الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - المعتزلة
.
سبب تسمية المعتزلة بهذا الاسم:
قال كذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: " واعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن وجلس إلى اسطوانة يقرئ مذهبه واجتمع إليه تلاميذ فقال الحسن: اعتزلنا واصل، فسمي من تبعه في ذلك المعتزلة، وقيل: سموا بذلك لاعتزالهم رأي الفريقين الخوارج والمرجئة وليس صحيحاً فإن أهل السنة توسطوا بين الفريقين ولا يسمون بذلك"(1)(2).
وقد بين الشيخ رحمه الله أصول المعتزلة في معرض رده على بعض مخالفاتهم لمنهج أهل السنة والجماعة؛ فمن أصولهم (3):
1 -
قال الشيخ رحمه الله: " استفاد المعتزلة من الفلسفة اليونانية وتمكنوا منها وصبغوها بصبغة دينية واستغلوها في الجدل والحجاج والرد على الملحدين الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا وقلوبهم تفيض كفراً فأثاروا الفتن وولدوا الشكوك في المسائل الدينية"(4).
2 -
قولهم في مرتكب الكبيرة أنه في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر، وقد خالفوا بذلك أهل السنة والجماعة من السلف فإنهم لا يحكمون بخروج المؤمن من الإيمان بارتكابه الكبيرة.
3 -
قولهم أن أخص أوصاف الله القدم وبذلك نفوا عنه الصفات، خشية تعدد القدماء، فقالوا: الله عالم لذاته قادر لذاته إلى آخره، أو عالم بعلم هو عين ذاته قادر بقدرة هي ذاته لا معنى قائم بالذات؛ وخالفوا أهل السنة الذين قالوا: إن
(1) مجموعة ملفات الشيخ (ص 2)،وينظر:(ص 22).
(2)
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 588)، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين لمحمد بن عمر بن الحسين الرازي (1/ 39)، والانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار ليحيى بن أبي الخير العمراني (3/ 755).
(3)
ينظر: مجموعة ملفات الشيخ (ص 2 - 3).
(4)
مجموعة ملفات الشيخ (ص 22).
صفات الله تعالى قائمة بالذات ملازمة لها، وليست هناك ذات مجردة عن الصفات (1).
4 -
وقالوا: إن كلام الله مخلوق في كل.
5 -
وقالوا: بأن الله لا يُرى بالأبصار يوم القيامة وتأولوا كل النصوص في ذلك.
6 -
أخضعوا العقل في ردهم لما ثبت من صفات لله قائمة بذاته مثل الرؤية وغيرها وكأنهم أخذوا ذلك من الفلاسفة.
7 -
نفوا القدر بمعنى إنكار عموم مشيئته وشمول قدرته سبحانه وتعالى، وقالوا: بأن العبد مريد لفعل نفسه الاختياري خالق له بقدرته التي أودعها الله فيه، وقالوا: بأن الله أراد -كونا- الخير والناس هم الذين أرادوا لأنفسهم الشر، وقد خالفوا أهل السنة في ذلك فقد أثبتوا لله عموم قدرة ومشيئته الكونية خلافاً للمعتزلة ومن ذهب مذهبهم، إذ لا يكون من الله فعل إلا بإرادته (2).
8 -
أوجبوا على الله عقلاً أن يدخل من مات على الإيمان والطاعة والتوبة الجنة، كما يجب عليه عقلاً أن يدخل من ارتكب كبيرة النار ويخلد فيها وسموا هذا وعداً ووعيداً وكأنهم أخذوا هذا من الخوارج.
9 -
ومن أصولهم التحسين والتقبيح العقليان، وقالوا: بأن العقل يدرك حسن الحسن وقبح القبيح فتمكينه معرفة، وقالوا: بأنه لو لم يرد الشرع ببيان الحسن والقبيح لوجب بالعقل فعل الحسن وترك القبيح؛ وهذا أصل فاسد.
10 -
قالوا: بأن الله حكيم فلا يفعل إلا الصلاح، وأوجبوا عليه بالعقل رعايته ذلك، أما الأصلح فقد اختلفوا في وجوبه وسموا ذلك عدلاً وكأنهم أخذوا هذا الأصل من زعماء القدرية، وهذا مبني على ما ذهبوا إليه من قولهم في التحسين والتقبيح العقليين (3)؛ وبذلك خالفوا أهل السنة والجماعة الذين يثبتون القدر بجميع مراتبه.
