الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام
[1096]
عَن أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالبَطحَاءِ. فَقَالَ لِي: أَحَجَجتَ؟ فَقُلتُ: نَعَم، فَقَالَ: بِمَ أَهلَلتَ؟ قَالَ: قُلتُ: لَبَّيكَ، بِإِهلَالٍ كَإِهلَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقَالَ: فَقَد أَحسَنتَ.
- وَفِي رِوَايَةٍ: قال: هل سقت من هدي؟ قلت: لا - قال: طُف
ــ
والناس من عرفة، فأنزل الله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ} فأحكم الله آياته، والله تعالى أعلم.
(19)
ومن باب: الإهلال بما أهل به الإمام
قوله: (وهو مُنِيخٌ بالبطحاء) أي: مضطجع ببطحاء مكة. وهي المسمَّاة بالأبطح والمحصب.
وقوله: (لبيك بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا كما تقدَّم من إهلال عليٍّ رضي الله عنه، وظاهره: أنه يجوز أن يهل من غير تعيين حج ولا عمرة، ويحيل في التعيين على إحرامِ فلان إذا تحقق: أنه أحرم بأحدهما. وقد اختلف في هذا، فقال بمنعه مالك، وأجازه الشافعي، كما تقدَّم.
قلت: ولا تتم حجة الشافعي بهذا الحديث، ولا بحديث عليّ رضي الله عنه حتى يتبين أنهما حين ابتدأ الإحرام لم يعلما عين ما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يجوز أن يكون كل واحد منهما نُقِل إليه عين ما أحرم به النبي صلى الله عليه وسلم. ولفظهما محتمل، والله تعالى أعلم.
بِالبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالمَروَةِ، وَأَحِلَّ، قَالَ: فَطُفتُ بِالبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالمَروَةِ، ثُمَّ أَتَيتُ امرَأَةً مِن بَنِي قَيسٍ، فَفَلَت رَأسِي.
- وَفِي رِوَايَةٍ: فمشطتني وغسلت رأسي - ثُمَّ أَهلَلتُ بِالحَجِّ، قَالَ: فَكُنتُ أُفتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُوسَى (أَو: يَا عَبدَ اللَّهِ بنَ قَيسٍ) رُوَيدَكَ بَعضَ فُتيَاكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدرِي مَا أَحدَثَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ فِي النُّسُكِ بَعدَكَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَن كُنَّا أَفتَينَاهُ فُتيَا فَليَتَّئِد، فَإِنَّ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيكُم، فَبِهِ فَأتَمُّوا، قَالَ: فَقَدِمَ عُمَرُ، فَذَكَرتُ ذَلِكَ له. فَقَالَ: إِن نَأخُذ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَأمُرُ بِالتَّمَامِ،
ــ
وقوله: (وكنت أفتي الناس به) يعني: بالتحلل لمن أحرم بالحجِّ بعمل العمرة، وكأن أبا موسى رضي الله عنه -اعتقد - عموم مشروعية ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التحلل، وتعديه لغير الصحابة، ولم ير أن ذلك خاص بالصحابة رضي الله عنهم كما اعتقد غيره منهم.
و(رويدك) أي: ارفق رفقك، أو كُفَّ بعض فتياك، فيصحّ أن يكون مصدرًا ومفعولاً، فيكون مثل قول امرئ القيس:
أَفَاطمُ مَهلاً بَعضَ هذا التَّدَلُّلِ (1)
…
. . . . . . . . . . . . . .
و(فليتئد): فليرفق.
وقول عمر: (إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام) يعني في قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ لِلَّهِ}
وقوله: (وإن نأخذ بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي) يعني: أن حجَّة الوداع لم يحل النبي صلى الله عليه وسلم منها حتى رمى جمرة العقبة، ولم يحل بعمرة، كما فعل أصحابه.
(1) عجز البيت: وإنْ كنتِ قد أزمَعْتِ صرمي فَأجْملي.
وَإِن نَأخُذ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَم يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الهَديُ مَحِلَّهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ عُمَرُ: قَد عَلِمتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَد فَعَلَهُ، وَأَصحَابُهُ، وَلَكِن كَرِهتُ أَن يَظَلُّوا مُعرِسِينَ بِهِنَّ فِي الأَرَاكِ، ثُمَّ يَرُوحُونَ فِي الحَجِّ تَقطُرُ رُؤوسُهُم.
رواه البخاري (1559)، ومسلم (1221)(154 و 155) و (1222)، والنسائي (5/ 153).
* * *
ــ
وقوله: (قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه)؛ يعني به: فسخ الحج في العمرة. ونسبة الفسخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أمر بفعله. واعتلاله بقوله: (كرهت أن يظلُّوا بهن مُعرِسِين في الأراك) يعني: أنه كره أن يحلُّوا من حجهم بالفسخ المذكور، فيطؤون نساءهم قبل تمام الحج الذي كانوا أحرموا به. ولا يظن بمثل عمر رضي الله عنه، الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه أنه منع ما جوَّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرأي والمصلحة، فإن ذلك ظنُّ مَن لم يعرف عمر، ولا فهم استدلاله المذكور في الحديث، وإنما تمسَّك بقول الله عز وجل:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ لِلَّهِ} ؛ ففهم: أن من تلبس بشيء منهما وجب عليه إتمامه، ثم ظهر له: أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قضية معينة مخصوصة على ما ذكرناه فيما تقدَّم، فقضى بخصوصية ذلك لأولئك. ثم إنه أطلق الكراهية وهو يريد بها التحريم، وتجنب لفظ التحريم؛ لأنه مما أداه إليه اجتهاده. وهذه طريقة كبراء الأئمة: كمالك، والشافعي. وكثيرًا ما يقولون: أكره كذا
…
وهم يريدون التحريم، وهذا منهم تحرُّز وحَذَر، من قوله تعالى:{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}
(مُعرِسِين): جمع مُعرِس، وهو الذي يخلو بِعِرسِهِ؛ أي: بزوجته. ولا يصحُّ