الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: فهو بهذا اللفظ منكر عن هشام بن عروة، والمحفوظ ما رواه أبو أسامة وغيره عن هشام به بلفظ:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ".
أخرجه أحمد (6/59) ، والشيخان وغيرهما، وهو مخرج في كتابي الجديد " مختصر الشمائل النبوية"(164) .
لكني وجدت لحديث الترجمة شاهداً من رواية إسماعيل بن أمية عن رجل
عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الشراب أطيب؟ قال:
"الحلو البارد".
أخرجه أحمد (1/338) .
قلت: ورجاله إسناده رجال "الصحيحين "؛ غير الرجل الذي لم يُسمَّ، وهو تابعي، فمثله يستشهد به. والله أعلم.
وقد تقدَّم الحديث مخرجاً - في المجلد الخامس برقم (2134) -؛ فاقتضى التنبيه. *
3007
- (سيكونُ بعدي خلفاءُ يَعملونَ بما يَعلمونَ، ويَفعلون ما يُؤمرُونَ، وسيكونُ بعدي خلفاءُ يَعملونَ بما لا يَعلمون، ويَفعَلون ما لا يُؤمرونَ، فمن أنكرَ عليهم برئَ، ومن أمسك بيده سلم، ولكنْ من رضِيَ وتابع) .
أخرجه أبو يعلى في "مسنده "(4/1413) : حدثنا أبو بكر بن زنجويه: نا أبو المغيرة عبد القدوس: نا الأوزاعي: حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره.
وأخرجه البيهقي في "السنن "(8/157- 158) من طريق أبي المغيرة وغيره
عن الأوزاعي به. وكذا أخرجه ابن حبان (8/229/6624و6625) .
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي بكر هذا، واسمه محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي، وهو ثقة اتفاقاً.
وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمر، رواه الطبراني في "الأوسط "؛
لكن فيه مسلمة بن علي، وهومتروك كما في "المجمع "(7/270) .
ولآخره شاهد آخر من حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً بلفظ:
" ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف (وفي رواية: كره) برئَ، ومن
أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع ". قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا؛ ما صلوا".
رواه مسلم (6/23) ، وأبو عوانة (4/ 471- 473) ، والبيهقي أيضاً، وأبو داود
(4760)
، والترمذي (2266) وقال:"حديث حسن صحيح "، وأحمد (6/295 و 302 و305 و 306 و 321)، ومن طريقه: المزي في "تهذيبه "، والطبراني في "الكبير"(23/331) من طريق ضَبَّة بن محصن عنها.
(تنبيه) : وقع في آخر حديث أم سلمة هذا في "صحيح الجامع "(3618) زيادة: "لم يبرأ"، ولا أصل لها عند أحد ممن ذكرنا، فلتُحذفْ.
ثم بعد سنين من هذا التخريج، وقفت على طعن في إسناد حديث أم سلمة
هذا من محقق "رياض الصالحين " المدعو حسان عبد المنان، فقد علق على الحديث بقوله (ص 89/129) :
"في صحته نظر؛ فإن في إسناده ضبة بن محصن، وفيه جهالة حال، ولم أر
له غير هذا الحديث مما اتصل إليه بإسناد صحيح "!
فأقول- والله المستعان-:
لقد كنت أسمع عن هذا الرجل ومجازفاته في الطعن في الأحاديث الصحيحة، وأنه وضع لنفسه قواعد- بزعمه- ينطلق منها في تضعيفها، وأحيانأ يتساهل فيقويها- اتباعاً للهوى- غير ملتزم في ذلك القواعد العلمية التي وضعها العلماء، فكنت أتريث حتى نجد من آثاره ما ندينه به؛ حتى صدر كتابه، فتأكدت من ذلك، وصدَّق الخُبر الخَبر، ولا أريد الإفاضة في ضرب الأمثلة، فالمجال ضيق الآن، فحسبنا الآن قوله المذكور أعلاه؛ فإنه يكفي للدلالة على ما تقدم، وذلك من وجوه:
الأول: زعمه أن ضَبة بن محصن مجهول الحال؛ فإنه مما لم يقله قبله أحد، ولا هو مما يساعد عليه قواعد هذا العلم وصنيع الحفاظ العارفين به.
الثاني: أن ضبة هذا قد وثقه ابن حبان، وقال الحافظ ابن خلفون الأندلسي:"ثقة مشهور"، وكذلك وثقه كل من صحّح حديثه؛ إما بإخراجه إياه في "الصحيح" كمسلم وأبي عوانة؛ أو بالنص على صحته كالترمذي.
