الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وأما الإجماع:
فقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات الرؤية في الآخرة، وسؤال الله الكريم حصولها، وحكى إجماعهم غير واحد من أهل العلم (1).
رابعاً: الجنة والنار:
1 - خلق الجنة والنار ووجودهما الآن:
قال الشيخ رحمه الله: " إن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وأنهما باقيتان لا تفنيان.
وفيما يلي بيان مذهب أهل السنة والجماعة:
اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار موجودتان في الدنيا. ولم يعرف لهم مخالف في صدر الإسلام، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة" (2).
ودلل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله على ذلك من الكتاب والسنة والإجماع، فقال: "
الأدلة من الكتاب: قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} آل عمران: 133، وقال تعالى:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} الحديد: 21، فدل التعبير عن إعداد الجنة للمؤمنين بالفعل الماضي على أنها موجودة بالفعل في الدنيا.
وقال تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} البقرة: 24، وقال تعالى:{وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)} آل عمران: 131، وقال تعالى:{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)} النبأ: 21 - 22، فدل التعبير بالماضي على أن النار وجدت فعلاً.
(1) ينظر: الرد على الجهمية للدارمي (ص 103)، شرح صحيح مسلم (3/ 15)، مجموع الفتاوى (6/ 469، 510)، حادي الأرواح (ص 319)، لوامع الأنوار البهية (2/ 240).
(2)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 10).
وأما من السنة: فالأحاديث الدالة على وجودهما الآن كثيرة، منها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)(1)، وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لما خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة، فقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بالجنة فحفت بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها ثم رجع، فقال: وعزتك، لقد خشيت ألا يدخلها أحد، قال: ثم أرسله إلى النار، قال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر فإذا هي يركب بعضها بعضا، ثم رجع فقال: وعزتك، لا يدخلها أحد سمع بها، فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال: اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها، فرجع فقال: وعزتك لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دخلها)(2).
فهذان الحديثان صريحان في إعداد كل من الجنة والنار لأهلها، وروى مالك في الموطأ وأصحاب السنن من حديث كعب بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما نسمة المؤمن طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة)(3)، وجاء في حديث خسوف الشمس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار وهو يخطب أصحابه وأنه حدثهم عنهما، وثبت أن الله أسكن آدم وحواء الجنة قبل أن يهبطهما إلى الأرض من أجل مخالفتهما لله بأكلهما من الشجرة التي نهاهما عن الأكل منها.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي برقم (1379)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه برقم (2866).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة والنار باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات برقم (2560)، والنسائي في كتاب الأيمان والنذور برقم (4684)، حسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2560)، وفي صحيح الترغيب والترهيب برقم (3669).
(3)
أخرجه الإمام أحمد برقم (15349) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، وصححه الألباني في شرحه على العقيدة الطحاوية برقم (378).
وأما الإجماع: فإن صدر هذه الأمة لم يزالوا على القول بوجودهما في الدنيا حتى نبتت نابتة من القدرية والمعتزلة فأنكرت ذلك وهم يحتجون بالنصوص، وبإجماع الأمة قبل وجودهم" (1).
إن من الإيمان باليوم الآخر: الاعتقاد الجازم والتصديق التام بالجنة والنار، فأهل السنة والجماعة يعتقدون:
أ- أن الجنة والنار موجودتان معدّتان لأهلهما ولا تفنيان، فالجنة دار كرامة الله أعدها لأوليائه المقربين والأبرار، والنار دار عذابه أعدّها دار هوان لأعدائه المشركين والمنافقين والكفار.
ب- أن أهلهما لا يموتون كما جاء النص فيه، يقال لأهل كل منهما: خلود ولا موت، وكما قال سبحانه عن أهل كل منهما:{هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} البقرة: 39، وقد سبق ذكر بعض الأدلة في كلام الشيخ عبد الرزاق رحمه الله السابق.
ج- أن أهل الجنة في نعيم أبدي متجدد، قال تعالى:{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} البقرة: 25، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)} النساء: 57.
وقال تعالى في نعيمهم: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} هود: 108، وأهل النار في عذاب أبدي سرمدي دائم، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} النساء: 56، وقال تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} الجن: 23 (2).
(1) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 10).
(2)
ينظر: النهاية في الملاحم والفتن (2/ 407)، أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة، د. محمد بن عبد الرحمن الخميس (640)، مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (2/ 54، 55).
