الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
أهل الكلام
.
تمهيد
ذكر الشيخ رحمه الله كلام ابن القيم:، والذي قال فيه: " وعلمت أن المعطلة من أعظم الناس عمى ومكابرة، ويكفي ظهور شاهد الصنع فيك خاصة، كما قال تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} الذاريات: 21، فالموجودات بأسرها شواهد صفات الرب عز وجل، ونعوته، وأسمائه؛ وهي كلها تشير إلى الأسماء الحسنى وحقائقها، وتنادي بها، تدل عليها، وتخبر بها بلسان الحال، كما قيل:
تأمل سطور الكائنات فإنها
…
من الملك الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملت خطاً
…
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
تشير بإثبات الصفات لربها
…
فصامتها يهدي ومن هو قائل (1)
فلست ترى شيئاً أدل على شيء من دلالة المخلوقات على صفات خالقها، ونعوت كماله، وحقائق أسمائه. وقد تنوعت أدلتها بحسب تنوعها؛ فهي تدل عقلاً، وحساً، وفطرةً، ونظراً، واعتباراً. ا. هـ " (2).
بين الشيخ رحمه الله طريقة المتكلمين، ثم رد عليهم؛ بقوله:" مقابلة العقلي بالشرعي تشعر بأن رؤية الله وتنزيهه عن الشريك ونحوهما إنما ثبت بالدليل العقلي لا بدليل الشرع، وهذه طريقة كثير من المتكلمين؛ فإنهم يرون أن أدلة النصوص خطابية لا برهانية لا تكفي لإثبات القضايا العقلية والمسائل الأصولية، اللهم إلا في طريق الخبر كتاباً وسنة بعد الاستقراء، وبعد ثبوت أصل الشرع بالعقل"(3).
(1) ذكر هذه الأبيات ابن القيم في مدارج السالكين (3/ 356)، وهي من شعر عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني النابلسي، محدث حافظ فقيه أديب مؤرخ مفسر صوفي، ولد بدمشق عام 1050 هـ، وبها توفي عام 1143 هـ، وهذا البيت في ديوانه. ينظر ترجمته في: سلك الدرر للمرادي (3/ 30)، والأعلام للزركلي (4/ 32).
(2)
مذكرة التوحيد (ص 38)، وينظر: مدارج السالكين (3/ 356).
(3)
تعليق الشيخ على الإحكام (1/ 370).
ويرد الشيخ رحمه الله على هذه الطريقة، فيقول:" وهذا غير صحيح؛ فإن نصوص الشرع كما جاءت بالخبر الصادق في القضايا العقلية وغيرها جاءت بتقرير الحق في ذلك بأوضح حجة وأقوى برهان لكنها لم تجيء على أسلوب الصناعة المنطقية المتكلفة بل على أسلوب من نزل القرآن بلغتهم بأفصح عبارة وأعلى بيان وأقرب طريق إلى الفهم وأيسره لأخذ الأحكام، ومن تتبع أدلة القرآن في إثبات التوحيد والرسالة والبعث وغير ذلك من أصول التشريع واستقرأ السنة في ذلك تبين له خطأ أولئك الذين وصموا ربهم وكتابه ونبيه وسنته بما لا يصدر إلا من عدو للمسلمين يريد الكيد لهم في أصول دينهم ومصادر تشريعهم ليردهم بذلك إلى ما يزعمه أصولاً عقلية وغالبها شكوك ومحارات، وإن كان فيها شيء من الأدلة الحقة؛ فقد جاء به الشرع، فاللهم أغننا بكتابك وسنة نبيك عن موارد الوهم ومزالق الضلال"(1)(2).اللهم آمين.
وبين الشيخ رحمه الله في معرض الرد على من رد السنة لمخالفتها للعقل، فقال: " فيجب على الإنسان أن يتهم عقله وتفكيره بدلاً من أن يتهم رسوله، أو الرواة العدول، أو أن يتهم ربه في وحيه، وليثق بربه وبرسوله صلى الله عليه وسلم أكثر من ثقته في تفكيره، فإن العقل قاصر، وجُرب عليه الخطأ كثيراً، ومداه محدود، وما يجهله أكثر مما يعلمه.
فعليه أن يعتقد في تفكيره القصور، وأن يعتقد في وحي الله الكمال والصدق، وأن يعتقد في الرواة الذين استوفوا شروط النقل المضبوطة المعروفة عند المحدثين الثقة بهم أكثر من ثقته بتفكيره" (3).
قال ابن القيم رحمه الله: " الواقع حقيقة أنه ما اتهم أحد دليلا للدين إلا وكان المتهم هو الفاسد الذهن المأفون في عقله وذهنه فالآفة من الذهن العليل لا في نفس الدليل وإذا رأيت من أدلة الدين ما يشكل عليك وينبو فهمك عنه فاعلم أنه لعظمته وشرفه استعصى عليك وأن تحته كنزا من كنوز العلم ولم تؤت مفتاحه بعد هذا في حق نفسك؛ وأما بالنسبة إلى
(1) تعليق الشيخ على الإحكام (1/ 370).
(2)
ينظر: درء التعارض (8/ 48)، الصواعق المرسلة (3/ 1136).
(3)
شبهات حول السنة (ص 19)، ينظر: المرجع السابق (ص 58).
غيرك فاتهم آراء الرجال على نصوص الوحي وليكن ردها أيسر شيء عليك للنصوص فإن لم تفعل ذلك فلست على شيء" (1).
(1) مدارج السالكين (2/ 335).