الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- عز وجل، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما وصف به الصحابة ن. وهذا مذهب العلماء ممن اتبع ولم يبتدع، ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له، والإيمان به؛ أن الله عز وجل يضحك، كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته ن؛ فلا ينكر هذا إلا من لا يحمد حاله عند أهل الحق" (1).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (2)
-لما قيل له: هذه الأحاديث التي تروى؛ في: الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده، وإن جهنم لتمتلئ
…
وأشباه هذه الأحاديث؟ - قال رحمه الله: " هذه الأحاديث صِحَاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء، بعضهم عن بعض، وهي عندنا حقٌ لا شك فيها، ولكن إذا قيل: كيف يضع قدمه؟ وكيف يضحك؟ قلنا: لا يُفسَّر هذا، ولا سمعنا أحداً يفسره"(3).
12 - صفة النزول
لله عز وجل:
يقرر الشيخ رحمه الله صفة النزول لله عز وجل كما يشاء، فيقول: " ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولاً يليق بجلاله في الثلث الأخير من الليل بالنسبة إلى كل قطر - من الأرض-، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش؛ لأننا في ذلك لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء، بل ذلك مختص به سبحانه، بخلاف المخلوق فإنه يستحيل في حقه أن ينزل في مكان ويوجد بمكان آخر في تلك اللحظة كما هو معلوم، إلَاّ الله عز وجل فهو على كل
(1) الشريعة (ص 277).
(2)
هو: القاسم بن سلام بن عبد الله البغدادي، المشهور بأبي عبيد، من أئمة الحديث وكبار السلف، اللغوي، المحدث، الفقيه، توفي بمكة سنة (224 هـ)، قيل أنه أول من صنف في غريب الحديث من مؤلفاته: غريب الحديث، والإيمان، كتاب الأموال، وغيرها.
ينظر: تهذيب الكمال للمزي (23/ 354)، سير أعلام النبلاء (10/ 490)، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة لجلال الدين السيوطي (2/ 253).
(3)
ينظر: أخرج هذه الرواية عن أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله الدارقطني في كتاب الصفات (ص 68 - 69)، والآجري في الشريعة (ص 255)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 526) برقم (928)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 149 - 150)، وابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 51).
شيء قدير، ولا يقاس ولا يمثل به؛ لقوله عز وجل:{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)} النحل: 74، وقوله سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى: 11، ومما ذكرناه يتضح لك أنه لا تعارض بين نزوله واستوائه، وأن اختلاف الأقطار لا يؤثر في ذلك" (1).
والنزول صفة فعلية خبرية ثابتة لله عز وجل بالسنة الصحيحة.
الدليل من السنة:
- حديث النزول المشهور: (يَنْزِلُ ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر
…
) (2).
- حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعاً: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأول فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الله تعالى إلى السماء الدنيا فلم يزل هناك حتى يطلع الفجر
…
) (3).
قال أبو سعيد الدارمي -بعد أن ذكر ما يثبت النزول من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد، ولا يمنع من روايتها"(4).
(1) فتاوى اللجنة (3/ 186 - 187).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} الفتح: 15، برقم (7494)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم (758)؛ من حديث أبي هريرة.
(3)
أخرجه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، من أخبار عثمان بن عفان (967و968 شاكر) بإسناد حسن، وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب الوقت الذي يستجاب فيه الاستغفار، برقم (10236)، وأخرجه الدارمي في سننه في كتاب الصلاة، باب ينزل الله إلى السماء الدنيا، برقم (1481).
(4)
الرد على الجهمية (ص 79)، ينظر: شرح أصول الاعتقاد للالكائي (3/ 481)، رد الدارمي على بشر (1/ 497)، النزول للدار قطني (ص 25) وما بعدها.
وقال الإمام محمد بن خزيمة: "باب: ذكر أخبار ثابتة السند في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة: نشهد شهادة مقرٍ بلسانه، مصدقٍ بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نُزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله جل وعلا لم يترك، ولا نبيه عليه السلام، بيان ما يحتاج إليه المسلمون من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل" (1).
وقال أبو القاسم اللالكائي: "سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرون نفساً"(2).
وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب إلى السماء الدنيا، ورواه عنه نحو ثمانية وعشرين صحابياً. وهذا يدل على أنه كان يبلغه في كثير من المواطن، مما يؤكد أنه نزول حقيقي يليق بالله سبحانه وتعالى (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث: هو الإقرار بما ورد به الكتاب والسنة من أنه يأتي وينزل، وغير ذلك من الأفعال اللازمة"(4).
ونزول الرب سبحانه وتعالى الثابت له بالأدلة المتقدمة على تسعة أنواع هي: نزوله سبحانه إلى السماء الدنيا كل ليلة، وعشية عرفة، وليلة النصف من شعبان، وبعد أن
(1) ينظر: كتاب التوحيد (1/ 289).
(2)
أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 434)، ينظر: التسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 914).
(3)
ينظر: حكاية التواتر، وذكر الصحابة الذين رووه، وطرقه في مختصر الصواعق المرسلة (2/ 366)، (2/ 371 - 382)، مجموع الفتاوى (5/ 577 - 578).
(4)
مجموع الفتاوى (5/ 577)، ينظر: صفة النزول الإلهي للجعيدي (ص 223).
ينادي المنادي بين يدي الساعة، ونزوله تعالى إلى الأرض بين النفختين في الصور، ويوم القيامة، ونزوله جل وعلا من العرش إلى الكرسي يوم القيامة، ونزوله عز وجل على القنطرة يوم القيامة، ونزوله جل وعلا لأهل الجنة (1).
وقد أورد البعض على حديث النزول في ثلث الليل الآخر، بأن ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان، فلا يمكن النزول في وقت معين.
قال ابن رجب رحمه الله: " وقد اعترض من كان يعرف هذا على حديث النزول ثلث الليل الآخر، وقال: ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان، فلا يمكن أن يكون النزول وقت معين.
ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه، بل بادروا إلى عقوبته وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين" (2).
قال الإمام الترمذي (3)
رحمه الله: " وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث (4) وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف
…
" (5).
(1) ينظر: أدلة هذا الأنواع وتخريجها في صفة النزول الإلهي (ص 149 - 151).
(2)
فضل علم السلف على الخلف (ص 134).
(3)
هو: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي الضرير فقد بصره -على الصحيح- في كبره بعد رحلته وكتابته العلم، كان عالماً حافظاً إماماً بارعاً، شارك البخاري في بعض شيوخه وتتلمذ عليه توفي رحمه الله سنة (279 هـ)، وقيل غير ذلك، له مصنفات منها: الجامع المشهور بسنن الترمذي، وكتاب العلل.
ينظر: وفيات الأعيان (4/ 104)، وتذكرة الحفاظ (2/ 633)، والسير (13/ 270).
(4)
يعني حديث أبي هريرة مرفوعاً: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه
…
) الحديث، أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب الصدقة من كسب طيب، برقم (1410)، ومسلم في كتاب الزكاة باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم (1016).
(5)
السنن (3/ 41 - 42).
وقال ابن عبد البر (1) رحمه الله: " والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدقون بهذا الحديث ولا يكيفون، والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء، والحجة في ذلك واحدة"(2).
(1) هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عاصم، النميري المالكي، أبو عمر، حافظ المغرب، وصاحب التصانيف الشهيرة، من مؤلفاته: التمهيد، والاستذكار، والاستيعاب، توفي سنة (463 هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (18/ 153)، شذرات الذهب (3/ 314).
(2)
التمهيد (7/ 143)، وينظر:(7/ 153).