(1) ينظر: فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي (1/ 161).
(2)
تعليق الشيخ على تفسير الجلالين (ص 12، 32،80، 261).
(3)
ينظر: مذكرة التوحيد (ص 58).
من أهم الفرق الكلامية التي نشأت بالتزامن تقريباً مع نشأة الجهمية، أو بعدها بقليل، فرقة المعتزلة، وهي من أكبر الفرق الكلامية التي عُرفت بآرائها المستقلة.
المعتزلة من الفرق الكلامية العقلانية المنتسبة للإسلام، ظهرت في عصر التابعين، أواخر العصر الأموي، وانتشرت في العصر العباسي، اعتمدت النظر العقلي المجرَّد أساساً لعقائدها وأفكارها، فخلطوا بين الشرعيات والفلسفة والعقليات في كثير من مسائل العقيدة، وهم فرق وطوائف يجمعهم غالباً القول بالأصول الخمسة المعروفة عنهم، وهي: التوحيد (1)، والعدل (2)، والوعد والوعيد (3)، والمنزلة بين المنزلتين (4)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (5)(6).
إن نشأة الاعتزال كان نتيجة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرّد في النصوص الدينية، وذلك نتيجة التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية، والعقائد اليهودية والنصرانية (7).
وقد ارتبط هذا التطور في أصل منشئه بقصة واصل بن عطاء (8)، مع شيخه الحسن البصري حين دخل رجل على مجلسه فقال: يا إمام الدين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون
(1) يقصدون به سلب لمعنى الكثرة والتعدد والتركيب فنفوا عن الله جميع الصفات وأولوا كل نص متواتر جاء بإثبات شيء من ذلك.
(2)
يقصدون به نفي أن يكون الله خالقاً لأفعال العباد.
(3)
يقصدون به أنه يجب على الله إنفاذ وعده ووعيده، وإلا كان مخلفاً للميعاد فرتبوا على هذا معاقبة العاصي، وعدم خروج أهل الكبائر من النار، وإنكار الشفاعة لهم.
(4)
يقصدون بها مرتكب الكبيرة فهو عندهم ليس مؤمناً ولا كافراً ولكنه بين الكفر والإيمان في الدنيا وخالد في النار في الآخرة.
(5)
يقصدون به نشر الأصول التي اعتقدوها والأمر بها فأباحوا قتل المخالف والخروج على الحاكم الشرعي.
ينظر لتفسير معنى هذه الأصول: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (141، 135 - 136، 345 - 355، 697)، المعتزلة وأصولهم الخمسة وموقف أهل السنة منها أ. د. عوّاد المعتق (151 - 207، 209 - 254، 255 - 264، 265 - 282)، مقالات الإسلاميين (1/ 466).
(6)
ينظر: الموسوعة الميسرة (1/ 69).
(7)
ينظر: الجهمية والمعتزلة (ص 127)، الموسوعة الميسرة (1/ 69).
(8)
واصل بن عطاء الغزَّال، أو حذيفة المخزومي البصري القدري، رأس المعتزلة وإمامهم، صاحب عبد الله بن محمد بن الحنفية، كان بليغاً، يلثغ في الراء فيتجنبها، توفي سنة (131 هـ).
ينظر: ميزان الاعتدال (4/ 329)، سير أعلام النبلاء (5/ 464).
أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة، وهم وعيدية الخوارج، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟
فتفكر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً، ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل، فسمي هو وأصحابه معتزلة (1).
وقد كان السلف يردّون على أقوالهم، وما المواقف التي اتخذها السلف أيام محنة القول بخلق القرآن إلا صورة عظيمة من صور التحدي والوقوف في وجه ترويج هذه الفرقة لمذهبها بين الناس، وبخاصة موقف الإمام أحمد: الذي كان موقفه حقيقاً بأن يجعله إماماً لأهل السنة والجماعة في ذلك العصر وبعده (2).
(1) ينظر: الملل والنحل (1/ 42)، الفرق بين الفرق (ص 118)، سير أعلام النبلاء (5/ 464).
(2)
ينظر: البداية والنهاية (14/ 393 - 405).