الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجعلا مكانها مسجداً بالطائف، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مناة أبا سفيان صخر بن حرب فهدمها.
ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة ومع هذا ما تبعوا ما جاؤوهم به ولا انقادوا له ففي هذه الآيات وما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، من الدلائل القطعية على بطلان عبادة هذه الطواغيت وأشباهها مالا مزيد عليه فسبحان من جعل كلامه شفاء وهدى ورحمة " (1).
6 - الحكم بغير ما أنزل الله:
يقرر الشيخ رحمه الله أن من الشرك الأكبر أن يجعل لله نداً في التشريع، فيقول:" .. أن يجعل لله نداً في التشريع، بأن يتخذ مشرعاً له سوى الله أو شريكاً لله في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم؛ عبادةً وتقرباً وقضاءً وفصلاً في الخصومات، أو يستحله وإن لم يره ديناً، وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} التوبة: 31، وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك، فهذه الأنواع الثلاثة (2) هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام"(3).
فرض الله الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب، فقال سبحانه:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} البقرة: 213، وقال تعالى: {إِنَّا
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد (1/ 147)، تفسير ابن كثير 2/ 517) و (4/ 255)، تفسير القرطبي (17/ 103).
(2)
الأنواع الثلاثة: هي أن يجعل الإنسان لله نداً، إما في أسمائه أو صفاته، وإما أن يجعل له نداً في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى، والثالث أن يجعل لله نداً في التشريع.
(3)
فتاوى اللجنة (1/ 747).
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} النساء: 105، وبين سبحانه اختصاصه وتفرده بالحكم، فقال:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)} الأنعام: 57 (1)، وجاءت الآيات القرآنية مؤكدةً على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله -وهو حكم الطاغوت والجاهلية- من صفات المنافقين، قال سبحانه:{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} النور: 47 - 51 والنساء: 60 - 62 (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وإذا خرج ولاة الأمر عن هذا -حكم الكتاب والسنة- فقد حكموا بغير ما أنزل الله، ووقع بأسهم بينهم، قال صلى الله عليه وسلم: (ما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم) (3) وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول، كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره، فيسلك مسلك من أيده الله بنصره، ويحتسب مسلك من خذله الله وأهانه"(4).
قال ابن القيم رحمه الله: " إن قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} النساء: 59، نكرة في سياق الشرط تعمّ كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله، وجليه وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافياً لم يأمر بالرد إليه، إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالردّ عند التنازع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع ومنها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان، ضرورة
(1) ينظر: قوله تعالى في سورة يوسف آية (40)، والقصص آية (70)، الشورى آية (42).
(2)
ينظر: نواقض الإيمان القولية والعملية (ص 294).
(3)
أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب العقوبات، برقم (4019) بلفظ:(وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (4009)، وفي السلسة الصحيحة برقم (106).
(4)
مجموع الفتاوى (35/ 387).
انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين، وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر، ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم، وأن عاقبته أحسن عاقبة" (1).
قال ابن أبي العز رحمه الله: "وهنا أمر يجب أن يتفطن له وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة ويكون كفراً إما مجازيا وإما كفراً أصغر على القولين المذكورين وذلك بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص ويسمى كافراً كفراً مجازيا أو كفرا أصغر وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور"(2).
يقول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: " الحكم بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم فمن حكم بغير ما أنزل الله، يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكم القوانين الوضعية بدلاً من شرع الله، ويرى أن ذلك جائزٌ ولو قال إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر، لكونه استحل ما حرم الله، أما من حكم بغير ما أنزل الله، اتباعاً للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاص لله بذلك وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله، فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر ويعتبر قد أتى كفراً أصغر وظلماً أصغر وفسقاً أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاووس (3) وجماعة من
(1) أعلام الموقعين (1/ 49 - 50)، ينظر: تفسير ابن كثير (3/ 209)، تفسير السعدي (2/ 90)، أضواء البيان (4/ 83)، الحاكمية في أضواء البيان للسديس (ص 58).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (1/ 363) و (1/ 364)، وينظر: تفسير القرطبي (6/ 191)، منهاج السنة لابن تيمية (5/ 131)، مدارج السالكين (1/ 336)، فتاوى محمد بن إبراهيم -رسالة تحكيم القوانين- (12/ 291)، وأضواء البيان (2/ 104)، الروح لمحمد بن أبي بكر الزرعي (1/ 267).
(3)
هو: أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان اليماني الحميري مولاهم وقيل الهدماني مولاهم. من كبار التابعين والعلماء سمع ابن عباس وابن عمر وجابر وغيرهم، وروى عنه خلائق من التابعين واتفقوا على فضيلته ووفور علمه وحفظه وتثبته توفى بمكة سنة 106 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 38)، البداية والنهاية (9/ 235)، طبقات المفسرين لأحمد بن محمد الأدنروي (ص 12).