الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك
[1285]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: أُصِيبَ سَعدٌ يَومَ الخَندَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ ابنُ العَرِقَةِ، رَمَاهُ فِي الأَكحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيمَةً فِي المَسجِدِ يَعُودُهُ مِن قَرِيبٍ،
ــ
(16)
ومن باب: إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره
(ابن العَرِقة) - بالعين المهملة، وكسر الراء- هي رواية الحفاظ، وضبط المتقنين، واسمه: حبان- بكسر الحاء- ابن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف. والعَرِقة: أمَّه، واسمها: قِلابةُ- بكسر القاف، والباء بواحدة- بنت سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص. وقيل: اسمه: جبار بن قيس، أحد بني العرقة. قال الدارقطني: والأول أصح. وقيل: العرَقة - بفتح الراء- قاله الواقدي. وقال: إن أهل مكة يقولونه كذلك، والأول أصح، وأشهر.
والأكحل: عرق معروف. قال الأصمعي: إذا قطع في اليد لم يرقأ الدم، وهو عرق الحياة، في كل عضو منه شعبة لها اسم.
وقوله: (فضرب عليه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد، يعوده من قريب)؛ هذا نص على أن سعدًا كان مقيمًا في المسجد في هذه الحالة، وقد ذكر في هذا الحديث بعد هذا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه، فأتاه، فلما دنا قريبًا من المسجد،
(1) في النسخ: له. والمثبت من صحيح مسلم والتلخيص.
فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن الخَندَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ، فَاغتَسَلَ، فَأَتَى جِبرِيلُ وَهُوَ يَنفُضُ رَأسَهُ مِن الغُبَارِ، فَقَالَ: وَضَعتَ السِّلَاحَ؟ وَاللَّهِ مَا وَضَعنَاه! اخرُج إِلَيهِم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: فَأَينَ؟ . فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيظَةَ، فَقَاتَلَهُم رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلُوا عَلَى حُكمِ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الحُكمَ فِيهِم إِلَى سَعدٍ. فقال: فَإِنِّي أَحكُمُ فِيهِم أَن تُقتَلَ المُقَاتِلَةُ، وَأَن تُسبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ، وَتُقسَمَ أَموَالُهُم.
ــ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى سيدكم)، وظاهره: أنه كان خارجًا عن المسجد، وأنه أتى إليه. وهذا إشكال أوجبه اعتقاد اتخاذ المسجد في الموضعين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد استدعى سعدًا لمسجده في المدينة، وليس الأمر كذلك، بل كان نازلًا على بني قريظة، ومنها وجه إليه، فيحتمل أن يكون سعد اختط هنالك مسجدًا يصلي فيه، فعبّر الراوي عنه. وقال بعض علمائنا: المسجد هنا تصحيف من بعض الرواة، وإنما اللفظ: فلما دنا من النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل ما جاء في كتاب أبي داود: فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأن الراوي سمع: من النبي صلى الله عليه وسلم فتصحف عليه. والله تعالى أعلم.
وقوله: (فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح، فاغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام هكذا وقع في الرواية: فأتاه- بالفاء- والصواب: طَرحُها؛ فإنه جواب لما، ولا تدخل الفاء في جواب لما، وكأنها زائدة، كما زيدت الواو في جوابها في قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
…
بنا بطن حقفٍ ذي ركام عقنقل
وإنما هو: انتحى، فزاد الواو.
وقوله: (فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد)؛ هذا تفسير، فينبغي أن يحمل عليه ما ليس
رواه أحمد (6/ 141 - 142)، والبخاري (4122)، ومسلم (1769)(65).
[1286]
وعن أبي سَعِيدٍ قَالَ: نَزَلَ أَهلُ قُرَيظَةَ عَلَى حُكمِ سَعدِ بنِ مُعَاذٍ، فَأَرسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى سَعدٍ، فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِن المَسجِدِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَنصَارِ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُم، (أَو خَيرِكُم)، ثُمَّ
ــ
بمفسَّر مما في الرواية الأخرى: أنهم نزلوا على حكم سعد، فإنهم إنما نزلوا على حكمه بعد أن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم. ومن هذا الموضع يؤخذ (1) الحكم الذي أشرنا إليه في الترجمة، وفيه ردٌّ على الخوارج المانعين للتحكيم في الدين، ولم يصر أحد من علماء الصحابة، ولا غيرهم إلى منعه سوى الخوارج.
