الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
منهجه في مناقشتها
.
منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله هو منهج متميز استقاه من هدي الكتاب والسنة وطريقة أهل العلم.
فكان مما تميز به أسلوب الشيخ في النصيحة والردود العلمية:
أولاً: العدل والإنصاف، إذ مقياسهُ في ذلك القرآن والسنة؛ ومما يذكر في هذا، قوله رحمه الله:"وهؤلاء الذين خرجوا عن أهل السنة والجماعة في مسائل من أصول الدين، ففيهم من السنة بقدر ما بقي لديهم مما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة الهدى من مسائل أصول الإسلام، وفيهم من البدع والخطأ بقدر ما خالفوهم فيه من ذلك قليلاً كان أو كثيراً، وأقربهم إلى أهل السنة والجماعة أبو الحسن الأشعري ومن تبعه عقيدة واستدلالاً"(1)، ومن ذلك قوله رحمه الله:" إن القول بسقوط التكاليف أو بوحدة الوجود يؤمن به بعض الصوفية لا كلهم"(2).
ثانياً: الاعتماد في أسلوب المناقشة على إيراد الأدلة الشرعية والعقلية التي تؤيد ما يعتقده، فقد سلك طريقة التوثيق، ويبين أحياناً الحكم في بعض المسائل، ويتضح هذا في ردود الشيخ رحمه الله، ومن ذلك رده على ما يعتقده الملحدون، فيقول: " وجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء حتى المشركين لا ينازع في ذلك إلا ملحد دهري، ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجد؛ لأن الوجود نوعان، وجود ذاتي
…
، ووجود حادث" (3)؛ ومن ذلك أيضاً، رده رحمه الله على من أنكرت أركان الإسلام، فقال: " من أنكر وجحد شيئاً من أركان الإسلام أو من واجبات الدين المعلومة بالضرورة فهو كافر ومارق من دين الإسلام" (4).
(1) مجموعة ملفات الشيخ (ص 157).
(2)
مجموعة ملفات الشيخ (ص 220).
(3)
فتاوى اللجنة (3/ 190).
(4)
فتاوى اللجنة (2/ 494).
ثالثاً: التواضع وخفض الجناح وعدم الاستعلاء والتكبر والترفع في مخاطبة المخطئ، فلم يُحفظ عن الشيخ عبد الرزاق رحمه الله شيء من قبيل الاستعلاء والتكبر.
رابعاً: الرحمة والشفقة بالخلق، ومحبة الخير والنصح لهم، ومن ذلك قوله رحمه الله: "لا يغترَ إنسان بما آتاه الله من قوة في العقل وسعة في التفكير، وحصيلة في العلم، فيجعل عقله أصلاً، ونصوص الكتاب والسنة الثابتة فرعاً، فما وافق منهما عقله قبله واتخذه ديناً وما خالفه منهما لوى به لسانه وحرفه عن موقعه، وأوله على غير تأويله إن لم يسعه إنكاره
…
ثقة بعقله
…
واتهاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلخ" (1).
خامساً: القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصح للخلق، وعدم المجاملة أو المحاباة في ذلك، ومما يذكر في ذلك، ردهُ رحمه الله على من لا يرى اتباع الشريعة الإسلامية، بقوله:" من اعتقد أن هناك أحداً يسعه الخروج من اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر يخرج من ملة الإسلام، وشريعته هي القرآن الذي أوحاه الله إليه، قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)} الإسراء: 106، ومن الشريعة: السنة النبوية التي هي تبيين وتفصيل للقرآن، قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)} النحل: 64"(2).
سادساً: إحياؤه لسنة الرد على المخالفين رحمه الله، مع تقيده بالأدب النبوي الكريم، فجمع في ذلك بين هدي السلف في الردود على المخالف وبين التأدب بآداب السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، إذ المراد هو التصويب، وإرشاد ذلك المخطئ وليس التشفي وإسقاط الآخرين، وهذا يتضح في جهوده في بيان الفرق والمذاهب المعاصرة بجلاء (3).
(1) مجموعة ملفات الشيخ (ص 40 - 41).وينظر: مجموعة ملفات الشيخ (88 - 89) و (127 - 128)، وشبهات حول السنة (58) وما بعدها.
(2)
فتاوى اللجنة (2/ 394).
(3)
ويتضح جلياً جميع ما ذكر من منهج الشيخ رحمه الله في فصول ومباحث (منهج الشيخ وجهوده في الرد على المخالفين).
سابعاً: في معرض رد الشيخ رحمه الله على الخطأ يعقبه بذكر مذهب السلف الصحيح فيه، ومن ذلك قوله رحمه الله في رده على من قال بتناسخ الأرواح:"ما ذكر من أن الروح تنتقل من إنسان إلى آخر ليس بصحيح، والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)} الأعراف: 172، وجاء تفسير هذه الآية فيما رواه مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سُئل عن هذه الآية السابقة، فقال عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسال عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون) (1)، قال ابن عبد البر: معنى هذا الحديث، قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة كثيرة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم. وقد أجمع أهل السنة والجماعة على ذلك وذكروا: أن القول بانتقال الروح من جسم إلى آخر هو قول أهل التناسخ وهم من أكفر الناس، وقولهم هذا من أبطل الباطل"(2).
ويتضح مما سبق أن منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله واضحاً في التحقيق العلمي والأسلوب الرفيع المقنع.
(1) أحرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (311)، وأبو داود برقم (4703)، والترمذي برقم (5071)، والحاكم في المستدرك (1/ 27)، قال الألباني صحيح، إلا مسح الظهر ينظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4703)، وتخريجه للطحاوية برقم (266).
(2)
فتاوى اللجنة (2/ 434 - 435).