الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
الباطنية
.
تمهيد
الباطنية: نسبة إلى التأويل بالباطن، تصدق على كل من يذهب إلى التأويل بالباطن في القرآن الكريم، أو الحديث الشريف.
ولقد تستروا بفكرة ضالة وخبيثة مؤداها: أن النصوص الشرعية من قرآن وسنة لها ظاهر وباطن.
فالظاهر ما يفهم من النص العربي، والباطن: ما يفهمونه بوساوسهم وأوهامهم الخبيثة دون قاعدة يرجع إليها في فهم هذا الباطن، إلَاّ محض الخرافات التي تساعدهم على تحويل النص الشرعي إلى ألوان كفرهم وتحقيق غايتهم التي يرمون إليها، وهي سلخ المسلمين من عقيدتهم وتحويلهم عن دينهم.
وقد انقسم أهل هذا المذهب الباطني إلى فرق عديدة لكل منها صورة خاصة من الكفر والضلال، ويجمعها كلها هدف واحد هو هدم الإسلام، والنيل من عقيدة المسلمين (1).
وتعتبر الحركات الباطنية من أخطر الحركات في تاريخ العالم الإسلامي، وكذلك الرافضة والطائفتان متداخلتان في المنهج والاعتقاد والموقف من أهل السنة، ولا عجب؛ إذ كلها قائمة على مبدأ التشيع ومنطلقة منه، وإن كان التطور في بعضها قد يصل إلى الغلو أو الإباحة كما حدث للإسماعيلية والقرامطة، إلا أن القاسم المشترك بينها هو دعوى موالاة أهل البيت والقيام بالواجب نحوهم، واستخلاص حقوقهم المغتصبة- من الإمامة وغيرها- من أعدائهم؛ وهذه الحركات لا تزال -حتى الآن- تقوم بدور خطير في عالمنا الإسلامي وتحظى -كما يحظى من يتبناها من دول وغيرها- بدعم كبير من اليهود والنصارى والملاحدة -من شيوعيين ولا دينيين-؛ إذ أدرك أعداء الإسلام أن حرب المسلمين - ويقصد
(1) ينظر لما سبق: بحوث ودراسات في المذاهب والتيارات للدكتور محمد مجاهد نور الدين (ص 31 - 32).
أهل السنة- لا تتم إلا بإحياء الطائفية بينهم ودعم تلك الفرق والحركات المناهضة للإسلام الحق (1).
وصدقت فيهم مقولة أبي حامد الغزالي رحمه الله: " إنه مذهب ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم"(2).
ومن فرق الباطنية:
1 -
غلاة الرافضة
قال الشيخ رحمه الله: " وأما الروافض فقد أبغضوا أبا بكر وعمر وعثمان وكثيراً من الصحابة وتبرءوا منهم، وقالوا لا ولاء إلا ببراء، أي لا يصح من أحد ولاء لآل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر وعثمان ومن تبعهم، وسموا رافضة، لأنهم رفضوا نصرة زيد بن علي زين العابدين من أجل موالاته أبا بكر وعمر، فسماهم رافضة
…
وقالوا بتناسخ الأرواح" (3).
وقال الشيخ رحمه الله: " انتقص الله وطعن في أفعاله وشرائعه اليهود والرافضة، بخفاء الفرق بين النسخ والبداء (4)، وتعذر الفصل بينهما عليهم؛ فمنعت اليهود النسخ حماية لجناب الله في زعمهم، وجهلت الرافضة ربها؛ فحكمت بأن الله يبدو له من المصالح والمفاسد ما كان خفياً عليه؛ فينقض ما أبرمه (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).
ومن تبين أمر اليهود وحسدهم لمن جاء بعد موسى من الأنبياء، وكيدهم لشرائع الإسلام، وتبين حال الرافضة، ووقف على فساد دخيلتهم وزندقتهم؛ بإبطان الكفر وإظهار الإسلام، وأنهم ورثوا مبادئهم عن اليهود ونهجوا في الكيد للإسلام منهجهم؛ علم أن ما قالوه من الزور والبهتان، إنما كان عن قصد سيئ وحسد للحق وأهله، وعصبية ممقوتة دفعتهم إلى
(1) ينظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/ 115).
(2)
فضائح الباطنية تحقيق عبد الرحمن بدوي (ص 37).
(3)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (ص 19)، وينظر: مجموعة ملفات الشيخ (ص 24)، فتاوى اللجنة (2/ 434 - 435)(3/ 368).
(4)
ينظر لمعنى (النسخ والبداء) في التعليق الذي يعقب كلام الشيخ رحمه الله.
