الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مبعثاً، فلما رجعت قال لي:
"كيف تجد نفسك؟ ".
قلت: ما زلت حتى ظننت أن معي خولاً لي! وايمُ الله! لا أعمل على رجلين
بعدها أبداً.
أخرجه الطبراني في "الكبير"(20/258- 259) .
قال الهيثمي عقب تخريج حديث المقداد السابق:
"رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح "؛ خلا عمير بن إسحاق، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وعبد الله بن أحمد ثقة مأمون ".
وأقول: لم يرو عنه غير عبد الله بن عون، فمثله يستشهد به ولا يحتج به. وبخاصة أن ابن معين وغيره قد ضعفه (1) . لكن إطلاق نسبة الضعف إلى ابن معين ليس بجيد، بل يجب تقييده بمثل قوله:"في رواية"؛ فإنه قد وثقه في رواية أخرى. وتوثيقه لعبد الله مما لا شك فيه، لكن ذلك قد يوهم من لم يقف على الحديث عند الطبراني أن عبد الله تفرد به! وليس كذلك؛ فقد أخرجه من غير طريقه أيضاً، فاقتضى التنبيه. *
- (لَيدخُلنَّ عليكُم رجلٌ لَعِينٌ. يعني: الحكم بن أبي العاص) . أخرجه أحمد (2/163) ، والبزار في "مسنده "(2/247) من طريق عبد الله
ابن نُمير: ثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن عبد الله
3240
بن عمرو قال:
(1) وقد بينت ذلك في"تيسير الانتفاع"
كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني،
فقال ونحن عنده:
…
فذكر الحديث، فوالله! ما زلت وجلاً أتشوَّف داخلاً
وخارجاً حتى دخل فلان: الحكم [بن أبي العاصي] .
والزيادة للبزار، وقال:
"لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو بهذا الإسناد".
قلت: وهو إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي (5/ 241) :
"رواه أحمد والبزار والطبراني في" الأ وسط "، ورجال أحمد رجال (الصحيح) ".
وله شاهدان قويَّان ساقهما البزار:
أحدهما: من طريق الشعبي قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول- وهو
مستند إلى الكعبة-: وربّ هذا البيت! لقد لعن الله الحكم- وما ولد- على لسان
نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال البزار:
"لا نعلمه عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو إسناد صحيح أيضاً، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ البزار (أحمد بن منصور بن سيّار) ، وهو ثقة، ولم يتفرد به كما يشعر بذلك تمام كلام البزار:
"ورواه محمد بن فُضيل أيضاً عن إسماعيل عن الشعبي عن ابن الزبير".
ولذلك لم يسع الحافط الذهبي- مع تحفظه الذي سأذكره- إلا أن يصرِّح في "تاريخ الإسلام "(2/57) بقوله:
"إسناده صحيح ". وسكت عنه في "السير"(2/108) ؛ ولم يعزه لأحد!
وقد أخرجه أحمد أيضاً (5/5) : ثنا عبد الرزاق: أنا ابن عينية عن إسماعيل
ابن أبي خالد عن الشعبي.
وهذا صحيح على شرط الشيخين كما ترى.
والشاهد الآخر: يرويه عبد الرحمن بن معنٍ (وهو ابن مَغْرَاءَ) : أنبأ إسماعيل
ابن أبي خالد عن عبد الله البَهِِيّ- مولى الزبير- قال:
كنت في المسجد، ومروان يخطب، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: والله! ما استخلف أحداً من أهله. فقال مروان: أنت الذي نزلت فيك (والذي قال لوالديه
أفٍ لكما) ، فقال عبد الرحمن: كذبت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك، وقال البزار:"لا نعلمه عن عبد الرحمن إلا من هذا الوجه ".
قلت: واسناده حسن كما قال الهيثمي، وأقره الحافظ في "مختصر الزوائد"(1/686) .
وقد وجدت لابن مغراء متابعاً قوياً، وهو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وقد ساقه بسياق أتم وأوضح، رواه عنه ابن أبي حاتم- كما في "تفسير ابن كثير" (4/159) - عن عبد الله البهي قال:
إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين
في (يزيد) رأياً حسناً وأن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر عمر- رضي الله عنهما. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما: أهرقلية؟! إن أبا بكر- رضي
الله عنه- ما جعلها في أحد من ولده، وأحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية
إلا رحمة وكرامة لولده! فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه: (أفٍّ لكما) ؟ فقال
عبد الرحمن: ألست يا مروان! ابن اللعين الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك؟! قال: وسمعتهما عائشة- رضي الله عنها، فقالت: يا مروان! أنت القائل لعبد الرحمن
كذا وكذا؟! كذبت! ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان. ثم انتحب
مروان (!) ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها، فجعل يكلمها حتى انصرف. قلت: سكت عنه ابن كثير، وهو إسناد صحيح.