قال القاضي عياض: والنزول على حكم الإمام أو غيره جائز، ولهم الرجوع عنه ما لم يحكم، فإذا حكم لم يكن للعدو الرجوع، ولهم أن ينقلوا من حكم رجل إلى غيره. وهذا كله إذا كان الحكم ممن يجوز تحكيمه من أهل العلم، والفقه، والديانة، فإذا حكم لم يكن للمسلمين، ولا للإمام المجيز لتحكيمهم نقض حكمه، إذا حكم بما هو نظر للمسلمين من قتل، أو سباء (2)، أو إقرار على الجزية، أو إجلاء. فإن حكم بغير هذا من الوجوه التي لا يبيحها الشرع لم ينفذ حكمه، لا على المسلمين، ولا على غيرهم.
وقوله: (قوموا لسيدكم أو خيركم)؛ استدل بهذا من قال بجواز القيام للفضلاء، والعلماء، إكرامًا لهم، واحترامًا. وإليه مال عياض، وقال: إنما القيام المنهي عنه: أن يقام عليه وهو جالس، وهو الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، حيث صلوا قيامًا وهو قاعد للخدش الذي أصابه، فقال لهم: (ما لكم تفعلون فعل
11) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
في (ز): أو إسار.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود) (1). وعليه حمل قول عمر بن عبد العزيز: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، وإنما يقوم الناس لرب العالمين. وقد رويت لعبد الملك جواز قيام الرجل لوالديه، والزوجة لزوجها. ومذهب مالك: كراهية القيام لأحد مطلقًا. واستدل له على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه (2) أن يتمثل له الناس قيامًا، فليتبوأ مقعده من النار) (3). وعليه حمل قول عمر بن عبد العزيز. وقد جاء في كتاب أبي داود مرفوعًا:(لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضًا)(4). ويعتضد هذا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقم له أحد، ولا يقوم هو لأحد. هذا هو المنقول من سيرته، وعليه درج الخلفاء رضوان الله عليهم، ولو كان القيام لأحد من العظماء مشروعًا، لكان أحق الناس بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه. ولم فلا.
وتأوَّل بعض أصحابنا حديث: (قوموا إلى سيدكم) على أن ذلك مخصوص بسعد، لما تقتضيه تلك الحال المعينة. وقال بعضهم: إنما أمرهم بالقيام له لينزلوه عن الحمار لمرضه، وفيه بُعد. والله تعالى أعلم.
واختلف تأويل الصحابة فيمن عنى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ هل الأنصار خاصة، أو جميع من حضر من المهاجرين والأنصار؟ وعلى الجملة: فهي قضية معينة، محتملة، والتمسك بالقاعدة المقررة أولى. والله تعالى أعلم.
والسيد: المتقدم على قومه بما فيه من الخصال (5) الحميدة.
(1) رواه ابن ماجه (3836) بلفظ: "لا تفعلوا كما يفعلُ أهل فارسَ بعظمائها".
(2)
في النسخ: أحب، والمثبت من (ع) و (ج) وسنن الترمذي.
(3)
رواه الترمذي (2755)، وأبو داود (5229)، وابن أبي شيبة (8/ 398).
(4)
رواه أبو داود (5230)، وابن ماجه (3836).
(5)
في (ع) و (ج): الخلال.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكمِكَ. قَالَ: تَقتُلُ مُقَاتِلَتَهُم، وَتُسبى ذُرِّيَّتَهُم. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم: قَضَيتَ بِحُكمِ اللَّهِ.
ــ
وقوله: (أو خيركم)؛ على جهة الشك من الراوي، وفي بعض طرقه في غير كتاب مسلم:(قوموا إلى سيدكم) من غير شك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن هؤلاء نزلوا على حكمك)؛ إنما قال له هذا بعد أن رد له الحكم، كما قال في الرواية المتقدمة.
وقوله: (إني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال)؛ إنما حكم فيهم بذلك لعظيم جناياتهم، وذلك: أنهم نقضوا ما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من العهد، ومالؤوا عليه قريشًا، وقاتلوه، وسبُّوه أقبح سبٍّ، فاستحقوا ذلك- لعنهم الله-، فلما حكم فيهم سعد بذلك، أخبره بأنه قد أصاب فيهم حكم الله، تنويهًا به، وإخبارًا بفضيلته، وانشراح صدره، وردعًا للقوم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يتركهم، وأن يحسن فيهم (1)، فإنهم كانوا حلفاءهم، فلما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمهم إلى سعد انطلق مواليهم إلى سعد (2)، فكلموه في ذلك، وقالوا له: أحسن في مواليك، فلما أكثروا عليه، قال: أما إنه قد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. فلما سمعوا ذلك يئسوا مما طلبوا، وعزّى بعضهم بعضًا في بني قريظة. ومن هاهنا تظهر خصوصية سعد بقوله:(قوموا إلى سيدكم)، وإن الأولى أنه إنما قال ذلك لقومه خاصة دون غيرهم؛ لأن قومه كلهم مالوا إلى إبقاء بني قريظة، والعفو عنهم، إلا ما كان منه رضي الله عنه لا جرم لما مات اهتز له عرش الرحمن. وسيأتي بيان معناه، إن شاء الله تعالى. وفيه دليل لمذهب مالك في تصويب (3) أحد المجتهدين، وإن لله في الواقع حكمًا معيَّنًا، فمن أصابه
(1) في (ع): إليهم.