- شبهة من أنكروا وجود الجنة والنار الآن:
قال الشيخ رحمه الله: " أولاً: خلق الجنة والنار قبل يوم الجزاء عبث، لأن كلاً منهما تبقى معطلة مدة طويلة دون أن يجزى بها أحد، والعبث محال على الله.
وأجيب أولاً: بأنه معارضة للنصوص الصحيحة بالعقل في أمر غيبي لا يعرف إلا بالنقل، وثانياً: بأن وجودهما في الدنيا فيه فائدة، لأن المؤمنين ينعمون في قبورهم، وأرواحهم نسمات تعلق في شجر الجنة، والكفار يعذبون في قبورهم بالعرض على النار ورؤية كل منهم مقعده فيها إلى أن يبعثه الله كما تقدم بيانه، فوجودهما ليس بعبث.
استدلوا ثانياً: بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} القصص: 88، وقوله:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} آل عمران: 185، قالوا: فلو كانتا موجودة الآن لهلكتا وذاق كل من فيهما الموت عند النفخة الأول في الصور من أجل إنهاء الدنيا وتخريبها.
وأجيب أن كلا من الجنة والنار مستثنى مما يصيبه الهلاك والفناء، عند النفخة الأولى، لأنهما خلقتا للبقاء، قال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} الزمر: 68، أدخلتا في عموم من شاء الله بقاءه جمعاً بين الأدلة، وأيضاً المعنى كل شيء كتب الله عليه الهلاك أو ذوق الموت هالك، والجنة والنار ليستا مما كتب عليه الهلاك، لأنهما خلقتا للجزاء، وأيضاً معنى كل شيء هالك إلا وجهه كل عمل حابط إلا ما أريد به وجه الله، بدليل قوله في صدر الآية:{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} القصص: 88.
استدلوا ثالثاً: بما ذكره الله عن امرأة فرعون من قولها: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} التحريم: 11، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(لقيت إبراهيم ليلة أسرى بي، فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم بأن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر)(1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده غرست له
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد برقم (3462)، صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (3462).
نخلة في الجنة) (1) رواهما الترمذي في سننه. قالوا: فلو كانت الجنة غير مخلوقة مفروغاً منها لما طلبت امرأة فرعون من ربها أن يبني لها بيتاً فيها، ولما قال صلى الله عليه وسلم:(أنها قيعان، وأنها لا تزال يغرس فيها كلما كان التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير من العابدين)(2).
وأجيب بأن ما ذكرتم دليل على وجود الجنة الآن لا على عدمها إلا أنها لا تزال يخلق الله فيها أنواعاً من النعيم ما ذكره الذاكرون، بل يجدد الله فيها يوم القيامة أنواعا من النعيم فالإنشاء فيها مستمر اليوم ويوم القيامة، والنعيم فيها متجدد أبد الآبدين" (3).
القول بخلق الجنة والنار ووجودهما الآن مذهب أهل السنة والجماعة قاطبة سلفاً وخلفاً (4) ومن وافقهم من الأشاعرة (5) والماتريدية (6)، وخالف في ذلك الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم (7) فقالوا بنفي خلقهما ووجودهما الآن.
يقول العلامة ابن أبي العز رحمه الله: "اتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل على ذلك أهل السنة، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة
…
وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم" (8).
(1) أخرجها الطبراني في المعجم الصغير برقم (103)، صححه الألباني في شرح الطحاوية (ص 423).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد برقم (3426) وحسنه، وحسنه كذلك الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (3462).
(3)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 11).
(4)
ينظر: الشرح والإبانة لابن بطة (ص 206)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة (6/ 1184)، الحجة في بيان المحجة (1/ 471 - 475)، درء التعارض (8/ 345 - 346)، حادي الأرواح (ص 11)، شرح العقيدة الطحاوية (2/ 614 - 620)، لوامع الأنوار البهية (2/ 230).
(5)
ينظر: مقالات الإسلاميين لأبي حسن الأشعري (1/ 349)، الإرشاد (ص 319)، أصول الدين للبغدادي (ص 237)، شرح المقاصد (5/ 107).
(6)
ينظر: أصول الدين للبزدوي (ص 165 - 166)، المسايرة لابن الهمام (ص 247 - 249).
(7)
ينظر: متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (ص 160 - 161).
(8)
شرح الطحاوية (2/ 641).