الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة السنة؛ أنه سبحانه ينادي بصوت؛ نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو بحرف"(1).
ومن كلامه سبحانه القرآن والتوراة والإنجيل؛ فالقرآن كلامه تعالى على الحقيقة لا كلام غيره، وأنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منه بدأ وإليه يعود، مُنزَّل غير مخلوق، ومن زعم أنه مخلوق فقد كفر (2).
والذين يقولون: القرآن مخلوق، يجعلون الكلام لغيره، فيسلبونه صفات الكمال، ويقولون: إنه لا يقدر على الكلام في الأزل لا على كلام مخلوق ولا غيره، وهم وإن لم يصرحوا بالعجز عن الكلام فهو لازم لقولهم (3).
وللمسألة اتصال بالمبحث الخاص بالإيمان بالكتب، وبالمبحث الخاص بالفرق. وسيتم التفصيل في موضعه إن شاء الله.
2 - صفة الاستواء
لله عز وجل:
يقرر الشيخ رحمه الله أن الله عز وجل مستوٍ على عرشه بنفسه حقيقةً استواءً يليق بجلاله (4)، وأن هذا من عقيدة أهل السنة والجماعة، ومما يدل على ذلك قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} طه: 5، وغيرها من الأدلة (5)، وأن مذهب السلف في صفة الاستواء حقيقة مع التفويض في الكيفية، فقد سئل مالك بن أنس رضي الله عنه عن كيفية استواء الله على العرش، فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب (6).
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (6/ 513 - 545)، (12/ 304).
(2)
ينظر: الصفات الإلهية (ص 262)، والعقيدة السلفية في كلام خير البرية، لعبدالله بن يوسف الجديع (ص 63)، خلق أفعال العباد للإمام البخاري، وعقيدة السلف أصحاب الحديث (165 - 175).
(3)
ينظر: توضيح المقاصد لأحمد بن عيسى (1/ 262 - 263)، ولوامع الأنوار البهية لأحمد بن عيسى (1/ 137).
(4)
ينظر: تفسير الجلالين (ص 9).
(5)
ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 200).
(6)
ينظر: مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 5).
وصفة الاستواء (1) على العرش صفةٌ فعلية خبرية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب:
-قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} طه: 5.
-وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الأعراف: 54، يونس: 3، الرعد: 2، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4).
ومن السنة:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، فقال: (يا أبا هريرة! إن الله خلق السماوات والأراضين وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش
…
) (2).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فإن
(1) والفرق بين صفة العلو وصفة الاستواء على العرش:
-
…
أن صفة العلو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن البارئ أبًدا، فلم يزل سبحانه وتعالى عاليًا فوق المخلوقات، وأما صفة الاستواء على العرش، فهي صفة فعلية، كان في وقت لم يكن مستوياً على العرش، وفي وقت كان مستويًا، فقبل خلق السماوات والأرض كان العرش موجودًا، ولم يكن الله مستويًا عليه، ثم استوى عليه بعد خلق السماوات والأرض. كما بينه -سبحانه- في الآيات. أما العلو، فالرب -سبحانه- لم يزل قط عاليًا.
-
…
أن صفة الاستواء على العرش صفة دل عليها الشرع دون العقل، لولا أن الله أخبرنا أنه مستو على العرش لما علمنا، بخلاف صفة العلو، فإنه دل عليها الشرع والعقل والفطرة، فالناس فطروا على أن الله في العلو وأنه فوق المخلوقات.
وصفة العلو وصفة الاستواء على العرش، من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، وكلاهما من العلامات الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع.
ينظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله، على موقعه في الشبكة العنكبوتية http://www.sh-rajhi.com.
(2)
أخرجه النسائي في "التفسير"، عند قوله تعالى:{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} برقم (11328)، قال عنه الألباني: جيد الإسناد، ينظر: مختصر العلو للذهبي تحقيق الألباني (ص 75).
سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجرّ أنهار الجنة) (1).
قال الإمام ابن خزيمة (2): معلقاً على هذا الحديث: " فالخبر يصرح أن عرش ربنا جل وعلا فوق جنته، وقد أعلمنا جل وعلا أنه مستوٍ على عرشه فخالقنا فوق عرشه الذي فوق جنته"(3).
ومعنى الاستواء: العلو، والارتفاع، والاستقرار، والصعود؛ كما قال ابن القيم:
فَلَهُمْ عِبَارَاتٌ عليها أرْبَعٌ
…
قد حُصِّلَتْ لِلْفَارِسِ الطَّعَّانِ
وَهِيَ اسْتَقَرَّ وَقَدْ عَلا وَكَذِلكَ ارْ
…
تَفَعَ الذي مَا فِيهِ من نُكْرَانِ
وكذاك قد صَعِدَ الذي هُوَ رابِعٌ
…
وأبُو عُبَيْدَةَ صَاحِبُ الشَّيْبَانِي
يَخْتَارُ هذا القَوْلَ في تَفْسِيِرِه
…
أَدْرَى مِنَ الجَهْمِيِّ بالقُرْآنِ (4).
وقد أجمع السلف رحمهم الله على أن الله مستوٍ على عرشه، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، والآثار في ذلك عن الصحابة والتابعين وسلف الأمة كثيرة منها:
ما أجاب به الإمام مالك رحمه الله السائل - عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} طه: 5، كيف استوى؟. قال له: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة (5).
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب: درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي وهذا سبيلي رقم الحديث (2637).
(2)
هو: الحافظ الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، كان إماماً ثبتاً معدوم النظير، رحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر، وتفقه على المزني وغيره، توفي رحمه الله سنة (311 هـ)، وله مصنفات منها: كتاب التوحيد.
ينظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 720)، سير أعلام النبلاء (14/ 365)، وشذرات الذهب (2/ 262).
(3)
التوحيد لابن خزيمة (1/ 241).
(4)
النونية (1/ 215 - هراس).
(5)
ينظر: الحلية لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (6/ 325،326). وأخرجه أيضا الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث (ص 17 - 18) من طريق جعفر بن عبد الله عن مالك، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 151) من طريق عبد الله بن نافع عن مالك، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 408) من طريق عبد الله بن وهب عن مالك قال الحافظ ابن حجر في الفتح (13/ 406، 407): إسناده جيد وصححه الذهبي في العلو (ص 103)، وينظر: أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة لمحمد بن عبد الرحمن الخميس (ص 290).