الثالث: أنه قد روى عنه جمع من الثقات مثل عبد الرحمن بن أبي ليلى، والحسن البصري، وقتادة، وميمون بن مهران، فلو أنه لم يوثقه من سبق ذكرهم لكانت رواية هؤلاء الثقات عنه كافيةً في إثبات عدالته، والاحتجاج بحديثه؛ ما دام أنه لم يرو منكراً، ولا سيما وهو من التابعين إن لم يكن من كبارهم؛ كما يدل على ذلك صنيع الحفاظ المتأخرين في أمثالهم، ولذلك صرح الذهبي في
" الكاشف " بأنه: "ثقة "، والحافظ في " التقريب " بأنه:"صدوق ".
الرابع: لو سلمنا جدلاً بأنه مجهول الحال- كما زعم مدعي التحقيق- فمثله يصحح حديثه؛ أو على الأقل يحسن بالشواهد والمتابعات التي منها حديث الترجمة، وإن كان ليس فيه جملة الصلاة، فإنه يشهد لها حديث عوف ابن مالك عند مسلم من طريق مسلم بن قَرَظَة عنه، وفيه: أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: "لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة". وقد مضى تخريجه برقم (907) ؛ إلا أن المحقق المزعوم أعلّه أيضاً بمثل ما أعلّ حديث أم سلمة، فقال في تعليقه عليه (218/501) :
"في إسناده مسلم بن قرظة، وهو مجهول الحال. وانظر الحديث المتقدم برقم (129) ". يعني: حديث أم سلمة.
وهذا مما يدل الباحث على أنه قد وضع لنفسه قاعدة تضعيف أحاديث الثقات الذين تفرد ابن حبان بتوثيقهم- في حد علمه- ولو كان أحدهم من رجال "الصحيح"، وروى عنه جمع من الثقات، ووثقه بعض الحفاظ المتأخرين! فالمحقق المزعوم- بجهله وعجبه وغروره- يضرب بكل ذلك عرض الحائط! فإن القول في ابن قرظة هذا وحديثه كالقول في ضبة بن محصن وحديثه، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات: رزيق بن حيان، وربيعة بن يزيد، ويزيد بن يزيد بن جابر؛ كما في "تاريخ البخاري "(4/1/270 - 271) وساق له هذا الحديث، و"جرح ابن أبي حاتم "(4/1/192) ، و"ثقات ابن حبان "(5/396) ، و"تاريخ ابن عساكر"(16/482) ، ولذلك جزم الذهبي في "الكاشف " بأنه "ثقة "، وصحح حديثه هذا مسلم وأبو عوانة وابن حبان، وكذلك البيهقي بإقراره لتصحيح مسلم، ثم هو إلى ذلك من كبار التابعين المشهورين؛ كما يدل على
ذلك أقوال مؤلفي "الطبقات "؛ فقد روى ابن عساكر عن ابن سعد أنه أورده في (الطبقة الثانية) من تابعي الشام. وعن أبي زرعة الدمشقي أنه ذكره في الطبقة التي تلي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي العليا. وهكذا قال يعقوب الفسوي في "المعرفة"(2/333) . وقد احتج أحمد في عدم جواز الخروج على الأئمة بهذا الحديث، وذكر أنه جاء من غير وجه كما رواه عنه الخلال في "السنة"(1- 3/129- تحقيق الزهراني) .
وجملة القول؛ أن الرجل واسع الخطو جداً في تضعيف الأحاديث الصحيحة دون الاعتماد على القواعد العلمية، وفي كثير من الأحيان يتشبث في التضعيف ببعض الأقوال المرجوحة، كما فعل في إعلاله لحديث أبي قتادة مرفوعأ (رقم 957) :"صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية " بأن الراوي عن أبي قتادة- وهو عبد الله بن معبد الزماني- لا يعرف له سماع من أبي قتادة! وهو تابعي ثقة، والمعاصرة كافية في الاتصال، ولم يُرْمَ بالتدليس، فلا أدري هل هو يجهل هذا؛ أم هو التجاهل؟!
كما تجاهل الشواهد التي تؤكد صحته، وقد خرجته مع شواهده في "إرواء الغليل " (4/108- 110) . وقد وصل به التجاهل والطغيان في التضعيف للأحاديث الصحيحة إلى أن ضعف حديث العرباض بن سارية:"أوصيكم بتقوى الله.. " الحديث، وفيه:"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عَضّوا عليها بالنواجذ.. " الحديث. قال (ص 79) :
" صححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وضعفه ابن القطان لجهالة حال عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وإليه أميل "!
كذا قال- هداه الله- وقد تجاهل الحقائق التالية:
الأولى: أن عبد الرحمن هذا روى عنه أيضأ جمع من الثقات، ووثقه ابن حبان، وذكره مسلمة في (الطبقة الأولى) من التابعين، ووثقه أيضأ كل الحفاظ الذين صرحوا بصحة حديثه- وهم جمع سيأتي تسميتهم- غير الثلاثة الذين سماهم هذا المكابر، وصرح الذهبي في "الكاشف " بأنه "صدوق ".