وأخرجه البخاري في "صحيحه "(4827) بإسناد آخر مختصراً، وفيه:
فقال (مروان) : خذوه! فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا عليه.
وفيه إنكار عائشة على مروان.
وأخرجه النسائي في "الكبرى"(6/458- 459) من طريق ثالثة من رواية
شعبة عن محمد بن زياد قال:
لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر! فقال عبد الرحمن بن
أبي بكر: سنة هرقل وقيصر!
وفيه أن عائشة قالت ردّاً على مروان:
كذب والله! ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أُنزلت فيه لسمَّيته، ولكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم -لعن [أبا](1) مروان، ومروان في صلبه فََضَض (2) من لعنة الله. قلت: وإسناده صحيح، وعزاه الحافظ في "الفتح "(13/577) السيوطي في
"الدر"(6/ 41) لعبد بن حميد، وا بن المنذر، والحاكم- وصححه-، وا بن مردويه.
(1) سقطت من "سنن النسائي"، واستدركتها من "الدر".
(2)
أي: قطعة وطائفة منها؛ كما في "النهاية"، وفي "الدر":(فضفض) ! فهو تصحيف، وكذلك وقع في تفسير ابن كثير"، فليصحح.
ثم وجدت لحديث الترجمة طريقاً أخرى عن ابن عمرو، من رواية ابن عبد البر في "الاستيعاب " بإسناده الصحيح عن عبد الواحد بن زياد: حدثنا عثمان ابن حكيم قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضاً؛ فإن رجاله كلهم ثقات، وعبد الواحد بن زياد
ثقة محتج به في "الصحيحين "، ولم يتكلموا فيه إلا في روايته عن الأعمش خاصة، وهذه ليست منها كما ترى، وعليه: يكون لعثمان بن حكيم إسنادان صحيحان في هذا الحديث، وذلك مما يزيد في قوّته والله سبحانه وتعالى أعلم
وهذه الطريق كالطريق الأولى؛ سكت عنها الذهبي في "التاريخ "!
هذا؛ وإني لأعجب أشد ّالعجب من تواطؤ بعض الحفاظ المترجمين لـ (الحكم)
على عدم سوق بعض هذه الأحاديث وبيان صحتها في ترجمته، أهي رهبة الصحبة، وكونه عمَّ عثمان بن عفان- رضي الله عنه، وهم المعروفون بأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم؟! أم هي ظروف حكومية أو شعبية كانت تحول بينهم وبين ما كانوا يريدون التصريح به من الحق؟ فهذا مثلاً ابن الأثير يقول في "أسد الغابة":
"وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إلى ذكرها، إلا أن الأمر المقطوع به: أن النبي صلى الله عليه وسلم- مع حلمه وإغضائه على ما يكره- ما فعل به ذلك إلا لأمرعظيم ".
وأعجب منه صنيع الحافظ في "الإصابة"؛ فإنه- مع إطالته في ترجمته- صدَّرها بقوله:
"قال ابن السكن: يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه، ولم يثبت ذلك "!
وسكت عليه ولم يتعقبه بشيء، بل إنه أتبعه بروايات كثيرة فيها أدعية مختلفة عليه، كنت ذكرت بعضها في "الضعيفة"، وسكت عنها كلها وصرح بضعف بعضها، وختمها بذكر حديث عائشة المتقدم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك وأنت في صلبه. ولكنه- بديل أن يصرح بصحته- ألمح إلى إعلاله بمخالفته رواية البخاري المتقدمة، فقال عقبها:
"قلت: وأصل القصة عند البخاري بدون هذه الزيادة"!
فأقول: ما قيمة هذا التعقب، وهو يعلم أن هذه الزيادة صحيحة السند، وأنها
من طريق غير طريق البخاري؟! وليس هذا فقط، بل ولها شواهد صحيحة أيضاً كما تقدم؟! اكتفيت بها عن ذكر ما قد يصلح للاستشهاد به! فقد قال في آخر
شرحه لحديث: "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش " من "الفتح "(13/11) : "وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد. أخرجها الطبراني وغيره؛ غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك "!
وأعجب من ذلك كلِّه تحفُّظُ الحافظ الذهبي بقوله في ترجمة (الحكم) من
" تاريخه "(2/ 96) :
"وقد وردت أحاديث منكرة في لعنه، لا يجوز الاحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص من الصحبة بل عمومها"!
كذا قال! مع أنه- بعد صفحة واحدة- ساق رواية الشعبي عن ابن الزبير مصححاً إسناده كما تقدم!! ومثل هذا التلون أو التناقض مما يفسح المجال لأهل الأهواء أن يأخذوا منه ما يناسب أهواءهم! نسأل الله السلامة.