الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث بسببه، وبخاصة من ليس لهم ترجمة في "التهذيب "؛ لأنهم ليسوا من رجال الستة وغيرهم ممن يترجم لهم، كشيخ الحاكم وشيخ شيخه؟ فكان الجواب: أن السؤال وارد علميِّاً، وكان الجواب عملياً، وهو:
رابعاً: تتبعت ترجمة الشيخين المشار إليهما، فوجدت أن حديثهما لا ينزل عن مرتبة الحسن، ولا سيما وقد توبعا من قبل الإمام النسائي على ما قدمت بيانه، فثبت الحديث، والحمد لله، فحذفته من "ضعيف الترغيب "؛ ونقلته إلى تجربة "صحيح الترغيب " الذي هو تحت الطبع؛ والله تعالى ولي التوفيق (1) .
تلك هي قصة هذا الحديث والمراحل التي مررت بها حتى تمكنت من الحكم عليه بالصحة- ومثله كثير وكثير جداً-؛ فلا يستغربن أحد من القراء إذا ما عثر على حكمين مختلفين في حديث واحد صدرا من شخص واحد، كالألباني؛ فإن لذلك أسباباً كثيرة، منها ما جرى لي في هذا الحديث مما هو فوق طاقة البشر، ولا يدخل في باب التكليف، ويأتي بعد ذلك أنني بشر، أخطئ وأصيب، كما قال الإمام مالك رحمه الله:
"ما منا من أحد إلا رَدَّ أو رُدَّ عليه؛ إلا صاحب هذا القبر"، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
{إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} !! *
3440
- (إن خيارَ عِباد اللهِ: الذين يراعُونَ الشّمسَ والقمرَ والنُّجومَ والأظلّة؛ لذكر الله عز وجل .
أخرجه ابن شاهين في "الأفراد"(ق 5/1) ، والبزار في "مسنده"(1/186/366) ، والطبراني في "الدعاء"(3/1637/1876) ، والحاكم (1/51)، ومن طريقه:
(1) ثم طبع بحمد الله. (الناشر) .
البيهقي في "السنن"(1/379) من طريق سفيان بن عيينة عن مسعر عن إبراهيم السَّكْسَكِي عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره. وقال البزار:
"لا نعلم رواه عن مسعر إلا سفيان، والصحيح أنه موقوف على أبي الدرداء".
وقال ابن شاهين:
"تفرد به سفيان عن مسعر، ما حدث به عنه غيره، وهو حديث غريب صحيح حسن "!
وقال الحاكم:
"هذا إسناد صحيح، وقد احتج مسلم والبخاري بإبراهيم السكسكي، واذا صح مثل هذه الاستقامة؛ لم يضره توهين من أفسد إسناده ".
ثم ساقه من طريق عبد الله عن مسعر عن إبراهيم السكسكي قال حدثني أصحابنا عن أبي الدرداء أنه قال
…
فذكر موقوفاً نحوه. وقال:
"هذا لا يفسد الأول، ولا يعلله؛ فإن ابن عيينة حافظ ثقة، وكذلك عبد الله ابن المبارك ".
قلت: وسكت عن الحديث الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/208) !
ولي هنا ملاحظات لا بد لي من ذكرها:
أولاً: قول البزار: "والصحيح موقوف "!
فأقول: لا وجه لهذا التصحيح؛ فقد رأيت أن مدار المرفوع والموقوف على (إبراهيم السكسكي) ؛ فإن كان حجة؛ فالأمر كما قال الحاكم: الموقوف لا يفسد المرفوع؛ لأن الإسناد إليه بكل منهما صحيح. فتأمل!
ثانياً: تصحيح الحاكم والذهبي وابن شاهين لإسناده؛ فيه نظر قوي! ذلك؛ لأن (السكسكي) وإن أخرج له البخاري؛ ففيه كلام من قبل حفظه، يمنع من الحكم على إسناده بالصحة. أما الحسن فيمكن، قال الذهبي نفسه في "الميزان ":
"كوفي صدوق، لينه شعبة والنسائي، ولم يترك، قال النسائي: ليس بذاك القوي. وخرج له البخاري. وقال أحمد: ضعيف. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثًًاً منكر المتن ".
وقال في "الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد"(ص 55) :
"لينه شعبة، وضعفه أحمد، حديثه حسن ".
وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، ضعيف الحفظ "؛ وانظر "إرواء الغليل "(2/12) ؛ فإن له فيه حديثًاً صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود.
ثالثاً: قول الحاكم: "وقد احتج به مسلم "! خطأ لعله من بعض النساخ؛ فإن المنقول عن الحاكم خلافه؛ فقد ذكر الحافظ في ترجمة (السكسكي) هذا من كتابه "مقدمة الفتح "(ص 388) :
"قال الحاكم: قلت للدارقطني: لم ترك مسلم حديثه؟ قال: تكلم فيه يحيى
ابن سعيد. قلت: بحجة؟ قال: هو ضعيف ".
