الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - الأشعرية
.
وقال الشيخ رحمه الله: " متعلق القدرة الحادثة الأخذ بالأسباب وهي مؤثرة فيها بتمكين الله لها وإقداره لعبده عليها، أما ترتيب المسببات عليها فمن الله، فهو وحده سبحانه الذي يوجد المسببات بأسبابها لا عندها كما يقول الأشعرية، فمثلاً حز إبراهيم الخليل بالسكين في رقبة ولده، وضرب موسى الكليم البحر بعصاه، ورمى محمد الخليل الحصى، كل ذلك من فعل المخلوق، أما أن تنقطع الرقبة أو ينفلق البحر أو يصيب الحصى من رمي به فإلى الله إن شاء رتب ذلك فحصل كما في الأخيرين، وإن شاء لم يحصل كما في قصة الذبيح مع أبيه إبراهيم عليهم الصلاة والسلام"(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الذي عليه السلف وأتباعهم وأئمة أهل السنة وجمهور أهل الإسلام المثبتون للقدر، إثبات الأسباب، وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها، والله تعالى خلق الأسباب والمسببات، والأسباب ليست مستقلة بالمسببات، بل لا بد لها من أسباب أخرى تعاونها، ولها مع ذلك أضداد تمانعها، والسبب لا يكون حتى يخلق الله جميع أسبابه، ويدفع عنه أضداده المعارضة له، وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته كما يخلق سائر المخلوقات، فقدرة العبد سبب من الأسباب، وفعل العبد لا يكون بها وحدها، بل لا بد من الإرادة الجازمة مع القدرة، وإذا أريد بالقدرة القوة القائمة بالإنسان فلا بد من إزالة الموانع كإزالة القيد والحبس ونحو ذلك، والصاد عن السبيل كالعدو وغيره"(2).
ويحسن هنا أن أسوق خلاصة اعتقاد أهل السنة والجماعة في القدر ملخصاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
1 -
القدر يشمل أربع مراتب في درجتين:
"الدرجة الأولى: أن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم، الذي هو موصوف به أزلاً، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح
(1) تعليق الشيخ على الإحكام (1/ 180) وينظر: نفس المرجع (1/ 189).
(2)
مجموع الفتاوى (8/ 487 - 488).
المحفوظ مقادير الخلق، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف.
وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد.
فهذه الدرجة تشمل مرتبتين: الأولى: العلم، والثانية: الكتابة.
الدرجة الثانية: مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته، وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.
فهذه الدرجة تشمل مرتبتين: الأولى: الإرادة والمشيئة، والثانية: الخلق والتكوين.
3 -
أما أفعال العباد فهي داخلة في المرتبة الرابعة، ومذهب السلف فيها: أن الله خالق أفعال العباد، والعباد فاعلون حقيقة، والعبد هو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم" (1).
(1) العقيدة الواسطية لابن تيمية (ص 21 - 22) مع تصرف يسير، وينظر: شفاء العليل لابن القيم (ص 29)، لمعة الاعتقاد لابن قدامة (ص 19 - 20)، وشرح الطحاوية (ص 274 - 276) وما بعدها و (ص 394، 502) وما بعدها، ومعارج القبول لحافظ حكمي (2/ 326) وما بعدها.