الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا إسناد حسن؛ سنان هو ابن ربيعة الباهلي، مختلف فيه، فلا
ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، قال الذهبي في "الكاشف ":
"صدوق، وقال ابن معين: ليس بالقوي، وقرنه البخاري بآخر".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق فيه لين، أخرج له البخاري مقروناً".
وللحديث طريق آخر، يرويه الفضل بن موسى عن الأعمش عن أنس به.
أخرجه الترمذي (3527) ، وأبو نعيم في "الحلية "(5/55) ، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب "(1/317/ 721)، وقال الترمذي:
"حديث غريب، ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس، إلا أنه قد رآه ".
قلت: الأعمش مدلس، فلا ندري عمَّن تلقاه! ولكنه لا يضعِّف رواية سنان
إن لم يقوِّها.
(تنبيه) : قوله: "فانتفض"، هكذا هو في كل المصادر المتقدمة في الرواية الأولى لفظاً؛ وفي الأخرى معنى، وهو الذي يقتضيه التشبيه المذكور في آخر الحديث كما هو ظاهر، إلا رواية "الأدب "؛ فقد وقع فيه:"فلم ينتفض " كما في المرة الأولى والثانية، ومن الواضح أنه خطأ من الناسخ، فمن الغريب أن يخفى
ذلك على شارحه الجيلاني؛ فلا ينبه عليه في "شرحه "! *
3169
- (رأيتُ ربِّي في أحسنِ صورةٍ، فقال: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى، فقلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفيَّ، حتَّى وجدتُ بردَ
أنامِله، ثمَّ قالَ: فيم يختصمُ الملأ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّارات
والدرجات، قال: وما الكفَّارات؟ قلت: إسباغُ الوضوءِ في السّبَرات،
ونقلُ الأقدام إلى الجماعاتِ، وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاة، قال: فما
الدرجاتُ؟ قلتُ: إطعامُ الطعامِ، وإفشاءُ السلامِ، وصلاةٌ بالليل
والناسُ نيام، قال: قل، قال: قلتُ: ما أقولُ؟ قالَ: قلِ: اللهمّ! إنِّي
أسألك عَمَلاً بالحسناتِ، وتركاً للمنكراتِ، وإذا أردتَ في قومٍ فتنةً
وأنا فيهم؛ فاقبضني إليكَ غيرَ مفتونٍ)
أخرجه الطبراني في "الدعاء"(3/1462/1416) : حدثنا الحسن بن علي المعمَري: ثنا سليمان بن محمد المُباركي: ثنا حماد بن دُليلٍ عن سفيان بن سعيد الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، أو عبد الرحمن بن سابط. قال حماد بن دُليلٍ: وحدثني الحسن بن صالح بن حَيٍّ عن عمرو بن مُرَّة عن
عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخُشَنِي عن أبي عُبَيدة بن الجراح- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
…
فذكره.
وأخرجه الخطيب في "التاريخ "(8/ 151) من طريق الطبراني، ولكنه زاد في أوله:
"لما كان ليلة أسري بي رأيت ربي
…
" الحديث.
وهذه الزيادة شاذة؛ لمخالفتها لكتاب الطبراني أولاً، ولأن الخطيب عقب عليها
من طريق أخرى عن محمد بن علي بن المديني: حدثنا أبو داود المباركي به.
وابن المديني هذا لم أعرفه، لكن تابعه الحسن بن علي المعمري كما تقدم،
وهو من شيوخ الطبراني الثقات، ومن فوقه ثقات من رجال مسلم، غير حماد بن دُليل، وهو صدوق كما في " التقريب "، وقال الذهبي في " الكاشف ":
"ثقة، جاور"، فالسند صحيح.
وقد جاء الحديث من طرق أخرى، صحح بعضها البخاري والترمذي، وفيها
أن ذلك كان رؤيا منامية، وذلك مما يؤكد شذوذ تلك الزيادة فتنبه! وراجع بعض تلك الطرق في "ظلال الجنة" 3881 و465- 471) .
