الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
الفرق بين الرسل:
يقول الشيخ رحمه الله: "وأما الفرق بين الرسل في المكانة والمنزلة والتفاوت بينهم في الفضل والدرجة فهذا صحيح ورد به النص الشرعي، قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} البقرة: 253،وأفضلهم أولو العزم، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وأفضل هؤلاء الخمسة الخليلان إبراهيم ومحمد لاختصاصهما بالخلة وهي كمال المحبة عليهم الصلاة والسلام، وأفضل الرسل على الإطلاق خاتم النبيين محمد عليهم الصلاة والسلام؛ لحديث:(أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)(1)، وحديث: (أنا قائد المرسلين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر
…
) (2)، وحديث:(أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة)(3)، وأحاديث اختصاصه بالشفاعة العظمى وإقدامه عليها بعد اعتذار الأنبياء عنها، وإنقاذ الناس من هول الموقف بشفاعته لهم (4)
وغير ذلك من الأحاديث التي وردت في تفضيله، وإجماع الأمة على ذلك" (5).
ثم بين الشيخ رحمه الله الأدب عند المفاضلة بينهم، فقال: " إلَاّ أنه ينبغي للمسلم أن يتأدب مع الأنبياء فلا يخوض في التفضيل بينهم إلَاّ في مقام التعليم والإرشاد ونحو ذلك، خشية أن يجر ذلك إلى الجدل والتفاخر، وأن يكون ذريعة إلى انتقاص بعضهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه
(1) أخرجه مسلم في صحيحة في كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق برقم (2278) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه الدارمي (1/ 31)، والطبراني في الأوسط برقم (170)، والبيهقي في الدلائل (5/ 480)، من حديث جابر بن عبد الله، قال الهيثمى في مجمع الزوائد (8/ 254): فيه صالح بن عطاء بن خباب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات، وقال الشيخ مقبل الوادعي: فيه صالح بن عطاء مجهول. ينظر: الشفاعة له.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس يشفع في الجنة
…
برقم (196).
(4)
منها حديث أنس: (يجمع الله المؤمنين يوم القيامة لذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا يريحنا)
…
إلى أن قال: (فيأتوني فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي)
الحديث أخرجه البخاري كتاب تفسير القرآن باب قول الله وعلم آدم الأسماء كلها برقم (4476)، ومسلم كتاب الإيمان باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس تبعاً في الجنة
…
برقم (193).
(5)
فتاوى اللجنة (3/ 261 - 262).
قال: (استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال اليهودي في قسم يقسمه: (والذي اصطفى موسى على العالمين) فرفع المسلم يده فلطم وجه اليهودي، فقال:(أي خبيث وعلى محمد صلى الله عليه وسلم)، فجاء اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى المسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على الأنبياء
…
) (1) الحديث، فنهى عن الدخول في المفاضلة بينه وبين الأنبياء في مثل هذه الحالة؛ خشية أن يجر إلى ما لا تحمد عقباه، وإن كان تفضيل بعضهم على بعض ثابتاً في القرآن والسنة، وتعين من هو أفضل ثابتاً بالنص الصريح" (2).
أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم أنه فضلّ بعض النبيين على بعض، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)} الإسراء: 55.
وقد أجمعت الأمة على أن الرسل أفضل من الأنبياء، والرسل بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم كما قال تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} البقرة: 253.
وأفضل الرسل والأنبياء خمسة هم أولو العزم، وهم المذكورون في قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} الشورى: 13.
(1) أخرجه أحمد (3/ 41) بلفظ: (لا تفضلوا بعض النبيين على بعض) من حديث أبي سعيد الخدري، والبخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى وإن يونس لمن المرسلين إلى قوله فمتعناهم إلى حين
…
برقم (3414)، ومسلم كتاب الفضائل باب من فضائل موسى عليه السلام (159)، بلفظ:(لا تفضلوا بين أنبياء الله).
(2)
فتاوى اللجنة (3/ 263) و (3/ 309).
تواترت نصوص الكتاب والسنة نصاً وظاهراً في الدلالة على أفضليته صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء والرسل، وأوردها غير واحد من أهل العلم ممن كتبوا في خصائصه صلى الله عليه وسلم (1)، وأجمعت الأمة على القول بمقتضاها (2).
