الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول ابن تيمية رحمه الله: " وسبهم -أي الأنبياء- كفر وردة إن كان من مسلم، ومحاربة إن كان من ذمي"(1).
-
حاجة البشر إلى الرُسل:
يبين الشيخ رحمه الله حاجة البشر إلى الرسل، فيقول: "لا يليق بعاقل رشيد عرف كمال حكمة الله وسعة رحمته، وعرف واقع الناس وما هم فيه من هرج ومرج وفساد وضلال؛ أن ينكر حاجة البشر إلى قيادة رشيدة، عمادها وحي الله وشريعته، تعتصم به، وتدعو الناس إليه، وتهديهم إلى سواء السبيل. فإن الإنسان قد يقصر عقله في كثير من أحواله وشؤونه
…
وقد يعجز عن العلم بما يجب عليه عمله
…
فكان في ضرورة إلى معين يساعده في ما قصر عنه إدراكه أو عجز عنه فهمه، ويهديه الطريق في أصول دينه
…
ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب" (2).
وقال كذلك - في حديثه عن حاجة البشر للرسل-: "بل في أشد الضرورة إليهم؛ لأن عقول الناس مختلفة أعظم اختلاف، ولا تستطيع أن تستقل بمعرفة ما يرضي الله سبحانه أو يسخطه من الأقوال والأعمال والعقائد، ومن أجل ذلك أرسل الله رسله من نوح عليه الصلاة والسلام إلى أن ختموا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله بدين شامل كامل باق عام للبشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين"(3).
ويبين الشيخ رحمه الله بعض الحكم من إرسال الرسل، فيقول:"اقتضت حكمة الله أن يرسل رسله بالهدى ودين الحق رحمة منه بعباده، وإقامة للعدل بينهم، وتبصيراً لهم بما يجب عليهم من حقوق خالقهم وحقوق أنفسهم وإخوانهم، وإعانةً لهم على أنفسهم، وإعذاراً إليهم؛ فإنه لا أحد أحب إليه من العذر من الله، فمن أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب .. بل إن الله أرسلهم لمصالح البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة .. "(4).
(1) الصارم المسلول (ص 565).
(2)
الحكمة من إرسال الرسل (14 - 15).
(3)
فتاوى اللجنة (3/ 258).
(4)
الحكمة من إرسال الرسل (13 - 23) باختصار؛ وينظر: مذكرة التوحيد (56 - 59).
وما أروع كلام ابن تيمية عندما يتحدث عن حاجة البشر إلى الرسالات، فيقول:" والرسالة ضرورية للعباد لابدّ لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة، وهو من الأموات، كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} الأنعام: 122. فهذا وصف المؤمن كان ميتاً في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورا يمشى به في الناس وأما الكافر فميت القلب في الظلمات"(1).
ويؤكد ابن القيم على ضرورة وأهمية الإيمان بالأنبياء عليهم السلام، فيقول:"لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا، ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيل إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهتهم، ولا يُنال رضا الله ألبته إلا على أيديهم، فالطيّب من الأعمال والأقوال والأخلاق، ليس إلا هديهم وما جاؤوا به، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأعمال والأخلاق، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فرضت، فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير، وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين، فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال، بل أعظم، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي وما لجرح بميت إيلام"(2).
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: "قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} الذاريات: 56
…
ولهذا أعطى الله البشر عقولاً، وأرسل إليهم رسلاً، وأنزل عليهم كتباً، ولو كان الغرض من خلقهم كالغرض من خلق البهائم؛ لضاعت الحكمة من
(1) مجموع الفتاوى (19/ 93، 94).
(2)
زاد المعاد (1/ 69)، وينظر: مفتاح دار السعادة (2/ 2).