الدس والخداع وإعمال معاول الهدم سراً وعلناً للشرائع ودولها القائمة عليها، ومن قرأ آيات القرآن وتاريخ الفريقين ظهر له ما هم عليه من الدخل والمكر السيئ" (1).
وقال الشيخ رحمه الله مبيناً ما سبق في تعليقه على قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} الرعد: 39: " بين (تعالى) في آخر الآية أن كل ما يكون منه من محو وإثبات وتبديل وتغيير واقع بمشيئته فعلاً وكونياً أو تشريعاً، ومسطور عنده في أم الكتاب جرى به القلم؛ فكتب ما هو كائن من ناسخ ومنسوخ وسعادة وشقاوة وسائر ما يكون من التغيير والتبديل كل منها في وقته الذي حدد له في علمه (تعالى) وكتابه، ورهين بأسبابه حسب ما تقتضيه الحكمة، وبذلك يتبين أنه لا يلزم من المحو والإثبات عموماً أن يكون بدا لله أمر كان خفياً عليه، بل كل ما كان وما سيكون من فعل أو تشريع تفسير عملي وتطبيق واقعي دقيق موافق لسابق علمه، وما جرى به قلمه في كتابه"(2).
حدثت انقسامات داخل المذاهب الرافضية الباطنية:
ومنها: الانقسام الذي وقع حول من يكون الإمام بعد جعفر الصادق رحمه الله.
فطائفة: قالت: الإمام بعده ابنه موسى واستمرت الإمامة بعده إلى الإمام الثاني عشر - المهدي المنتظر عندهم- وهؤلاء هم الرافضة الموسوية، والجعفرية، الاثنا عشرية، ومن يطلع على عقائدهم ومذاهبهم يرى أنه لا يمكن أن يكونوا طائفة معتدلة بحال من الأحوال، إلا حال التقية.
وطائفة: قالت: الإمام بعده أي - بعد جعفر الصادق- ابنه إسماعيل -الذي مات في عهد أبيه- وهؤلاء هم طائفة الإسماعيلية التي انبثقت منها حركة القرامطة، والدولة الفاطمية في المغرب ومصر، والإسماعيلية في بلاد فارس وغيرها (3).
(1) تعليق الشيخ على الإحكام (2/ 136 - 137).
(2)
تعليق الشيخ على الإحكام (2/ 138 - 139).
(3)
موقف ابن تيمية من الأشاعرة (ص 117).
الرافضة: هي تلك الطائفة من الشيعة التي تعتقد بأحقية أهل البيت في الإمامة على باقي الصحابة، بمن فيهم الشيخان رضي الله عنهم، وأن الإمامة ركن من أركان الدين بنص النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الأنبياء والأئمة معصومون، ويشمل أيضا، كل من يقول بالبداء والرجعة والغيبة والتولي والتبري إلا في حالة التقية.
ويرجح العلماء سبب التسمية لرفضهم إمامة الشيخين وأكثر الصحابة، وقد أطلق عليهم هذا الاسم بعد رفضهم إمامة زيد بن علي، وتفرقهم عنه؛ لعدم موافقته على أفكارهم، وكانت تسمى من قبل الخشبية والإمامية، ومن أشهر فرقهم الاثنا عشرية (1).
أخطر عقائد غلاة الرافضة:
1 -
التأويل الفاسد: وإنما كان فاسداً لأنه صدر عن اعتقادهم أن للقرآن ظاهراً وباطناً، وأن المراد منه باطنه دون ظاهره، وأن علم الباطن مقصور عليهم وحدهم، فانطلق غلاة الرافضة كغيرهم من غلاة الباطنية يحرفون لفظ القرآن عن معناه إلى ما يتفق مع عقيدتهم وأهوائهم؛ وبالتأويل الفاسد تحلل الروافض من القيم الأخلاقية، والشعائر الدينية، ونشروا الإباحة والإلحاد. فالخطابية (2) استحلوا الزنا، وشرب الخمر، وقالوا بترك الصلاة، مؤولين قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} النساء: 28.
وقالوا: خففت عنا يا أبا الخطاب، وقالوا من عرف الإمام فلا حرج عليه
…
الخ. وهذا شبيه بنهج اليهود في التأويل والتحريف، وله صلة قوية بما كان عليه المجوس من الفرس.
(1) ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (13/ 35 - 36)، الملل والنحل (1/ 155)، مقالات الإسلاميين (ص 65)، والتبصير في الدين للإسفراييني (ص 29 - 30)، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للإمام الرازي (ص 77)، الموسوعة الميسرة (2/ 1065)، بحوث ودراسات في المذاهب والتيارات (ص 43 - 44).