يقول القاضي عياض رحمه الله: "لا خلاف أنه أكرم البشر، وسيد ولد آدم، وأفضل الناس منزلة، عند الله، وأعلاهم درجة، وأقربهم زلفى، واعلم أن الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً"(3).
وقرر السلف ذلك في عقائدهم، وعدوه من معاقد العقائد، التي يجب الإيمان بها، فقد عقد الإمام الآجري (4) في كتاب الشريعة باباً بعنوان:"باب ما فضل الله عز وجل به نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا من الكرامات على جميع الأنبياء عليهم السلام"(5)، وقال الحافظ عبد الغني المقدسي (6) في عقيدته:"فصل: ونعتقد أن محمداً المصطفى خير الخلائق، وأفضلهم وأكرمهم على الله عز وجل، وأعلاهم درجة، وأقربهم إلى الله وسيلة"(7).
(1) ينظر: غاية السؤل في خصائص الرسول لابن الملقن (ص 223)، اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم للخيضري (2/ 5)، الخصائص الكبرى للسيوطي (2/ 314).
(2)
ينظر: في حكاية إجماعهم الشفا للقاضي عياض (1/ 215)، تفسير ابن كثير (3/ 53).
(3)
الشفا (1/ 215).
(4)
هو: الإمام المحدث الفقيه الشافعي أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي، كان عالماً عابداً صاحب سنة واتباع، انتقل إلى مكة وجاور بها، وبها توفي رحمه الله سنة (360 هـ)، وله عدة تصانيف أشهرها: كتاب الشريعة.
ينظر: تاريخ بغداد (2/ 239)، وفيات الأعيان (4/ 113)، تذكرة الحفاظ (3/ 936)، وشذرات الذهب (3/ 35).
(5)
الشريعة (3/ 1552).
(6)
هو تقي الدين أبو محمد عبدالغني بن عبدالواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي، إمام عالم حافظ صادق عابد أثري متبع، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم، له مصنفات عديدة منها: الاقتصاد في الاعتقاد، وذم الرياء، وفضائل الحج، توفي سنة ستمائة (600 هـ).
ينظر: السير (21/ 443)، وتذكرة الحفاظ (4/ 1372)، وشذرات الذهب (4/ 345).
(7)
الاقتصاد في الاعتقاد (ص 196).
والعبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك، ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أفضل عند الله من داود وسليمان ويوسف (1).
ويبين ابن أبي العز رحمه الله أوجه الجواب عما ورد من النهي عن التفضيل بين الأنبياء مع ثبوته في الكتاب والسنة، فأجاب على هذا بما يلي: "
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن تفضيله على موسى لسبب، ما وقع بين المسلم واليهودي (2).
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا التفضيل لأنه على وجه الحميَّة والعصبية وهوى النفس وهو أمر مذموم، بل حتى الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام يكون مذموماً حابطاً إذا كان على وجه الحمية والعصبية وليس لإعلاء كلمة الله.
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التفضيل الذي يؤدي إلى تنقص المفضول، ومعلوم أن هذا لا يجوز، فلا يحل تنقص الأنبياء عليهم السلام.
3 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن التفضيل الخاص، كقول" محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى"، أما التفضيل العام بدون ذكر عين المفضول المقابل فلا بأس به، كما دلت عليه الأحاديث.
4 -
أما حديث: (لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى)(3). فهذا يدل على العموم، أي لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه على يونس بن متى عليه السلام، وليس فيه نهي
(1) ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (11/ 161 - 162)، ورسالة الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لعبد الرحمن اليحي (ص 186)، فتاوى وأحكام في نبي الله عيسى أجاب عنها الشيخ ابن جبرين جمع علي العماري (81 - 82).
(2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال اليهودي في قسم يقسمه: (والذي اصطفى موسى على العالمين) فرفع المسلم يده فلطم وجه اليهودي، فقال:(أي خبيث وعلى محمد صلى الله عليه وسلم)، فجاء اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى المسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على الأنبياء
…
) الحديث.
