الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ظهرت جماعة يسمون أنفسهم القرآنيين، يقرءون القرآن الكريم وينكرون السنة النبوية بالكلية، والحق أنهم منكرون للقرآن الكريم قبل إنكار السنة؛ فمنكر السنة منكر للقرآن بلا ريب؛ إذ كيف يصلي وكم صلاة يصليها، وما أركان الصلاة، وما سننها ومبطلاتها؟ وكيف يزكي وكيف يصوم وكيف يحج؟ وأنكر بعض المعاصرين السنة القولية، وأقر السنة العملية. وأنكر بعض المعاصرين ممن ليس لهم اختصاص بالسنة أحاديث الشفاعة، وأولوا الآيات القرآنية الصريحة في الشفاعة، والبعض الآن يتكئ على أريكته وينفخ أوداجه ثم يضعف أحاديث الشيخين البخاري ومسلم التي أجمعت الأمة على صحتها (1).
سادساً: الحكم بغير ما أنزل الله:
يرى الشيخ رحمه الله أن النظم التي وضعت ليتحاكم إليها الناس، مضاهاة لتشريع الله داخلة في معنى الطاغوت، فقال: " معنى الطاغوت العام: هو كل ما عبد من دون الله مطلقاً تقرباً إليه بصلاة أو صيام أو نذر أو ذبيحة أو لجوء إليه فيما هو من شأن الله لكشف ضر أو جلب نفع أو تحكيماً له بدلاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.
والمراد بالطاغوت في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} النساء: 60، كل ما عدل عن كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى التحاكم إليه من نظم وقوانين وضعية أو تقاليد وعادات متوارثة أو رؤساء قبائل ليفصل بينهم بذلك، أو بما يراه زعيم الجماعة أو الكاهن. ومن ذلك يتبين: أن النظم التي وضعت ليتحاكم إليها مضاهاة لتشريع الله داخلة في معنى الطاغوت، لكن
(1) ينظر: موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن نايف الشحود (6/ 39)،رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء السنة النبوية الشريفة لعماد السيد محمد إسماعيل الشربينى (1/ 529)، عدالة الصحابة ن ودفع الشبهات لعماد الدين الشربيني (1/ 1).
من عبد دون الله وهو غير راض بذلك كالأنبياء والصالحين لا يسمى طاغوتاً، وإنما الطاغوت: الشيطان الذي دعاهم إلى ذلك وزينه لهم من الجن والإنس" (1).
الأصل في الحكم بغير ما أنزل الله قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} المائدة: 44.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو، عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله، فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرها، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر، فإن كثيراً من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله، فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً"(2).
ولابن القيم رحمه الله تفصيل في الحكم بغير ما أنزل الله، أوضحه بقوله: " والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغر والأكبر، حسب حال الحاكم.
فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر.
وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر.
وإن جهله وأخطأه، فهذا مخطئ، له حكم المخطئين" (3).
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: " فانظر كيف سجل تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل الله، الكفر والظلم والفسوق، ومن الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ولا يكون كافراً، بل كافر مطلقاً: إما كفر عمل، وإما كفر
(1) فتاوى اللجنة (1/ 784 - 794).
(2)
منهاج السنة (5/ 130).
(3)
مدارج السالكين (1/ 346).