الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب الإحرام والتلبية
[1053]
عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا،
ــ
(3)
ومن باب: الإحرام والتلبية
قوله: (يهل مُلَبِّدًا (1))؛ أي: يرفع صوته بالتلبية. وأصل الإهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال. ثم يقال لكل من رفع صوته: أهل. والتلبيد: هو ضفر الرأس بالخطمي، أو الصمغ وشبهه مما يضم الشعر، ويلزق بعضه ببعض ليصير كاللبد، يمنعه بذلك من التَّمَعُّط والتقمل، وفعله جائز، وهو مستحب لمن يريد الحج أو العمرة، قاله عياض.
و(الإحرام) هو: اعتقاد دخوله في أحد النسكين، وتقارنه أقوال: وهي: التلبية، وأفعال؛ منها: انبعاث الراحلة على ما يأتي.
فأما التلبية: فاختلف في حكمها؛ فالجمهور: على أنها ليست بركن من أركان الحج، ولا شرط من شروطه، لكنها سنة مؤكدة يلزم بتركها الدم، ومن أصحابنا من عبَّر عنها: بأنها واجبة، ومراده: ما ذكرناه. وأبو حنيفة يعتقدها ركنًا وشرطًا في صحة الحج كالتكبير في إحرام الصلاة. وقاله ابن حبيب من أصحابنا، إلا أن أبا حنيفة على أصله في أنه: يجزئ عنها ما في معناها من التسبيح، والتهليل، وذكر الله تعالى؛ كما قال في التكبير.
وحكمة مشروعية التلبية: إجابة الدَّاعي الذي دعا إلى الحج، وهو إبراهيم عليه السلام؛ إذ قال الله له:{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ} فصعد عرفة، فنادى:(ألا إن لله بيتًا فحجوه)، فبلَّغ الله دعوته كيف شاء، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوجبه على المستطيعين.
فأما (لبيك): فسيبويه، وأكثر النحويين على أنه: مثنى
(1) في الأصول: (ملبِّيًا) والصواب ما أثبتناه، وهو موافق لما ورد في الحديث والشرح.
يَقُولُ: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لك لَبَّيكَ، إِنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ لك وَالمُلكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ.
ــ
للتكثير والمبالغة، ومعناه: إجابة بعد إجابة، وليس على حقيقة التثنية، وذهب يونس بن حبيب: إلى أنها اسم مفرد، وليس بمثنى، وإن ألفه انقلبت ياء لاتصالها بالضمير على حدِّ: لديّ.
واختلفوا في اشتقاقها، فقيل: هي مأخوذة من قولهم: داري تلب دارك؛ أي: تواجهها، فكان الملبي قد توجه لمن دعاه وقصده. وقيل من قولهم: امرأة لبّةٌ: إذا كانت محبة لولدها، عاطفة عليه. وقيل: من لُبِّ الشيء وهو خالصه. وقيل: من لبَّ بالمكان، وألبَّ؛ أي: أقام ولزم. قال ابن الأنباري: وإلى هذا كان يذهب الخليل. وقيل: من الإلباب، وهو: القرب، قاله الحربي. وقيل: من قولهم: أنا ملبِّ بين يديك؛ أي: خاضع. وتكرارها ثلاثًا: توكيد.
وقوله: (إن الحمد، والنعمة لك)؛ رويناها بكسر (إن) وفتحها، وهما روايتان مشهورتان عند أهل التقييد واللسان. قال الخطابي: الفتح رواية العامة. قال ثعلب: من فتح خصّ، ومن كسر عم. والاختيار: الكسر؛ لأن الذي يكسر يذهب إلى أن المعنى: إن الحمد على كل حال. والذي يفتح إلى أن المعنى: لبيك لهذا السبب؛ يعني: أن لبيك عمل فيها بواسطة لام الجر السببية، ثم حذف الجر لدلالة الكلام.
والكلام على سعديك مثله على لبيك إلا في الاشتقاق. ومعناها: ساعدت يا رب طاعتك مساعدةً بعد مساعدةٍ. قال ابن الأنباري: معناه: أسعدك الله إسعادًا بعد إسعاد.
