الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها
[1261]
عَن ابنِ عُمَرَ، قَالَ: وُجِدَت امرَأَةٌ مَقتُولَةً فِي بَعضِ تِلكَ المَغَازِي، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن قَتلِ النِّسَاءِ وَالصِّبيَانِ.
رواه أحمد (2/ 22 - 23)، والبخاري (3014)، ومسلم (1744)(25)، وأبو داود (2668)، والترمذي (1569)، وابن ماجه (2841).
ــ
(4)
ومن باب: النهي عن قتل النساء والصبيان
قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان)(1)؛ هذا اللفظ عام في جميع نساء أهل الكفر، فتدخل فيهم المرتدة وغيرها. وبه تمسَّك أبو حنيفة في منع قتل المرتدة. ورأى الجمهور أنه لم يتناول المرتدة لوجهين:
أحدهما: أن هذا العموم خرج على نساء الحربيين كما هو مبيَّن في الحديث.
والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه)(2). وفي المسألة أبحاث تُعلم في علم الخلاف.
قال القاضي أبو الفضل عياض: أجمع العلماء على الأخذ بهذا الحديث في ترك قتل النساء، والصبيان، إذا لم يقاتلوا.
واختلفوا إذا قاتلوا.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
رواه أحمد (1/ 217 و 282)، والبخاري (6922)، وأبو داود (4351)، والترمذي (1458)، والنسائي (7/ 104 و 105) من حديث ابن عباس.
[1262]
وعَن الصَّعبِ بنِ جَثَّامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قِيلَ لَهُ: لَو أَنَّ خَيلًا أَغَارَت مِن اللَّيلِ فَأَصَابَت مِن أَبنَاءِ المُشرِكِينَ؟
ــ
فجمهور العلماء وكافة من يحفظ عنه: على أنهم إذا قاتلوا قُتلوا. قال الحسن: وكذلك: لو خرج النساء معهم إلى بلاد الإسلام.
ومذهبنا: أنها لا تقتل في مثل هذا، إلا إذا قاتلت.
واختلف أصحابنا إذا قاتلوا ثم لم يظفر بهم حتى برد القتال، فهل يقتلون كما تقتل الأسارى، أم لا يقتلون إلا في نفس القتال؟ وكذلك اختلفوا إذا رموا بالحجارة؛ هل حكم ذلك حكم القتال بالسلاح أم لا؟ قلت: والصحيح: أنها إذا قاتلت بالسِّلاح، أو بالحجارة، فإنه يجوز قتلها لوجهين:
أحدهما: قوله صلى الله عليه وسلم: فيما خرَّجه النسائي من حديث عمر بن مرقّع بن صيفي بن رباح، عن أبيه، عن (1) جدِّه رباح: أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ في غزاة بامرأة قُتيل، فقال:(ما كانت هذه تقاتل)(2)؛ فهذا تنبيه على المعنى الموجب للقتل، فيجب طرده إلا أن يمنع منه مانع.
والثاني: قتل النبي صلى الله عليه وسلم لليهودية التي طرحت الرَّحى على رجل من المسلمين فقتلته، وذلك بعدما أسرها النبي صلى الله عليه وسلم (3). وكلا الحديثين مشهور.
وقوله: (لو أن خيلًا أغارت من الليل)؛ أي: أسرعت طالبة غرَّة العدو، والإغارة: سرعة السير، ومنه قولهم:(أشرق ثُبير كيما نُغير)(4)؛ أي: نسرع في
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
رواه النسائي في السنن الكبرى (8625 و 8626).
(3)
رواه أبو داود (2671)، والبيهقي في الكبرى (9/ 82)، وانظر: الإصابة (2/ 140)، وسيرة ابن هشام (2/ 242).
(4)
ذكره ياقوت في معجم البلدان (2/ 73).
فقَالَ: هُم مِن آبَائِهِم.
رواه أحمد (4/ 38 و 71)، ومسلم (1745)(28)، وأبو داود (4712)، والترمذي (1570).
