الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)} الجن: 26 - 28 " (1).
6 - الخضر عليه السلام
-:
يقول الشيخ رحمه الله في تعمير الخضر: "الصحيح من أقوال العلماء أن الخضر عليه السلام توفي قبل إرسال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)} الأنبياء: 34، وعلى تقدير أنه بقي حياً حتى لقي نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فقد دلت السنة على وفاته بعد وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بمدة محدودة، بينها صلى الله عليه وسلم بقوله فيما ثبت عنه: (أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد) (2)، وعلى هذا يكون شأنه شأن الأموات لا يسمع نداء من ناداه ولا يجيب من دعاه ولا يهدي من ضل عن الطريق إذا استهداه وعلى تقدير أنه حي إلى اليوم فهو غائب، شأنه شأن غيره من الغائبين لا يجوز دعاؤه ولا الاستنجاد به في شدة أو رخاء؛ لعموم قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} الجن: 18، وما جاء في معناه من الآيات؛ ثم هذا هو الأصل الغالب في سنة الله في بني آدم فيجب البقاء معه حتى يثبت ما ينقل عنه من الأدلة، ولم يثبت فيما نعلم ما يدل على استثناء الخضر عليه السلام"(3).
ثم يبين الشيخ رحمه الله القول الصحيح في نبوته، فيقول: "والصحيح أن الخضر نبي لما ذكره الله تعالى في سورة الكهف من قصته مع موسى عليهما السلام فإن فيها أنه خرق سفينة كانت لمساكين يعملون في البحر، وقتل غلاماً لم يرتكب جريمة، وأقام جداراً ليتيمين
(1) النبوات (1/ 218).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب السمر في العلم برقم (116)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب قوله: لا تأتي مائة سنة برقم (2537)،من حديث عبد الله بن عمر به.
(3)
فتاوى اللجنة (3/ 285، 286).
بلا أجر في قرية أبى أهلها إطعامهما، وأنكر موسى كل ذلك عليه فبين له السبب أخيراً، ثم ختمت القصة بأن كل ذلك كان منه بوحي من الله وذلك فيما أخبر الله عنه من قوله:{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)} الكهف: 82 " (1).
الخضر بفتح أوله وكسر ثانيه، أو بكسر أوله وإسكان ثانيه، عبد من عباد الله، ذكرت قصته مع نبي الله موسى عليه السلام في القرآن الكريم مجملة، وفصلت بعض أحواله في السنة النبوية، وقد اختلف الناس حوله اختلافاً كثيراً (2).
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "الخضر اختلف في اسمه، وفي اسم أبيه، وفي نسبه، وفي نبوته، وفي تعميره"(3).
وقد اختلف أهل العلم في نبوته على أقوال أشهرها قولان:
الأول: أنه نبي وهو قول الجمهور، واختلف القائلون به في كونه نبياً رسولاً أو نبياً فقط، وأكثرهم على القول بنبوته دون رسالته (4).
والثاني: أنه ولي لا نبي، وهو قول بعض الصوفية ومن وافقهم (5).
والصحيح قول الجمهور بأنه نبي لا ولي، وقول من قال منهم بنبوته دون رسالته، والأدلة على ذلك كثيرة، وقد ذكرها غير واحد من أهل العلم.
يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "والذي لا يتوقف فيه الجزم بنبوته"(6).
(1) فتاوى اللجنة (3/ 286، 287).
(2)
ينظر: فتوى في الخضر لابن تيمية ضمن جامع الرسائل له (5/ 131)، والزهر النضر في حال الخضر لابن حجر العسقلاني، والخدر في أمر الخضر للقارئ (ص 73)،وما بعدها.
(3)
فتح الباري (6/ 433).
(4)
ينظر: تفسير القرطبي (11/ 16)، مدارج السالكين (2/ 475 - 476)، فتح الباري (6/ 434)، الحذر في أمر الخضر (ص 83)، روح المعاني للألوسي (15/ 320)، وتفسير القرطبي (11/ 16).
(5)
ينظر: نشر المحاسن الغالية لليافعي (48، 70).
(6)
الزهر النضير (ص 162).
ويقول العلامة الألوسي (1) رحمه الله: "
…
والمشهور ما عليه الجمهور -يعني القول بنبوته- وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة، وبمجموعها يكاد يحصل اليقين" (2).
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} الكهف: 65: " الرحمة في هذه الآية النبوة. وقيل: النعمة
…
قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)} الكهف: 65، أي علم الغيب" (3).
وقد اختلف العلماء كذلك فيما يتعلق بحياته وتعميره على قولين:
الأول: القول بوفاته، وهو ما عليه المحققون من أهل العلم (4).
والثاني: القول بتعميره، وهو قول لبعض الصوفية ومن وافقهم (5).
الأدلة من الكتاب والسنة على قول من قال بوفاته:
من الكتاب:
- قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} الأنبياء: 34، فالخضر إن كان بشراً فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه منه إلا بدليل صحيح (6).
(1) هو محمود شكري بن عبد الله بن محمود الخطيب، البغدادي، الحسيني، المشهور بأبي المعالي الألوسي، سلفي حنفي، من مؤلفاته: غاية الأماني في الرد على النبهاني، فتح المنان تتمة منهاج التأسيس رد صلح الإخوان، صب العذاب على من سب الأصحاب وغيرها، توفي سنة (1342 هـ).
ينظر: الأعلام (7/ 172)، معجم المؤلفين (3/ 810).
(2)
روح المعاني (15/ 320).
(3)
تفسير القرطبي (11/ 16).
(4)
ينظر: جامع المسائل (5/ 131)، المنار المنيف لابن القيم (ص 72)، البداية والنهاية لابن كثير (1/ 312)، فتح الباري (6/ 434).
(5)
ينظر: لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري (ص 151)، نشر المحاسن الغالية (ص 395).
(6)
ينظر: المنار المنيف (69 - 70)، البداية والنهاية (1/ 312)، وتفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 341).
- قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} آل عمران: 81، قال ابن عباس رضي الله عنه:"ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهم أحياء، ليؤمن به وينصرنه"(1).
فالخضر إن كان نبياً أو ولياً فقد دخل في هذا الميثاق، فلو كان حياً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه، ولم يثبت أن الخضر اجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على موته (2).
ومن السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة لا يبقى على ظهر الأرض أحد)(3).
وقوله صلى الله عليه وسلم عن الساعة-: (وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله، ما على الأرض نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة)(4).
قال ابن الجوزي: "فهذه الأحاديث الصحاح تقطع دابر دعوى حياة الخضر"(5).
وبمجموع هذه الأدلة فإن الراجح -والله أعلم- القطع بموته.
(1) أخرجه ابن جرير (3/ 330) برقم (7327) من طريق المثنى وأحمد بن حازم، كلاهما عن أبي نعيم، عن سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه بنحوه.
وذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 405) بلفظه عن ابن عباس، وبنحوه عن جمع من الصحابة والتابعين.
(2)
ينظر: البداية والنهاية (1/ 312).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب السمر في العلم برقم (116)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تأتي مائة سنة
…
) برقم (2537)، من حديث عبد الله بن عمر به.
(4)
أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تأتي مائة سنة
…
) برقم (2537)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
(5)
نقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 313)، وأصل كلامه في كتابه عجالة المنتظر في شرح حال الخضر وهو غير مطبوع، وللاستزادة ينظر: المسائل العقدية في فيض القدير (ص 657 - 662).