الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المزي في ترجمة محمد بن المثنى- وهو وإن كان صدوقاً ومن شيوخ البخاري؛ فقد كان يهم قليلاً كما قال العسقلاني في "التقريب "، فمثله لا يعارض به رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. وقد ذكر هذه الحافظ ابن كثير عقب رواية ابن مسعود المتقدمة، وقال في "تفسيره " (2/39) :
"وهذا إن كان محفوظاً يوم الحديبية؛ فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذ كما قال يوم بدر".
وأما الحافظ؛ فقال في "الفتح "(7/288) :
"ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية".
قلت: لم أقف على هذا، والله أعلم. ********
قصة فتح مكة الرائعة وإسلام أبي سفيان في أكمل رواية صحيحة
3341
- (مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف على المدينة أبا رُهْمٍ كلثوم بن حُصين الغفاري.
وخرج لعشر مضين من رمضان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصام الناس معه، حتى إذا كان بـ (الكديد)(1) ما بين (عُسْفان) و (أمَجَ) أفطر.
ثم مضَى حتى نزل (مرَّ الظّهران)(2) في عشَرة آلاف من المسلمين؛
(1) قلت: وفي "البخاري "(4275) : حتى إذا بلغ (الكديد) : الماء الذي بين (قديد)
و (عسفان) أفطر. و (أمج) : بلد من أعراض المدينة على يومين أو ثلاثة منها؛ كما في "معجم البلدان ". وعليه ففي ذكره هنا نظر. والله أعلم.
(2)
(الظهران) : واد قرب مكة، وعنده قرية يقال لها:(مَر) تضاف إليه. "معجم ". ******
من مزينة وسُليم، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب (1) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف منهم أحد، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ب (مرِّ الظَّهران) ، وقد عميت الأخبار عن قريش؛ فلم يأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر، ولا يدرون ما هو فاعل؟!
خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل ابن ورقاء، يتحسسون وينظرون؛ هل يجد ون خبراً، أو يسمعون به؟! وقد كان العباس بن عبد المطلب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق.
وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم[أيضاً] فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله! ابن عمك، وابن عمتك وصهرك، قال:
لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي، فهتك عرضي (2) ، وأما ابن عمتي وصهري، فهو الذي قال لي بمكة ما قال (3) .
فلما أخرج إليهما بذلك- ومع أبي سفيان بنيٌّ له- فقال: والله
(1) أي: خرج جميعهم معه صلى الله عليه وسلم.
(2)
العرض: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في خلفه، أو من يلزمه أمره. "نهاية"، ويشير إلى (عبد الله بن أبي أمية) أخي أم سلمة أم المؤمنين.
(3)
يشير- والله أعلم- إلى قوله مع جماعة من المشركين كما في القرآن الكريم: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً
…
) الآيات (90- 93/ الإسراء) . انظر "تفسير ابن كثير"(3/62- 63) . ******
ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما، ثم أذن لهما، فد خلا وأسلما. (1)
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (مر الظهران) ؛ قال العباس: واصباح فريش! والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة قبل أن يستأمنوه؛ إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء؛ فخرجت عليها حتى جئت الأراك، فقلت: لعلي ألقى بعض الحطابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة ليخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه، فيستأمنونه قبل أن يد خلها عليهم عنوة. قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له؛ إذ سمعت كلام أبي سفيان وبد يل بن ورقاء؛ وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا عسكراً. قال يقول بديل: هذه- والله- نيران خزاعة؛ حمشتها الحرب (2) . قال: يقول أبو سفيان: خزاعة- والله- أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة! فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي؟! فقلت: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، واصباح قريش والله! قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟! قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب
(1) هكذا وقعت هذه الفقرة والتي قبلها في القصة متقدمة على إسلامهما الآتي ذكره.
(2)
أي: أحرقتها الحرب. ******
معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمنه لك. قال: فركب خلفي، ورجع صاحباه، فحركت به (1)، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: من هذا؟ وقام إليِّ، فلما رأى أبا سفيان على عجز الناقة قال؛. أبو سفيان عدو الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركضت البغلة، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة (2) الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عمر، فقال: يا رسول الله! هذا أبو سفيان، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال: قلت: يا رسول الله! إني [قد] أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت برأسه فقلت: لا والله؛ لا يناجيه الليلة رجل دوني، فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلاً يا عمر! والله لو كان من رجال بني عديِّ بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه رجل من رجال بني عبد مناف! فقال: مهلاً يا عباس! فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب [لو أسلم]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) كذا الأصل، و"المجمع "! وفي "السيرة!:(فجئت به) ، ولكل وجه.
