الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة
[1196]
عَن ابنِ عُمَرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يحل لامَرأَةُ تؤمن
ــ
(51)
ومن باب: ما جاء أن المَحرَمَ من الاستطاعة
ظواهر أحاديث هذا الباب متواردةٌ على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر سفرًا طويلًا إلا ومعها ذو محرم منها أو زوج، وسيأتي القول في أقل السفر الطويل، وقد مرَّ منه طرف في كتاب الصلاة، فيلزم من هذه الأحاديث أن يكون المَحرم شرطًا في وجوب الحج على المرأة لهذه الظواهر، وقد روي ذلك عن النخعي والحسن، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحاب الرأي وفقهاء أصحاب الحديث، وذهب عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والأوزاعي ومالك والشافعي إلى أن ذلك ليس بشرط. وروي مثله عن عائشة رضي الله عنها، لكن الشافعي - في أحد قوليه - يشترط أن يكون معها نساء أو امرأة ثقة مسلمة، وهو ظاهر قول مالك على اختلاف في تأويل قوله تخرج مع رجال أو نساء؛ هل بمجموع ذلك أم في جماعة من أحد الجنسين؟ وأكثر ما نقله أصحابنا عنه اشتراط النساء، وسبب هذا الخلاف مخالفة ظواهر هذه الأحاديث لظاهر قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلا} وذلك أن قوله: {مَنِ استَطَاعَ} ظاهره الاستطاعة بالبَدَن (1) كما قررناه آنفًا، فيجبُ على كل من كان قادرًا عليه ببدنه، ومن لم تجد محرمًا قادرة ببدنها فيجب عليها. فلما تعارضت هذه الظواهر اختلف العلماء في تأويل ذلك؛ فجمع أبو حنيفة ومن قال بقوله بينهما بأن جعل الحديث مبينًا (2) للاستطاعة في حق المرأة، ورأى مالك ومن
(1) في (ج): في البدن.
(2)
ساقط من (ع).
بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليالٍ
ــ
قال بقوله أن الاستطاعة بيّنة في نفسها في حق الرجال والنساء وأن الأحاديث المذكورة في هذا لم تتعرض للأسفار الواجبة، ألا ترى أنه قد اتفق على أنه يجب عليها أن تسافر مع غير ذي محرم إذا خافت على دينها ونفسها، وتُهاجر من دار الكفر كذلك (1)، ولذلك لم يختلف في أنها ليس لها أن تسافر سفرًا غير واجب مع غير ذي محرم أو زوج، ويمكن أن يقال: إن المنع في هذه الأحاديث إنما خرج لما يؤدي إليه من الخلوة وانكشاف عوراتهن غالبًا، فإذا أمن ذلك بحيث يكون في الرفقة نساء تنحاش إليهن جاز - كما قاله الشافعي ومالك، وأما مع الرِّجال المأمونين ففيه إشكال لأنه مظنة الخلوة وكشف العورة، وقد أقام الشرع المظنة مقام العلة في غير ما موضع، والله تعالى أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة هو على العموم لجميع المؤمنات؛ لأن امرأة نكرة في سياق النفي فتدخل فيه الشابة والمتجالَّة (2)، وهو قول الكافة. وقال بعض أصحابنا: تخرج منه المتجالَّة؛ إذ حالها كحال الرجل في كثير من أمورها. وفيه بُعد؛ لأن الخلوة بها تحرم، وما لا يطلع عليه من جسدها غالبًا عورة، فالمظنة موجودة فيها، والعموم صالح لها، فينبغي ألا تخرج منه، والله تعالى أعلم.
وقوله مسيرة ثلاث، أو يومين، أو يوم وليلة لا يتوهم منه أنه اضطراب أو تناقض، فإن الرواة لهذه الألفاظ من الصحابة مختلفون، روى بعض ما لم يَروِ بعض، وكل ذلك قاله النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفةٍ بحسب ما سئل عنه.
(1) سقطت هذه اللفظة من (ع).
(2)
"المتجالة": التي كبرت وأسنَّت.
إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ.
رواه مسلم (1338)(414).
[1197]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ مَسجِدِي هَذَا، وَالمَسجِدِ الحَرَامِ، وَالمَسجِدِ الأَقصَى. وَسَمِعتُهُ يَقُولُ: لَا تُسَافِر المَرأَةُ يَومَينِ مِن الدَّهرِ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ مِنهَا أَو زَوجُهَا.
رواه مسلم (827)(415)، وأبو داود (1726)، والترمذي (1169)، وابن ماجه (2898).
ــ
وأيضًا فإن كل ما دون الثلاث داخل في الثلاث، فيصح أن يعيّن بعضها، ويحكم عليها بحكم جميعها، فينص تارة على الثلاث وتارة على أقل منها لأنه داخل فيها، وقد تقدَّم الخلاف في أقل مدة السفر في باب القصر.
وقوله إلا ومعها ذو محرم منها، هذا يعم ذوي المحارم سواء كان بالصهر أو بالقرابة، وهو قول الجمهور، غير أن مالكًا قد كره سفر المرأة مع ابن زوجها، قال: وذلك لفساد الناس بعد.
وقوله لا تشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ يعني: لا يسافر لمسجد لفعل قُربة فيه إلا إلى هذه المساجد لأفضليتها وشرفيتها على غيرها من المساجد، ولا خلاف في أن هذه المساجد الثلاثة أفضل من سائر المساجد كلها. ومقتضى هذا النهي أن من نذر المشي أو المضي إلى مسجد من سائر المساجد للصلاة فيه - ما عدا هذه الثلاثة - وكان منه على مسافةٍ يحتاج فيها إلى إعمال المَطِيِّ وشدِّ رحالها لم يلزمه ذلك؛ إلا أن يكون نذر مسجدًا من هذه المساجد الثلاثة، وقد ألحق محمد بن مسلمة مسجدَ قِباء بهذه المساجد على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
[1198]
وعن أبي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ لِامرَأَةٍ مُسلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرمَةٍ مِنهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ: مَسِيَرَة يَوم.
وَفِي أُخرَى: مَسِيرَةِ يَومٍ وَلَيلَةٍ.
رواه البخاري (1088)، ومسلم (1339)(419 و 421)، وأبو داود (1724)، والترمذي (1170)، وابن ماجه (2899).
[1199]
وعن ابنَ عَبَّاسٍ قال: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ يَقُولُ: لَا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بِامرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحرَمٍ، وَلَا تُسَافِر امَرأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحرَمٍ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ امرَأَتِي خَرَجَت حَاجَّةً،
ــ
فصار شدُّ الرِّحال في هذا الحديث عبارة عن السفر البعيد، فأمَّا لو كان المسجد قريبًا منه لزمه المضي إليه إذا نذر الصلاة فيه؛ إذ لم يتناوله هذا النَّهي، وسيأتي لهذا مزيد بيان وتفريع.
وقوله مسيرة يوم أو ليلة، لما كان ذِكر أحدهما يدل على الآخر ويستلزمه اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر، وقد جمعهما في الرواية الأخرى حيث قال يوم وليلة، والروايات يُفسر بعضها بعضًا. وقد وقع في بعض الروايات لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم (1) ولم يذكر مدة، فيقتضي بحكم إطلاقه منع السَّفر قصيره وطويله.
وقوله لا يخلون رجل بامرأة عامٌّ في المتجالات وغيرهن، وفي الشيوخ وغيرهم، وقد اتقى بعض السَّلف الخلوة بالبهيمة وقال: شيطانٌ مُغوٍ وأنثى حاضرة - أو كلامًا هذا معناه.
(1) رواه البخاري (1862)، ومسلم (1/ 222).