الثانية: أنه لم يتفرد به؛ فقال الحاكم (1/97) :
"وقد تابع عبد الرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض اثنان من الثقات الأثبات من أئمة أهل الشام: حجر بن حجر الكلاعي ويحيى بن أبي المطاع القرشي ".
ثم ساق إسناده إليهما، وقال عقب ذلك:
"وقد صح هذا الحديث والحمد الله ".
ووافقه الذهبي.
قلت: وإسناده صحيح إلى يحيى القرشي، وهو ثقة، وقد صرح بالسماع من العرباض عند الحاكم وابن ماجه أيضاً وابن أبي عاصم.
الثالثة: أنه صحح الحديث- غير الذين تقدم ذكرهم- جمع من الحفاظ مثل البزار، فقال:
"حديث ثابت صحيح ".
والهروي في "ذم الكلام "، فقال:"هذا من أجود حديث أهل الشام ".
وابن عبد البر حافظ المغرب؛ قال:
"حديث ثابت ".
ومنهم الضياء المقدسي في "جزء اتباع السنن واجتناب البدع ".
وقد ذكرت أقوالهم بعد أن خرجت الحديث في "الإرواء" كما تقدم، وهو على علم بذلك؛ فإنه كثير الرجوع إلى هذا الكتاب وغيره من تأليفي والاستفادة منها كشيخه؛ كما يعلم ذلك كل من وقف على تخاريجهما، ثم "لا حمداً ولا شكوراً" كما يقال في بعض البلاد، وإنما هو الغمز واللمز وتتبع العثرات مقروناً بالحسد والحقد الدفين؛ كما ينبئك به عن ذلك اطلاقه على السلسلتين "الصحيحة" و"الضعيفة" كلما عزا إليهما قال:"صحيحته "، "ضعيفته "؛ تقليداً منه للمتعصب الحاقد الشيخ حبيب الأعظمي ثم الغماري الصغير: السقاف! "فيا عجباً لوبْر تدلى علينا من قَدوم ضال "(1) يتعالى على هؤلاء الحفاظ، ويخطئهم وهو كما قيل:"ليس في العير، ولا في النفير"، وما ذلك منه إلا تشوفاً وحباً للظهور، متجاهلاً قول العلماء:"حب الظهور يقصم الظهور". وذاك- والله- منتهى العجب والغرور! كيف ل؛ وهذا أستاذه ومعلمه- الذي يسبح بحمده! ويتمسح به ويداهنه، ويتفاخر بموافقته إياه في عشرات الأحاديث (2) - لم يسعه إلا أن يصرح بصحة الحديث في تعليقه على "صحيح ابن حبان/ الإحسان "(1/178- 179) ، و"السير"(3/420 و 17/283) ، ولو وجد سبيلاً- هو الآخر- للمخالفة لم يقصر!! فما أشبهه بذلك الضال السقاف الذي يضلل أئمة السلف، ويخالف الحفاظ؛
(1) من كلام أبان بن سعيد القرشي في قصته عند البخاري (4237- فتح) وغيره، وهو مخرج
في "صحيح أبي داود"(2434- 2435) .
(2)
انظر الاستدراك (11- ص 711) في آخر المجلد الثاني من "الصحيحة" الطبعة الجديدة.
فيضعّف ما صححوه من الأحاديث كحديث: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"! ولا يكتفي بذلك؛ بل يخالف شيوخه الغماريين الذين صححوه أيضاً! كما تراه محققاً في الاستدراك رقم (12) في آخر المجلد الثاني من "الصحيحة" الطبعة الجديدة بفضل الله تعالى ومنته.
(تنبيه) : ثم وقفت على حديث يخالف ظاهره حديث عوف بن مالك الناهي
عن منابذة الأئمة والحكام بالسيف، فرأيت أن أبين حاله خشية أن يتشبث به بعض الجهلة من خوارج هذا الزمان، أو ممن لا علم عنده بهذا العلم الشريف وفقه الحديث، ألا وهو ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/39- 40) من طريق الهياج بن بسطام عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ:
"سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك ".
وهذا إسناد ضعيف بمرة؛ ليث- وهو ابن أبي سليم- ضعيف مختلط، والهياج ابن بسطام- وهو الخراساني- متفق على ضعفه؛ بل اتهمه ابن حبان؛ فقال:"يروي الموضوعات عن الثقات ". وبه أعله الهيثمي (5/228) .
أقول: وهذا الحديث قد عزاه السيوطي لابن أبي شيبة أيضاً؛ يعني في "المصنف "، ولم أره فيه بعد البحث الشديد، فإن صح إسناده عنده أو غيره كان لا بد من تأويل قوله:"نابذهم " أي: بالقول والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لا بالسيف؛ توفيقاً بينه وبين حديث عوف كما تقتضيه الأصول العلمية والقواعد الشرعية، وان لم يصح نبذناه لشدة ضعف إسناده. والله سبحانه وتعالى أعلم. *