رابعاً: ومع هذا كله؛ فإن في سكوت الحافظ عن الحديث ما يشير إلى تقويته، وذلك في مرتبة الحسن، كما في عبارة ابن شاهين المتقدمة، وهذا عند الحافظ: لذاته، أو لغيره، وهو الأقرب عندي؛ فقد ذكر له البيهقي شاهداً من
رواية واصل بن أيوب الأسواري عن أبي هريرة موقوفاً عليه.
والأسواري هذا لم أجد من ذكره؛ ولا السمعاني في هذه النسبة.
وكذلك أشار إلى تقويته الحافظ المنذري أيضاً في "الترغيب "(1/109/14) بتصديره إياه بقوله: "وعن.. "، وسكوته أو إقراره لتصحيح الحاكم وابن شاهين، وذكر له شاهداً من حديث أنس رضي الله عنه، وقد خرجته في الكتاب الآخر برقم (5038) ، مع بيان ضعفه، وإعلال الهيثمي إياه. وأما هذا فقد قال فيه (1/327) :
"رواه الطبراني في " الكبير"، والبزار، ورجاله موثقون، لكنه معلول "!
قلت: يشير إلى الخلاف في رفعه ووقفه، وفي توثيق إبراهيم السكسكي، وقد حررت القول في ذلك كله، وتبيين- إن شاء الله تعالى- صوابه من خطئه.
ثم لا بد لي بهذه المناسبة من كلمة حول هذا الحديث وما فيه من الفقه، فأقول:
ليس يخفى على أهل العلم أن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وأنه قد جاء في فضله أحاديث كثيرة معروفة في "الصحاح " و "السنن " وغيرها، وإنما قصدت هنا تخريج هذا من بينها لسببين اثنين:
أحدهما: تحقيق الكلام في إسناده، والنظر في الذين صححوه؛ هل أصابوا أم أخطؤوا؟! ثم الحكم عليه بما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية من صحة، أو حسن، أو ضعف، وقد فعلت، راجياً من الله تعالى أن أكون قد وفقت للصواب الذي يرضيه عز وجل.
والآخر: التذكير بما أصاب هذه الشعيرة الإسلامية من الاستهانة بها، وإهمالها، وعدم الاهتمام بها، وتعطيلها في بعض المساجد التي يجب رفع الأذان فيها من
مؤذنيها، اكتفاءً بأذان إذاعة الدولة التي يذاع بواسطة الكهرباء من مكبرات الصوت المركبة على المآذن في بعض البلاد الإسلامية، وبناءً على التوقيت الفلكي، الذي لا يوافق التوقيت الشرعي في بعض الأوقات، وفي كثير من البلاد، فقد علمنا أن الفجر يذاع قبل الفجر الصادق بنحو ربع ساعة أو أكثر، يختلف ذلك باختلاف البلاد، والظهر قبل ربع ساعة، والمغرب بعد نحو عشر دقائق، والعشاء بعد نصف ساعة! وهذا كما ترى يجعل بعض الصلوات تصلى قبل الوقت الشرعي مما لا يخفى فساده، والسبب واضح، وهو الجهل بالشرع؛ والاعتماد على علم الفلك حساباته التي تخالف الشرع؛ الأمر الذي صيّر المؤذنين الذين قد يؤذنون في مساجدهم، ولا يكتفون بالأذان المعلن من إذاعة الحكومة يجهلون كلّ الجهل المواقيت الشرعية المبنية على الرؤية البصرية، التي يسهل على كل مكلف أن يعرفها، لا فرق في ذلك بين أمي وغيره، بعد أن يكون قد عرفها من الشرع، فالفجر عند سطوع النور الأبيض وانتشاره في الأفق، والظهر عند زوال الشمس عن وسط السماء، والعصر عند صيرورة ظل الشيء مثله، بالإضافة إلى ظل الزوال، والمغرب عند غروب الشمس وسقوطها وراء الأفق، والعشاء عند غروب الشفق الأحمر.
وإن مما لا شك فيه: أن هذه المواقيت تختلف باختلاف الأقاليم والبلاد ومواقعها في الأرض؛ من حيث خطوط الطول والعرض من جهة، ومن حيث انخفاضها وارتفاعها من جهة أخرى، الأمر الذي يوجب على المؤذنين مراعاتها والانتباه لها، فمدينة كبيرة كالقاهرة مثلاً؛ يطلع الفجر في شرقها قبل مغربها، وهكذا يقال في سائر الأوقات، بل قد تكون البلدة ليست في اتساعها كالقاهرة، كدمشق مثلاً، فمن كان في جبل قاسيون مثلاً تختلف مواقيته عمن كان في وسطها، أو في مسجدها مسجد بني أمية، أو في الغوطة منها مثلاً، ومع ذلك