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(3)
في (ع): تجويز.
وَرُبَّمَا قَالَ: قَضَيتَ بِحُكمِ المَلِكِ.
وفي رواية: لَقَد حَكَمتَ بِحكم الله.
رواه أحمد (3/ 22 و 71)، والبخاري (3043) و (4122)، ومسلم (1768)(64)، وأبو داود (5215) و (5216).
[1287]
وعن عروة عَن عَائِشَةَ: أَنَّ سَعدًا قَالَ: وَتَحَجَّرَ كَلمُهُ لِلبُرءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ أَن لَيسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَن أُجَاهِدَ فِيكَ، مِن
ــ
فهو المصيب، ومن لم يصبه، فهو المخطئ، لكنه لا إثم عليه إذا اجتهد. وقد تقدَّم هذا المعنى. وغاية ما في هذا الحديث: أن بعض الوقائع فيها حكم معين لله، لكن من أين يلزم منه أن يكون حكم كل واقعة كذلك؟ بل يقال: إنها منقسمة إلى ما لله فيه حكم معين، ومنها ما ليس لله فيه ذلك، وتكميل ذلك في علم الأصول.
وقوله: (لقد قضيت بحكم الملك)؛ الرواية بكسر اللام، وهو الله تعالى. وكذلك في الرواية الأخرى:(بحكم الله)، وفي غير كتاب مسلم:(لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة)(1)، وهي السماوات، وهو جمع رقيع، كرغيف، وأرغفة. والفوقية هنا راجعة إلى أن الله تعالى أظهر الحكم لمن هناك من ملائكته، أو أثبته في اللوح المحفوظ. ونسبة الفوقية المكانية إلى الله تعالى محال؛ لأنه منزه عن الفوقية، كما هو منزه عن التحتية؛ إذ كل ذلك من لوازم الأجرام، وخصائص الأجسام، ويتقدّس عنها الذي ليس كمثله شيء من جميع الأنام (2).
وقوله: (وتحجَّر كَلمُهُ للبُرءِ)؛ أي: تجمَّد، وتهيَّأ للإفاقة، فظن عند ذلك أنها
(1) رواه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/ 240)، وانظر:"عيون الأثر" لابن سيد الناس (2/ 109) طبعة دار ابن كثير. تحقيق: محيي الدين مستو، ود. محمد العيد الخطراوي.
(2)
سبق أن أشرنا إلى وجود رأي يناقض ما ذهب إليه القرطبي رحمه الله من إثبات العلو لله عز وجل.
قَومٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ وَأَخرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِن كَانَ بَقِيَ مِن حَربِ قُرَيشٍ شَيءٌ فَأَبقِنِي أُجَاهِدهُم فِيكَ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَد وَضَعتَ الحَربَ بَينَنَا وَبَينَهُم، فَإِن كُنتَ وَضَعتَ الحَربَ بَينَنَا وَبَينَهُم فَافجُرهَا وَاجعَل مَوتِي فِيهَا. فَانفَجَرَت مِن لَبَّتِهِ، فَلَم يَرُعهُم - وَفِي المَسجِدِ خَيمَةٌ مِن بَنِي غِفَارٍ - إِلَّا وَالدَّمُ يَسِيلُ إِلَيهِم، فَقَالَوا: يَا أَهلَ الخَيمَةِ! مَا هَو الَّذِي يَأتِينَا مِن قِبَلِكُم؟ فَإِذَا سَعدٌ جُرحُهُ يَغِذُّ دَمًا، فَمَاتَ مِنهَا.
ــ
تفيق (1)، فقال عند ذلك ما ذكره من الدُّعاء.
وقوله: (وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها، واجعل موتي فيها)؛ هذا منه تَمَن للشهادة، وشوق لما عند الله تعالى، وليس تمنيًا للموت؛ لضر نزل به الذي نهي عنه.
وقوله: (فانفجرت من لبته)؛ كذا الرواية عن الأسدي (2)، بالباء بواحدة. وعن الصدفي:(من لِيته) بلام مكسورة، وياء باثنتين من تحتها ساكنة. وعند الخشني:(من ليلته)، قال: وهو الصواب. واللبة: المنحر. والليت: صفحة العنق.