وقوله: (والخير بيديك)؛ قد تقدم الكلام عليه. و (الرغباء) بفتح الراء والمد، وبضم الراء والقصر: هي الرغبة، ونظيرها: العلياء، والعليا. والنَّعماء والنُّعمى، ويعني بـ (العمل): أعمال الطاعات. أي: لا نعمل إلا لله وحده.
وَإِنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَركَعُ بِذِي الحُلَيفَةِ رَكعَتَينِ، ثُمَّ إِذَا استَوَت بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِندَ مَسجِدِ الحُلَيفَةِ أَهَلَّ بِهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ.
وَكَانَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يُهِلُّ بِإِهلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ وَسَعدَيكَ، وَالخَيرُ فِي يَدَيكَ، لَبَّيكَ وَالرَّغبَاءُ إِلَيكَ وَالعَمَلُ.
رواه أحمد (2/ 28 و 41)، والبخاري (1549)، ومسلم (1184)(21)، وأبو داود (1812)، والترمذي (825)، والنسائي (5/ 159 - 165)، وابن ماجه (2918).
ــ
وقوله: (كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين)؛ هاتان الركعتان للإحرام، ولذلك قلنا: إن من مشروعية الإحرام أن يكون بعد صلاة، فإن كانت للإحرام فهو أفضل، وإن أحرم بعد فريضة جاز. واستحب الحسن: أن يحرم بعد فريضة؛ لأنه روي: أن هاتين الركعتين كانتا صلاة الصبح، والأول أظهر. وإحرامه بعد صلاة الفرض أفضل منه بغير صلاة جملة (1)، ولا دم على من أحرم بغير صلاة عند مالك.
وقوله: (ثم استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلَّ بهؤلاء الكلمات)؛ إشارة إلى التلبية المتقدمة، وهذه الحالة هي التي عبَّر عنها في الروايات الأخرى؛ بانبعاث الراحلة، لا أنها أخذت في المشي. وبذلك أخذ مالك، وأكثر العلماء: أنه يهل إذا استوت به راحلته إن كان راكبًا، ويتوجه بعد ذلك. وإن كان راجلاً فحين يأخذ في المشي. وقال الشافعي: كذلك في الراكب إلا أنه ينتظرها
(1) زيادة من (ظ).
[1054]
وَعَنهُ أَنَّ تَلبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَبَّيكَ اللَّهُمَّ لَبَّيكَ، لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لك، أنَّ الحَمدَ وَالنِّعمَةَ لك وَالمُلكَ لَا شَرِيكَ لك.
قَالَ نافع: وَكَانَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيكَ لَبَّيكَ لَبَّيكَ وَسَعدَيكَ، وَالخَيرُ بِيَدَيكَ، وَالرَّغبَاءُ إِلَيكَ وَالعَمَلُ.
رواه مسلم (1184)(20).
[1055]
وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ المُشرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيكَ لَا شَرِيكَ لك. قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيلَكُم قَد قَد، فَيَقُولُونَ: إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لك تَملِكُهُ وَمَا مَلَكَ، يَقُولُونَ: هَذَا وَهُم يَطُوفُونَ بِالبَيتِ.
رواه مسلم (1185).
* * *
ــ
حتى تنبعث. وقال أبو حنيفة: إذا سلم من الصلاة أهل. على ما جاء في حديث ابن عباس: أنه أحرم من المسجد بعد أن صلى فيه، وأوجبه في مجلسه (1). ولا شك في أن الأحسن في لفظ التلبية تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجوز الزيادة عليها، كما زاد ابن عمر، ولو لبَّى ملبٍّ بغير تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي منهم الملبي، فلا ينكر عليه، ويهل المهل، فلا ينكر عليه، على ما يأتي في حديث جابر.
وقوله صلى الله عليه وسلم للمشركين عند تلبيتهم بالتوحيد: (قدٍ، قدٍ)؛ أي: حسبُكم التوحيد، ينهاهم عن الشريك. ويقال: قط، قط، وقَد، قَد بالسكون، وهي: اسم من أسماء الأفعال، بمعنى: حسب.
(1) رواه الترمذي (819)، والنسائي (5/ 162).