(2)
الأصل و"المجمع ": (البطيء) ! والمثبت من "السيرة"، و"تاريخ ابن كثير". ******
اذهب به إلى رحلك يا عباس! فإذا أصبح فأتني به.
فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟!.
قال: بأبي أنت وأمي، ما أكرمك [وأحلمك] وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره، لقد أغنى عني شيئاً [بعد]، قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!.
قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! هذه- والله- كان في نفسي منها شيء حتى الآن (1)، قال العباس: ويحك يا أبا سفيان! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد بشهادة الحق وأسلم (2) .
قلت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً. قال:
نعم، من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن، ومن أغلق بابه؛ فهو آمن، ومن دخل المسجد، فهو آمن.
(1) كذا الأصل، و"المجمع "! وفي "السيرة": أما هذه- والله- فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً
…
والزيادات منه.
(2)
انظر التعليق المتقدم رقم (1) صفحة (1025) . ******
فلما ذهب لينصرف؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا عباس! احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها.
قال: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه. قال: ومرت به القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء؟ فأقول: (سُليم)، فيقول: ما لي ولـ (سليم) ؟ قال: ثم تمر القبيلة، قال: من هؤلاء؟ فأقول: (مزينة)، فيقول: ما لي ولـ (مزينة) ؟ حتى تفذت (1) القبائل؛ لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان، فيقول: ما لي ولبني فلان؟ حتى مر رسول الله في كتيبته الخضراء (2) فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق [من الحديد]، قال: سبحان الله! من هؤلاء يا عباس؟! قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً! قلت: يا أبا سفيان! إنها النبوة، قال: فنعم إذاً، قلت: النجاء إلى قومك.
قال: فخرج حتى إذا جاءهم؛ صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش!
هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان؛ فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه فقالت:
(1) الأصل: (تعدت) ! والتصحيح من " السيرة"، و"البداية ".
(2)
الأصل: (في الخضراء كتيبة) ! والمثبت من المصدرين المذكورين. ******************
اقتلوا الدسم الأحمش (1) قبح من طليعة قوم! قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان؛ فهو آمن، قالوا: ويلك وما تغني دارك؟! قال: ومن أغلق بابه؛ فهو آمن، ومن دخل المسجد، فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم، وإلى المسجد) .
أخرجه ابن إسحاق في "السيرة"(4/17- 24- ابن هشام) ، والطبراني في "المعجم الكبير"(8/ 10- 15) - والسياق له-، والطبري في "التاريخ "(3/ 114) - ببعضه-، وكذا الحاكم (3/43- 44) ، والبيهقي في "دلائل النبوة"(5/32)، وأبو داود (3021) - فقرة منه (2) - من طريق محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس به. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي!
ونحوه قول الهيثمي في "المجمع "(6/167) :
"رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ".
فأقول: محمد بن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، وهو حسن الحديث - بعامة- بشرط التصريح بالتحديث كما هنا، وهو حجة في السيرة النبوية كما هو معروف عند العلماء، ولذلك نقله الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية"(4/288- 291) عن "السيرة" ساكتاً عنه، وكذلك الحافظ في "الفتح "(7/8- 12) قطعاً
(1)(الدسم) : الأسود. و (الأحمش) : القليل اللحم. أي: الأسود الدنيء؛ قالته له في معرض الذم. كذا في "النهاية"(د س م، ح م ش) .
(2)
انظر "صحيح أبي داود"(2672- 2673) .
منه في شرحه لحديث عروة بن الزبير الذي أخرجه البخاري (4280) من طريق هشام بن عروة عن أبيه مرسلاً. وفيه جمل كثيرة مما في حديث ابن إسحاق؛ فهو شاهد قوي.
وأخرجه الطبري (3/ 7 1 1- 8 1 1) ، والبيهقي (5/ 36- 38، 38- 39) - ببعضه-، والطبراني (7263) من طريق أخرى عن هشام به مطولاً، وفيه ابن لهيعة.
ولابن إسحاق إسناد آخر، قال: ثنا الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس نحوه.
أخرجه الطبري (3/115- 117) ، والبيهقي (5/32- 35) .
والحسين هذا ضعيف.
وقد خالفه أيوب فرواه عن عكرمة مرسلاً؛ لم يذكر ابن عباس.
رواه البيهقي أيضاً، ولكنه لم يسق متنه، وقال عقبه:
"وقد رواه عبد الله ابن إدريس عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس بمعناه ".
ثم رواه (5/39- 46) عن موسى بن عقبة، زاد في رواية: عن ابن شهاب مرسلاً نحوه مطولاً.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد، وهو أصح وأتم ما وقفت عليه مسنداً في قصة فتح مكة حرسها الله. والله سبحانه وتعالى أعلم. **************************