وقوله: (فإذا سعد جرحه يغِذُّ) بكسر الغين، وتشديد الذال عند كافة الرواة، وعند بعضهم:(يَغذو)، ومعناه: يسيل. وهما لغتان. يقال: غذَّ الجرح يغِذُّ مشددًا، وغذا يغذو، وأنشدوا:
بطَعنٍ كَفَمِ الزّقِّ
…
غَذَا والزِّقُّ مَلآنُ
وعند ابن ماهان: (يصبُّ) مكان (يغذو). وهو تفسير للَّفظ الأول.
(1) فاق، يفيق، فَيْقًا: جاد بنفسه عند الموت.
(2)
في (هـ) و (ل) و (م): الأسود.
وفي رواية: قَالَ: فَانفَجَرَت مِن لَيلَتِهِ، فَمَا زَالَ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ: فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
أَلَا يَا سَعدُ سَعدَ بَنِي مُعَاذٍ
…
فَمَا فَعَلَت قُرَيظَةُ وَالنَّضِيرُ؟
لَعَمرُكَ إِنَّ سَعدَ بَنِي مُعَاذٍ
…
غَدَاةَ تَحَمَّلُوا لَهُوَ الصَّبُورُ
تَرَكتُم قِدرَكُم لَا شَيءَ فِيهَا
…
وَقِدرُ القَومِ حَامِيَةٌ تَفُورُ
وَقَد قَالَ الكَرِيمُ أَبُو حُبَابٍ
…
أَقِيمُوا قَينُقَاعُ وَلَا تَسِيرُوا
وَقَد كَانُوا بِبَلدَتِهِم ثِقَالَا
…
كَمَا ثَقُلَت بِمَيطَانَ الصُّخُورُ
رواه مسلم (1769)(67 و 68).
* * *
ــ
قوله في الشعر: (فما فعلت قريظة والنضير)؛ الرواية عند الكافة بالفاء هكذا، والصواب:(لما فعلت) باللام المكسورة، وقد رواه بعضهم هنا كذلك، وهي الرواية في السير، ليس فيها غيرها.
وقوله:
تركتم قدركم لا شيء فيها
…
وقدر القوم حامية تفور
هذا ضرب مثلٍ لعزَّة الجانب، وعدم الناصر. ويريد بقوله: تركتم قدركم: الأوس لقتل حلفائهم من قريظة. وقدر القوم: يعني به: الخزرج لشفاعتها لحلفائها بني قينقاع، حتى من عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وتركهم لعبد الله بن أُبَيّ، وهو: أبو حباب المذكور في الشعر.
وقوله: (كما ثقلت بِمَيطان الصخور). مَيطان: بفتح الميم، وبالنون، عليه أكثر الرواة، إلا أن أبا عبيد (1) البكري ضبطه بكسر الميم. قال: وهو من بلاد مزينة
(1) في (ج): عبيد الله.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من أرض الحجاز. ووقع في رواية العذري: (بميطار) بالراء مكان النون. وفي رواية ابن ماهان: (بحيطان)، بالحاء مكان الميم. قال القاضي عياض: والصواب ما تقدم.
وقائل هذا الشعر إنما قاله يحرض سعدًا على استحياء بني قريظة وحلفائهم، ويلومه على فعله فيهم، فيذكره بفعل أبي حباب، عبد الله بن أُبي وشفاعته لحلفائه بني قينقاع.
ويستفاد من ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيمة لسعد في المسجد مع ما كان عليه من الجراح والدَّم: أن الضرورة، أو الحاجة إذا دعت إلى مثل ذلك جاز. وإن أدى إلى تلطيخ المسجد بشيء مما يكون من المريض، لكن ذلك على حسب الحاجة والضرورة. والله تعالى أعلم. هذا إن تنزلنا على أنه كان بمسجد مخصوص مباح للمسلمين، وإن تنزلنا على أنه كان بمسجد بيته كما تقدم، لم ينتزع منه شيء من ذلك. والله تعالى أعلم (1).
وقد قدَّمنا: أن المساجد الأصل فيها: الأمر بتطييبها، وتنظيفها، ومباعدتها عن الأنجاس، والأقذار. ووجه الضرورة في حديث سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد له موضعًا غير المسجد، وكان بالنبي صلى الله عليه وسلم حاجة إلى معاهدته، وتفقد أحواله، فلو حمل إلى موضع بعيد منه، أدَّى إلى الحرج والمشقة على النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا المعنى نبَّه الراوي بقوله:(يعوده من قريب).
* * *
(1) ساقط من (ع).