الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
جهوده في مسائل الإيمان
.
1 - تعريف الإيمان:
الإيمان في اللغة:
مصدر آمن يؤمن إيماناً فهو مؤمن (1)، وهو بمعنى الإقرار لا مجرد التصديق؛ فإن الإيمان يتضمن أمرين:
أحدهما: الإخبار.
ثانيهما: الالتزام.
والتصديق إنما يتضمن الأول دون الثاني، بخلاف الإقرار فإنه يتضمنهما جميعاً (2).
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " معلوم أن الإيمان هو الإقرار لا مجرد التصديق، والإقرار يتضمن قول القلب الذي هو التصديق، وعمل القلب الذي هو الانقياد"(3).
وأما الإيمان في الشرع:
فهو حقيقة مركبة من اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح.
كما عرفة الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، بقوله:" قول أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان وتصديق بالجنان"(4).
(1) ينظر: تهذيب اللغة (1/ 209)، معجم مقاييس اللغة (ص 88)، الصحاح (5/ 2071)، لسان العرب (13/ 21)، والقاموس المحيط (ص 1518).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 530 - 531).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 638).
(4)
فتاوى اللجنة (3/ 248).
والأدلة على ذلك متظافرة من الكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب:
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)} المائدة: 41
"كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه على الخلق يشتد حزنه لمن يظهر الإيمان، ثم يرجع إلى الكفر. فأرشده الله تعالى، إلى أنه لا يأسى ولا يحزن على أمثال هؤلاء. فإن هؤلاء، لا في العير ولا في النفير. إن حضروا لم ينفعوا، وإن غابوا لم يفقدوا. ولهذا قال مبينا للسبب الموجب لعدم الحزن عليهم {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} فإن الذين يؤسى ويحزن عليهم، من كان معدودا من المؤمنين، ظاهراً وباطناً. وحاشا لله، أن يرجع هؤلاء عن دينهم، ويرتدوا، فإن الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب لم يعدل به صاحبه غيره، ولم يبغ به بدلا"(1)؛ فالمعنى ووجه الاستدلال من حقق الإيمان ظاهراً وباطناً.
ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)(2).
"فهذه الشعب تتفرع من أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن"(3)، وقد عني جمع من أهل العلم بعدها وفقاً لذلك (4).
(1) تفسير السعدي (ص 231).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان (1/ 29) برقم (9)، ومسلم واللفظ له، كتاب الإيمان، باب عدد شعب الإيمان (1/ 63) برقم (35) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
فتح الباري (1/ 52).
(4)
ينظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 911 - 940)، الإبانة الكبرى لابن بطة تحقيق رضا نعسان (2/ 650 - 653).
أما الإجماع: فقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل (1).
وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم: وكيع بن الجراح (2)(3) وأبو عبيد القاسم بن سلام (4)، والبخاري (5)، والبغوي (6)، وابن عبد البر (7) رحمهم الله جميعاً.
وقد خالف أهل السنة والجماعة في ذلك عامةُ الطوائف والفرق (8)، ومنهم الأشاعرة فإنهم اتفقوا على أن الإيمان هو تصديق القلب، وأن أعمال الجوارح غير داخلة في مسماه، واختلفوا في إقرار اللسان على قولين (9).
(1) ينظر: الإيمان لابن أبي شيبة (ص 46)، والإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص 66)، الإيمان للعدني (ص 79)، الإيمان لابن مندة (2/ 5)، الشريعة (2/ 611)، الإبانة الكبرى، تحقيق نعسان (2/ 760)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (4/ 830)، والحجة في بيان المحجة (1/ 403)، وأصول السنة لابن أبي ومنين (ص 207)، وشرح السنة للبربهاري (ص 67)، وعقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 264)، ومسائل الإيمان لأبي يعلى (152)، الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي (ص 181)، والإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 293 - 295)، وشرح الطحاوية (2/ 459)، ولوامع الأنوار البهية (1/ 403).
(2)
هو وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي، أبو سفيان، الرؤاسي، إمام محدث، من أئمة السلف، من مؤلفاته: الزهد، التفسير، فضائل الصحابة وغيرها، توفي سنة 197 هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (9/ 140)، شذرات الذهب (1/ 349).
(3)
ينظر: كتاب الإيمان للعدني (ص 96).
(4)
ينظر: الإيمان له (ص 66).
(5)
ينظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (5/ 886).
(6)
ينظر: شرح السنة (1/ 38 - 39).
(7)
ينظر: التمهيد (9/ 238).
(8)
ينظر: مقالات الإسلاميين (1/ 213)، مجموع الفتاوى (13/ 47 - 51)، الإيمان لشيخ الإسلام (ص 72)، شرح الطحاوية (2/ 459).
(9)
القول الأول: أنه لا يكفي التصديق وحده بل لا بد معه من الإقرار بالشهادتين باللسان، فإن تركه مع القدرة عليه كان كافراً مخلداً في النار.
القول الثاني: أنه من أهل الجنة، وتركه التلفظ به معصية فقط.
ينظر: المنح المكية في شرح الهمزية للهيثمي (3/ 1340 - 1341)، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج للهيثمي تحقيق عبد الله بن محمود (4/ 112)، الفتاوى الحديثة للهيتمي (ص 263)، إحياء علوم الدين للغزالي (1/ 104 - 105)، آراء ابن حجر الهيتمي الاعتقادية عرض وتقويم في ضوء عقيدة السلف، د. محمد بن عبد العزيز الشايع (ص 664 - 665).