[1263]
وعَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ نَخيلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَحَرَّقَ وهي البويرة. ولها يَقُولُ حَسَّانُ:
ــ
النَّفر. والغارة: الخيل نفسها. وشنّ الغارة؛ أي: أرسل الخيل مسرعة. ويقال: أغارت الخيل ليلًا، وضحًى، ومساءً، إذا كان ذلك في تلك الأوقات. فأما البيات: فهو أن يؤخذ العدو على غرة بالليل.
وقوله في ذراري المشركين يبيتون: (هم من آبائهم)؛ الذرية: تطلقه العرب على الأولاد والعيال والنساء. حكاه عياض. ومعنى الحديث: أن حكمهم حكم آبائهم في جواز قتلهم عند الاختلاط بهم في دار كفرهم. وبه قال الجمهور: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والثوري. ورأوا رميهم بالمجانيق في الحصون، والمراكب.
واختلف أصحابنا؛ هل يرمون بالنار إذا كان فيهم ذراريهم ونساؤهم، على قولين. وأما إذا لم يكونوا فيهم؛ فهل يجوز رمي مراكبهم وحصونهم بالنار؟ أما إذا لم يوصل إليهم إلا بذلك، فالجمهور على جوازه، وأما إذا أمكن الوصول إليهم بغيره، فالجمهور على كراهته؛ لما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يعذب بالنار إلا الله)(1). وأما إذا كان فيهم مسلمون؛ فمنعه مالك جملة. وهو الصحيح من مذهبه ومذهب جمهور العلماء. وفي المسألة تفصيل يعرف في الأصول.
وقوله: (قطع نخيل بني النضير، وحرق)؛ دليل للجمهور على جواز نخل العدو، وتحريقها إذا لم يرج مصيرها للمسلمين، وكان قطعها نكاية للعدو.
(1) رواه أحمد (2/ 307 و 338 و 453)، والبخاري (3016)، وأبو داود (2674)، والترمذي (1571).
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ
…
حَرِيقٌ بِالبُوَيرَةِ مُستَطِيرُ
وَفِي ذَلِكَ نَزَلَت: {مَا قَطَعتُم مِن لِينَةٍ أَو تَرَكتُمُوهَا} الآيَةَ.
رواه البخاري (3021)، ومسلم (1746)(30)، وأبو داود (2615)، والترمذي (3298).
* * *
ــ
وقد منع ذلك الليث بن سعد، وأبو ثور، وقد روي عن الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه. واختلف في ذلك عن الأوزاعي، واعتذر لهم عن هذا الحديث: بأنه صلى الله عليه وسلم إنما قطع تلك النخيل ليوسع موضع جَوَلان الخيل للقتال. وهذا تأويل يدل على فساده قوله تعالى: {مَا قَطَعتُم مِن لِينَةٍ أَو تَرَكتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذنِ اللَّهِ وَلِيُخزِيَ الفَاسِقِينَ} ولا شك في أن هذه الآية نزلت فيما عاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع نخيل بني النضير، فبين فيها: أن الله تعالى أباحه لنبيه صلى الله عليه وسلم خزيًا للمشركين، ونكاية لهم. والآية نصّ في تعليل ذلك. ويمكن أن يحمل ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من منع ذلك على ما إذا لم يكن في قطعها نكاية، أو ارتجي عودها للمسلمين، والله تعالى أعلم.
و(اللينة): النخلة؛ أيُّ نخلةٍ كانت. وقيل: العجوة. وقيل: كرام النخل، قاله سفيان. وقال جعفر بن محمد: هي العجوة. وقيل: الفسيل؛ لأنه ألين. وقيل: أغصان الأشجار للينها. وقيل: هي النخلة القريبة من الأرض. قال الأخفش: اللينة من اللون. وأصله: لونَة، وتجمع: لين، وليان. قال (1):
وسالفةٍ كسحوق الليا
…
ن أضرم فيها الغَويُّ السُّعُر
و(البويرة) المذكورة في شعر حسَّان: موضع من بلاد بني النضير. و (مستطير): منتشر.
(1) القائل: هو امرؤ القيس، يصف عنق فرسه.