أخرجه أحمد (3/ 41) بلفظ: (لا تفضلوا بعض النبيين على بعض) من حديث أبي سعيد الخدري، والبخاري كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى وإن يونس لمن المرسلين إلى قوله فمتعناهم إلى حين
…
برقم (3414)، ومسلم كتاب الفضائل باب من فضائل موسى عليه السلام (159)، بلفظ:(لا تفضلوا بين أنبياء الله).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين برقم (4630)، ومسلم في كتاب الفضائل باب في ذكر يونس عليه السلام
…
(2377) كلاهما بلفظ: (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى).
المسلمين أن يفضلوا محمداً صلى الله عليه وسلم على يونس، لأن التفضيل هنا يكون خاصاً بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو مستثنى من العموم" (1).
وزاد النووي: "أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه سيدّ ولد آدم، فلما علم أخبر به؛ وأنه قال ذلك أدباً وتواضعاً
…
" (2).
وقال البيهقي رحمه الله: " حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى)(3) ونسبه إلى أمه، فمن تكلم في التخيير والتفضيل ذهب إلى أنه أراد به: ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس، وإن كان قد أبق وذهب مغاضبا ولم يصبر على ما ظن أنه يصيبه من قومه.
ومنم من ذهب إلى الإمساك عن الكلام في التخيير بين الأنبياء جملة.
وذكر بعضهم أن معنى النهي عن التخيير بين الأنبياء ترك التخيير بينهم من وجه الإزراء ببعضهم، فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والإخلال بالواجب من حقوقهم، وبغرض الإيمان بهم، وليس معناه أن يعتقد التسوية بينهم في درجاتهم، فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد فاضل بينهم فقال:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} البقرة: 253، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنا سيد ولد آدم)(4) وحديث ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في يونس بن متى، قد يتوهم كثير من الناس أن بين الحديثين خلافاً، وذلك أنه أخبر في حديث أبي هريرة أنه سيد ولد آدم، والسيد أفضل من المسود، وقال في حديث ابن عباس:(ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) والأمر في ذلك بين ووجه التوفيق بين الحديثين واضح، وذلك أن قوله:(أنا سيد ولد آدم) إنما هو إخبار عما أكرمه الله تعالى به من الفضل والسؤدد، وتحدث بنعمة الله
(1) ينظر: شرح الطحاوية (1/ 159 - 163).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 108/109)، وانظر: فتح الباري (6/ 520 - 521).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين برقم (4630)، ومسلم في كتاب الفضائل باب في ذكر يونس عليه السلام
…
(2377) كلاهما بلفظ: (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى).
ينظر: شرح الطحاوية (1/ 159 - 163).
(4)
مسلم في صحيحة كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق برقم (2278).
تعالى عليه، وإعلام لأمته وأهل دعوته علو مكانه عند ربه ومحله من خصوصيته ليكون إيمانهم بنبوته واعتقادهم لطاعته على حسب ذلك، وكان بيان هذا لأمته وإظهاره لهم من اللازم له والمفروض عليه.
وأما قوله في يونس عليه السلام، فإنه يتأول على وجهين:-
أحدهما: أن يكون قوله: (ما ينبغي لعبد) إنما أراد به من سواه من الناس دون نفسه.
والوجه الآخر: أن يكون ذلك عاما مطلقا فيه وفي غيره من الناس، ويكون هذا القول منه على سبيل الهضم من نفسه، وإظهار التواضع لربه يقول: لا ينبغي لي أن أقول أنا خير منه، لأن الفضيلة التي نلتها كرامة من الله وخصوصية منه، لم أنلها من قبل نفسي، ولا بلغتها بحولي وقوتي، فليس لي أن أفتخر بها، وإنما خص يونس بالذكر فيما نرى والله أعلم لما قد قص الله علينا من شأنه وما كان من قلة صبره على أذى قومه، وخرج مغاضبا له ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل،
…
وهذا أولى الوجهين وأشبههما بمعنى الحديث، فقد جاء من غير هذا الطريق أنه قال صلى الله عليه وسلم:(ما ينبغي لنبي أن يقول إني خير من يونس بن متى)(1) فعم به الأنبياء كلهم، فدخل هو في جملتهم " (2).
(1) أخرجه أحمد في مسنده برقم (1760)، وأبو داود في سننه في كتاب السنن، باب في التخيير بين الأنبياء عليهم السلام برقم (4670)، قال عنه المحقق الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (3/ 196).
(2)
من دلائل النبوة للبيهقي (5/ 495 - 497) مع تصرف يسير.