الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
نواقض توحيد الربوبية والقوادح فيه
.
سبق معرفة أن توحيد الربوبية هو اعتقاد المسلم بأن الله هو رب كل شيء ومليكه (1)، وخالق كل شيء، ورازق كل حي، ومدبر كل أمر
…
، فكل قول أو اعتقاد فيه إنكار لهذه الخصائص التي يختص بها الله عز وجل أو بعضها هو من نواقض الإيمان، التي يصبح فاعلها مرتدًا عن دين الله عز وجل. -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند حديثه عن شرك الربوبية: " فإن الرب سبحانه هو المالك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل، فمن شهد أن المعطي أو المانع، أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره، فقد أشرك بربوبيته"(2).
وهذا الشرك ينقسم إلى كبير وأكبر (3).
وهو على نوعين (4):
النوع الأول: شرك التعطيل؛ وهو أقبح أنواع الشرك، وذلك:
إما بالإلحاد: كشرك فرعون إذ قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} الشعراء: 23، ويدخل
(1) ينظر: مذكرة التوحيد (29 - 30)، فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 54 - 55).
(2)
مجموع الفتاوى (1/ 92)، وينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 703، والإرشاد للسعدي (ص 205).
(3)
ينظر: الجواب الكافي لابن القيم (ص 309).
(4)
وقد أُفرد فصلٌ كامل عن (جهود الشيخ عبد الرزاق رحمه الله في بيان الفرق والمذاهب المعاصرة) في الباب الثاني من هذه الرسالة، ما يغني عن تكرار كلام الشيخ وإثقال كاهل الرسالة، والذي يوجد فيه الدلالة على هذين النوعين.
فيه الشيوعية (1)
والقومية (2) وغيرها من الاتجاهات الهدامة التي تجددت.
وإما بتعطيل المصنوع عن صانعه: كالقول بقِدم العالم (3).
وإما بتعطيل معاملة الصانع عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد: كالقول بوحدة الوجود (4).
(1) هي حركة فكرية اقتصادية يهودية إباحية وضعها كارل ماركس تقوم على الإلحاد وإلغاء الملكية الفردية وإلغاء التوارث وإشراك الناس كلهم في الإنتاج على حد سواء، ومن مبادىء الشيوعية أن المادة هي أصل الحياة وليس لها خالق ولا مبدع ولا متصرف فهي بهذا المبدأ تحارب جميع الأديان، وكذلك محاربتها للرأسمالية ومحاربة للحشمة والفضيلة والتمسك الاجتماعي والبناء الأسري، وإثارة حقد الفقراء والعمال ضد أصحاب الأموال والسلطات.
ينظر: الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة، أ. د. ناصر القفاري، أ. د. ناصر العقل (ص 90) بتصرف، ومعجم ألفاظ العقيدة (ص 248).
(2)
هي: حركة سياسية فكرية متعصبة تدعو إلى تمجيد العرب وإقامة دولة موحدة لهم على أساس من رابطة الدم والقربى واللغة والتاريخ وإحلالها محل رابطة الدين، ويتبنى شعار الدين لله والوطن للجميع، والهدف من هذا الشعار إقصاء الإسلام، وجعل أخوة الوطن مقدمة على أخوة الدين.
ينظر: الموسوعة الميسرة للندوة العالمية (ص 401)، معجم ألفاظ العقيدة (ص 340).
(3)
والقول بقدم العالم من البدعة المنكرة التي أحدثها الفلاسفة المتأرجحون بين شريعة الرحمن وزندقة اليونان، تناقِض توحيد الربوبية بشكل واضح، إذ حقيقتها إنكار وجود الصانع، الخالق للكون، المتقدم عليه، كما جاء في الحديث:"كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء".
ومعناه عندهم أن العالم ما زال موجوداً مع الله تعالى، ومعلولاً له، ومساوقاً له مساوقة المعلول للعلة، غير متأخر عنه في الزمان.
ويتضمن هذا القول أن الله تعالى علة تامة مستلزمة للعالم، والعالم متولد عنه تولداً لازماً بحيث لا يمكن أن ينفك عنه.
وهذا القول باطل عقلاً وشرعاً، لذلك أجمعت طوائف الملل كلها على بطلانه، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"القول بقدم العالم قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه، فليس أهل الملة وحدهم تبطله، بل أهل الملل كلهم، وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين: - مشركي العرب، ومشركي الهند وغيرهم من الأمم، وجماهير أساطين الفلاسفة كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن، بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء".
ينظر: نواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف (ص 98)، مجموع الفتاوى (5/ 565)، الصفدية لابن تيمية، تهافت الفلاسفة للغزالي (ص 74).
(4)
وحدة الوجود: هي عقيدة كثير من الصوفية وهي قائمة على أن الله والوجود شيء واحد غير منقسم، وأن وجود هذا العالم هو عين وجود الله وهو حقيقة وجود هذا العالم، فليس عندهم رب وعبد ولا مالك ومملوك ولا راحم ومرحوم ولا عابد ولا معبود، فالعابد هو نفس المعبود والرب هو العبد - تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا-.
ينظر: معجم ألفاظ العقيدة (ص 460)، التحفة المهدية لفالح مهدي (ص 252).
وإما تعطيل الصانع عن أفعاله: كمنكري إرسال الرسل، ومنكري القدر، ومنكري البعث والنشور، وغيرها (1).
النوع الثاني: شرك الأنداد من غير تعطيل، وهو من جعل مع الله إلهاً آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، وذلك:
إما بدعوى التصرف في الكون من الغير: كمشركي قوم إبراهيم الصابئة، والمتصوفة القائلين بالغوث والقطب والأوتاد، والأبدال وتصرفهم كما يدّعون.
وإما بإعطاء السلطة لأحد غير الله في التحليل والتحريم: كما كان في النصارى، وفي بعض حكام هذه الأمة، والقوانين الوضعية وغيرها.
وإما بدعوى التأثير في الكون من النجوم والهياكل: كالصابئة (2) من قوم إبراهيم، أو الأولياء، أو التمائم والأحجية (3).
(1) ينظر: تيسير العزيز الحميد لسليمان آل الشيخ (1/ 40)، شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للغنيمان (1/ 33)، منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس (3/ 82)، نواقض الإيمان القولية والعملية (ص 97)، الشرك في القديم والحديث (1/ 145).
(2)
الصابئة: _ الصابىء _ لغة _ الذي يترك دينه إلى دين آخر ويطلق على عباد الكواكب والهياكل.
ينظر: الملل والنحل 2/ 5 _ 57، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي (ص 90).
(3)
ينظر: تيسير العزيز الحميد لسليمان آل الشيخ (1/ 40)، الشرك في القديم والحديث (1/ 146 - 147).