(2)
هي فرقة من غلاة الشيعة، أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأسدي الأجدع مولى بني أسد، وهو الذي عزا نفسه إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه. فلما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه تبرأ منه ولعنه، وأمر أصحابه بالبراءة منه. وشدد القول في ذلك، وبالغ في التبرؤ منه واللعن عليه. فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه. وزعم أبو الخطاب أن الأئمة أنبياء، ثم آلهة. وقال بألهية جعفر بن محمد، وألوهية آبائه رضي الله عنهم. وهم أبناء الله وأحباؤه. والإلهية نور في النبوة، والنبوة نور في الإمامة
…
ينظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (2/ 15 - 17).
2 -
التشبيه والحلول: أي القول بتشبيه الله بالإنسان، وأن له تعالى أعضاء كأعضائه، والقول بالحلول أيضاً حين اعتقد غلاتهم حلول الإله بذاته أو روحه جزء أو كلا في البشر، وهذا قوي الصلة بوثنية الفرس وتحريفات اليهود والنصارى، وهو مناف لعقيدة التوحيد، فالقول بالحلول باطل ومحال: فحلول الشيء لا يتصور إلاّ إذا كان الحال بحيث لا يتعين إلاّ بتوسط المحل، ولا يمكن أن يتعين واجب الوجود سبحانه بغيره، فحلوله في غيره محال. وأما التشبيه فقد نتج عن تأويلهم لبعض النصوص الشرعية على غير وجهها الصحيح فوصفوا الله سبحانه بما لا يليق به، وما ذلكَ إلاّ لركونهم إلى التأويل المهلك وتركهم للتفويض المدرك (1).
3 -
البداء: وهو مما قالت به اليهود (2)، ولا يجوز على الله؛ لأنه مخالف تماماً للنسخ المقرر شرعاً إذ أن البداء بمعنى أنه بدا لله شيء كان يجهله أو يجهل الحكمة منه، ثم بدا له أن يفعله، وهذا مفهوم يؤدي إلى جواز التغير عليه سبحانه. وهو مختلف تماماً عن معنى النسخ.
4 -
الرجعة: وهو القول برجعة الإمام مرة أخرى إلى الحياة بعد موته ليؤدي دوره في هداية الناس إلى مذهبه، وهذه أيضاً يقول بها اليهود (3).
5 -
التناسخ: أي القول بتناسخ الأرواح وانتقالها من جسم إلى جسم وهذا هو الثواب والعقاب، وهو معنى القيامة عندهم، ويكون ذلكَ في الدنيا فيثاب المطيع مثلاً بأن تنتقل
(1) ينظر: بحوث ودراسات في المذاهب والتيارات (ص 49).
(2)
وقد أطال العلامة موسى جار الله رحمه الله تعالى النفس في بيان بطلان دعوى البداء لله تعالى، وأن الرافضة قد أخذوه من اليهود، ونقل نصوص التوراة، من سفر التكوين وغيره، فينظر الوشيعة في كشف شنائع عقائد الشيعة، د. صالح الرقب، (110 - 120)، وينظر: التوراة (سفر التكوين، الفصل السادس، فقرة: 5)، (سفر الخروج، الفصل: 32 فقرة: 12، 14)، (وسفر قضاة، الفصل الثاني، فقرة: 18)، (وسفر صموئيل الأول، الفصل الخامس عشرة فقرة: 10، 34)، (وسفر صموئيل الثاني، الفصل: 24، فقرة: 16)، (وسفر أخبار الأيام الأول، الفصل: 21، فقرة: 1)، (وسفر أرميا، الفصل: 42، فقرة: 10)، (وسفر عاموس، الفصل: 7، فقرة: 3)، (وسفر يونان، الفصل: 3، فقرة: 10) وغيرها.
(3)
ينظر: العهد القديم (إصحاح الفصل:4، فقرة: 5).
روحه إلى شيءٍ حسن كالطاووس مثلاً، ويعاقب المجرم العاصي بأن تنتقل روحه إلى شيء قبيح مثل الكلب أو قرد. فالجزاء في الدنيا وليس هناك حياة آخرة. يقول ابن حزم:" ويبلغ الأمر بمن ذهب منهم إلى هذا أنه يأخذ أحدهم البغل والحمار فيعذبه ويضربه ويعطشه ويجيعه على أن روح أبي بكر وعمر حلت فيها"(1).
(1) ينظر لما سبق من عقائد: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 172)، بحوث ودراسات في المذاهب والتيارات (ص 49)، ومجموع فتاوى العقيدة لمحمد بن صالح العثيمين (4/ 293)،والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة للعبد القادر بن شيبة الحمد (ص 239 - 245).