الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعمال الجوارح- كالخوف الرجاء والمحبة والتوكل
…
وكذا العبادات القولية كالذكر والدعاء والاستغفار، هل نخرجها من هذا الحديث؟! وليس هذا تأويلاً للحديث وحملاً له على غير ظاهره، بل هو حقيقة معناه، وظاهر سياقه (1).
والقول: بهذا المعنى للهرولة، ليس هروباً من إثباتها صفة لله تعالى، لأنها توهم معنى فاسداً -كما هو منهج نفاة الصفات-، وإنما لأن سياق الحديث وظاهره يدل عليه، ولو لم يرد في السياق ما يدل عليه لتعين إثباتها صفة لله تعالى على ما يليق بجلاله، ولذلك فقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات صفة المجيء والإتيان له سبحانه على ما يليق بجلاله، لدلالة النصوص الصحيحة عليهما، والهرولة من جنسهما، ولكن لأنه لم يدل دليل صريح على إثباتها صفة لله تعالى فإنه لا يتوجه إثباتها صفة له، والله أعلم؛ ثم إن الهرولة جاءت في الحديث مقيدة، فالله يأتي هرولة لمن أتاه يمشي، ولم يأتِ مطلقة كبقية الصفات المطلقة، ولذا فمن أثبتها صفة لله تعالى ينبغي له تقييدها بما قُيدت به في الحديث، فلا يجعلها صفة لله تعالى على وجه الإطلاق (2).
وقد قال الشيخ محمد العثيمين: عن هذا القول: إن له حظاً من النظر (3)، مع أنه قد انتصر للقول الثاني.
10 - صفتا الإتيان والمجيء
لله عز وجل:
يقرر الشيخ رحمه الله صفة الإتيان لله عز وجل، فيقول:" إتيانٌ حقيقي يليق بجلاله تعالى لا يشبه إتيان المخلوق، ولا نتأوله على إتيان رحمته أو ملك من ملائكته، بل نثبته كما أثبته السلف في تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الأنعام: 158"(4).
(1)(ينظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين جمعاً ودراسة (ص 185 - 186)، وبيان تلبيس الجهمية القسم السادس (1/ 151).
(2)
ينظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين جمعاً ودراسة (ص 187 - 188).
(3)
ينظر: القواعد المثلى (ص 72)، وإزالة الستار (ص 31).
(4)
فتاوى اللجنة (3/ 176).
وهما صفتان فعليتان خبريتان ثابتتان بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب:
- قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} البقرة: 210.
- وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الأنعام: 158.
- وقوله: {جَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} الفجر: 22.
ومن السنة:
- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرؤية: (
…
قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم
…
) (1).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (
…
وإن تقرب إلي ذراعاً؛ تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي؛ أتيته هرولة) (2).
- ولقد جاءت صفتا الإتيان والمجيء مقترنتين في حديث واحدٍ، رواه مسلم (3)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا تلقَّاني عبدي بشبرٍ؛ تلقَّيْته بذراع، وإذا تلقاني بذراع، تلقَّيْته بباع، وإذا تلقاني بباع، جئته أتيته بأسرع)(4).
(1) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:(وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، برقم (7439)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، برقم (183).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، برقم (7405)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، برقم (2675).
(3)
هو: مسلم بن الحجاج بن مسلم بن وَرْدٍ القشيري النيسابوري، أبو الحسين، ولد على الصحيح سنة ست ومائتين، توفي سنة إحدى وستين ومائتين. له تصانيف أغلبها إن لم يكن كلها في الحديث وعلومه، منها: المسند الصحيح المعروف بصحيح مسلم، الأسماء والكنى، التمييز، الطبقات، المنفردات والوحدان.
ينظر: سير أعلام النبلاء (12/ 579)، تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 590)، الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح لمشهور آل سلمان (1/ 233) وما بعدها.
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى، برقم (6748).
قال النووي: "هكذا هو في أكثر النسخ: (جئته أتيته)، وفي بعضها (جئتُه بأسرع) فقط، وفي بعضها: (أتيته)، وهاتان ظاهرتان، والأول صحيح أيضاً، والجمع بينهما للتوكيد، وهو حسن، لا سيما عند اختلاف اللفظ، والله أعلم"(1).
وأهل السنة والجماعة يثبتون لله إتيانٌ حقيقي يليق بجلاله تعالى لا يشبه إتيان المخلوق.
قال ابن جرير: في تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} البقرة: 210: "اختلف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} البقرة: 210، فقال بعضهم: لا صفة لذلك غير الذي وصف به نفسه عز وجل من المجيء والإتيان والنزول، وغير جائز تكلف القول في ذلك لأحد إلا بخبرٍ من الله جل جلاله أو من رسول مرسل، فأما القول في صفات الله وأسمائه؛ فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج؛ إلا بما ذكرنا. وقال آخرون:
…
" (2) ورجح: القول الأول.
وقال أبو الحسن الأشعري (3): "وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً
…
" (4).
وقال الشيخ محمد خليل الهراس -بعد أن حكى ما ذكره شيخ الإسلام عن الآيات السابقة -: " في هذه الآيات إثبات صفتين من صفات الفعل، وهما صفتا الإتيان والمجيء، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بذلك على حقيقة، والابتعاد عن التأويل الذي هو في الحقيقة إلحاد وتعطيل أ. هـ "(5).
(1) ينظر: المنهاج شرح صحيح مسلم ابن الحجاج (17/ 6 - 7).
(2)
تفسير الطبري (2/ 329).
(3)
هو: علي بن إسماعيل بن سالم بن إسماعيل الأشعري أبو الحسن، شيخ الأشاعرة وإمامهم، مر بثلاثة أطوار في حياته: طور انتحل فيه الاعتزال، وطور سلك فيه مسلك ابن كلاب، وطور نهج فيه منهج السلف مع لوثة اعتزالية، من مؤلفاته: مقالات الإسلاميين، الإبانة، اللمع وغيرها، توفي سنة (234 هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (15/ 85)، شذرات الذهب (2/ 303).
(4)
رسالة إلى أهل الثغر (ص 227).
(5)
شرح الواسطية (ص 112).