وقد خلط ابن الجوزي خلطاً عجيباً بين هذه الأحاديث الصحيحة التي فيها اختصام الملأ الأعلى، وفي بعضها أنها رؤيا منامية- كما عرفت-، وبين بعض الأحاديث الموضوعة التي فيها أنه رأى ربَّه على الأرض بمنى على جمل أورق، ونحوه من الموضوعات، وقد خرجت بعضها في "الضعيفة "(6330) ، وقلده في ذلك الجهمي الجلد المتعنت المسمى ب (حسن السقاف) في تعليقه على "دفع شبه التشبيه "؛ الذي دفعه الذهبي وتمنى أنه لم يؤلفه مؤلفه؛ لما فيه من التأويلات المعطلة للصفات الإلهية حتى ذكر أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، تعالى الله الذي على العرش استوى استواءً يليق بجلاله وعظمته.
ثم رأيت الطبراني قد أخرج الحديث مختصراً في "المعجم الكبير"(8/386/ 8207) و"الأوسط "(2/36/1/5626) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة:
ثنا فَروة بن أبي المغرَاء: ثنا القاسم بن مالك عن سعيد بن المرزبان أبي سعد عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال:
"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم يختصم الملأ الأعلى؟
…
" الحديث، إلى قوله: "الصلاة بعد الصلاة".
وأعله الهيثمي بقوله (1/238) :
"وفيه أبو سعد البقاَّل، وهو مدلس، وقد وثقه وكيع ".
قلت: وابن أبي شيبة هذا فيه ضعف، فأخشى أن يكون لم يحفظ إسناده،
والله أعلم.
وجملة القول؛ أن الحديث صحيح، لا يشك في ذلك أحد بعد أن يقف
على هذه الطرق وتصحيح بعض أئمة الحديث لبعضها؛ إلا إن كان ممن طمس الله على قلوبهم من ذوي الأهواء كذاك (السخاف)(1) الجاهل الذي يخالف سبيل المؤمنين والعلماء العارفين، فيضعف ما صححوه، كهذا الحديث الذي وضع فيه رسالة سماها- فُضَّ فوه- "أقوال الحفاظ المأثورة لبيان وضع حديث:(رأيت ربي في أحسن صورة) "!
وكذب- والله- عليهم، كيف وعلى رأس الحفاظ الإمام البخاري الذي
صححه كما تقدم؟! وتبعه تلميذه الإمام الترمذي وغيره؛ فقال ابن عبد البر في "التمهيد"(24/325) :
"معناه عند أهل العلم: في منامه، وهو حديث حسن، رواه الثقات ".
فهذا (السخاف) يعلم يقيناً أن الذي قال الحفاظ بوضعه؛ إنما هو الحديث
الموضوع حقّاً المشار إليه آنفاً: "أنه رأى ربه على الأرض
…
" إلخ، وليس هو
حديث الاختصام الذي هو رؤيا منامية كما جاء مصرحاً في بعض الطرق، وقال به العلماء كما تقدم.
ووالله! إني لأخشى أن يكون وراء هذا الرجل جماعة من المفسدين في
الأرض، اتخذوه مَطِيَّةً لإفساد الدين، ويسروا له أسباب التأليف والنشر؛ لاستمراره في الطعن في السلف والعلماء وتعمده مخالفتهم، ورميه إياهم بالتجسيم! ومن آخر ما ظهر منه تصريحه بأن الاعتقاد بأن الله في السماء هي عقيدة المشركين والمشبهة. وكذلك جماهير العلماء الذين صححوا حديث الجارية:"أين الله؟ "،
(1) ليس هذا من باب التنابز، وإنما من باب الجرح؛ فقد قال الأئمة في أمثاله: أفَّاك دجَّال كذَّاب!