَا أَطعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ.
ــ
ذلك فغاية ما عنده نية الصدقة؛ لا الدخول فيها، فافترق الفرع من الأصل، ففسد القياس.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)؛ احتج به من أسقط القضاء عمن أفطر ناسيًا في رمضان. وهو الشافعي وغيره. وخالفهم في ذلك مالك وغيره، ولهؤلاء أن يقولوا بموجب ذلك إذ لم يتعرض فيه للقضاء، بل الذي تعرض له: سقوط المؤاخذة عمن أفطر ناسيًا. والأمر يمضيه على صومه وإتمامه. وهم يقولون بكل ذلك. فأما القضاء فلا بدَّ له منه إذ المطلوب صيام يوم تام لا يقع فيه خرم، ولم يأت به، فهو باق عليه، هذا عذر أصحابنا عن هذا الحديث الذي جاء بنص كتاب مسلم، وفي كتاب الدارقطني لهذا الحديث مساقٌ أنصّ من هذا عن أبي هريرة مرفوعًا قال:(إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا، فإنما هو رزق ساقه الله إليه، ولا قضاء عليه)(1). قال الدارقطني في إسناده: إسناد صحيح، وكلهم ثقات. وفي طريق آخر:(من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه، ولا كفارة)(2)، وهو صحيح أيضًا.
وهذه النصوص لا تقبل ذلك الاحتمال. والشأن في صحتها، فإن صحّت وجب الأخذ بها، وحكم بسقوط القضاء.
وقوله: (فإنما أطعمه الله تعالى وسقاه)؛ يعني: أنَّه لما أفطر ناسيًا لم ينسب إليه من ذلك الفطر شيء، وتمحضت نسبة الإطعام والسقي إلى الله تعالى؛ إذ هو فعله، ولذلك قال في بعض رواياته: فإنما هو رزق ساقه الله إليه.
(1) رواه الدارقطني (2/ 178).
(2)
المصدر السابق.