الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - إبراهيم عليه السلام
-:
قال الشيخ رحمه الله: "ذكر الله سبحانه في سورة الأنعام والأنبياء والشعراء والعنكبوت دعوة إبراهيم عليه السلام أباه وقومه إلى التوحيد وإنكاره عليهم عبادة غير الله وتحطيمه أصنامهم وما دار بينه وبينهم من المحاجة، وختمها بإلقائهم إياه في النار، وإنجائه منها، فقال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} الأنبياء: 68 - 71، فالمقصود هو بيان أن إبراهيم عليه السلام بلغ البلاغ المبين وأقام الحجة على الكافرين، وأنه ابتلي البلاء العظيم فصبر ابتغاء وجه الله الكريم فأنجاه الله من النار وأبطل كيد الكفار وقد تم كل ذلك بفضل الله ورحمته"(1).
ويرد الشيخ رحمه الله على من أنكر إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار، بقوله:" دلت النصوص على أن أعداء إبراهيم عليه السلام أرادوا به كيدا وأخبر سبحانه عنهم أنهم قالوا: {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)} الصافات: 97،وأنهم قالوا: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)} الأنبياء: 68،ودل قوله تعالى: {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} الأنبياء: 69،على أنهم نفذوا مخططهم الذي كادوا به لإبراهيم عليه السلام وألقوه في النار فجعلها سبحانه بردا وسلاما عليه كما دلت السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على تفصيل ذلك، فمن أنكر إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار وتأول النصوص الواردة في ذلك على مجرد الكيد والتخطيط لذلك فهو كافر مكذب للقرآن والسنة الصحيحة قائل على الله بغير علم ملحد في آيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومخالف لما علم من الدين بالضرورة وأجمعت عليه الأمة"(2).
أوحي إلى إبراهيم أن يدعو قومه إلى ما أمر الله به من تعاليم الدين، كما أوحي إلى خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم ونوح والنبيين بينهما، وهو قوله تعالى لمحمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: قال تعالى:
(1) فتاوى اللجنة (3/ 280 - 281).
(2)
فتاوى اللجنة (3/ 356).
{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)} النساء: 163، ومنهم إبراهيم، وذكر الله الوحي في قوله تعالى:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)} الأنبياء: 73، ومعنى قوله تعالى:{أَئِمَّةً} : أي رسلاً. وغيرها من الآيات الدالة على نبوته عليه السلام.
وكان أول شيء تضمنته رسالة إبراهيم، الدعوة إلى الإيمان بالله ووحدانيته قال تعالى:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)} الصافات: 85 - 86، قال تعالى:{إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الممتحنة: 4، ولقد فعل ما يثبت لهم فساد عقيدتهم في عبادة الأصنام
…
{قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} الصافات: 95 - 96، وبين لقومه أن الله هو الخالق وهو الهادي، وهو الذي يطعمهم ويسقيهم
…
،
وأنه لا حجة لهم في قولهم: إنهم يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم من عبادة هذه الأصنام، فإنه من سوء الرأي، وفساده، أن يتبع المرء آباءه في فعل الباطل {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} الشعراء: 75 - 80، ثم ابتلي إبراهيم بعد أن حطم على قومه الأصنام، وحكموا عليه بأن يلقوه في النار فنجاه الله منها قال تعالى:{قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)} الأنبياء: 68 - 70، وقال تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ
إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)} العنكبوت: 24 (1).
ويتضح من هذا أن إبراهيم عليه السلام بلغ البلاغ المبين وأقام الحجة على الكافرين، وأنه ابتلي البلاء العظيم فصبر ابتغاء وجه الله الكريم فأنجاه الله من النار وأبطل كيد الكفار وقد تم كل ذلك بفضل الله ورحمته.
(1) ينظر: تاريخ الأنبياء والرسل والارتباط الزمني والعقائدي (112 - 122)، ومن لطائف التعبير القرآني لفؤاد سندي (99 - 174).