الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جلَّ ذكره: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} الزمر: 67 (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأراضين بشماله ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة
…
) (3).
إذن فاليمين صفة ذاتية لله تعالى، وهي على ما يليق به سبحانه، شأنها شأن بقية الصفات الإلهية الثابتة بالكتاب والسنة (4).
3 - صفة الإرادة والمشيئة لله
عز وجل:
ذكر الشيخ رحمه الله: "أنه لا يكون من الله فعل إلا بإرادته"(5)، مستدلاً على عموم إرادة الله سبحانه بقوله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} الصف: 5، "وأن الله لا يريد كوناً ولا شرعاً أن يظلم عباده لقوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} النساء: 40،ولقوله في
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (2/ 138)، النهج الأسمى لمحمد النجدي (3/ 133 - 134)، أضواء البيان للشنقيطي (7/ 212، 287).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب
…
برقم (2788)، وأخرجه البخاري معلقاً في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص: 75، برقم (7413) من حديث عمر بن حمزة بن عمر بن الخطاب.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} الأنعام: 19، برقم (7419)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف برقم (993).
(4)
ينظر: رد الدارمي على بشر المريسي (2/ 698)، التوحيد لابن خزيمة (1/ 159)، التوحيد لابن مندة (3/ 16)، إبطال التأويلات لأبي يعلى (1/ 176).
(5)
تفسير الجلالين (ص 80).
الحديث: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي)(1)، وإن كان يريد كوناً لا شرعاً أن يظلم بعض العباد بعضاً لوقوعه منهم، ولو لم يرده لم يقع" (2).
وبين الشيخ كذلك عموم مشيئة الله عز وجل مستدلاً بقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} الشورى: 8، وبقوله {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} الإنسان: 30، وقوله:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} التكوير: 28 - 29، وأن هذه الآية تدل على مشيئة الله الكونية (3).
وبين الشيخ رحمه الله الفرق بين الإرادة الكونية القدرية والإرادة الشرعية الدينية، فقال:" إن الإرادة الكونية القدرية أعم مطلقاً فتشمل الإرادة الدينية والإرادة القدرية؛ أما الإرادة الدينية الشرعية فهي أخص مطلقاً، فكل مطيع قد اجتمعت فيه إرادتان: الشرعية والقدرية، أما الكافر والعاصي فقد انتفت منه الإرادة الشرعية في أعماله المخالفة للشرع"(4).
وذكر الشيخ رحمه الله: " أن العبادة التي تقع من العبد ويثيبه الله عليها من فضل الله على العبد وهي حاصلة بإرادته واختياره، وأن المعصية التي تقع من العبد هي واقعة من نفس العبد وبإرادته واختياره، وعقوبة الله للعبد على هذه المعصية هي واقعة بسبب من العبد؛ لأنه باشرها، وقد عامله الله بعدله في ذلك، وكلتاهما وقعتا من العبد بمشيئة الله وقدره السابق، وله في ذلك الحكمة البالغة، وقد أوضح ذلك سبحانه بقوله: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} النساء: 78 "(5).
(1) أخرجه مسلم في كتاب البر، والصلة، والآداب؛ باب تحريم الظلم برقم (2577) من حديث أبي ذر الغفاري.
(2)
تفسير الجلالين (12).
(3)
ينظر: تفسير الجلالين (32، 240، 261).
(4)
فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 182).
(5)
فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 181).
والإرادة والمشيئة صفتان ثابتتان بالكتاب والسنة.
فمن الكتاب:
- قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} الأنعام: 125.
-وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)} الإنسان: 30.
-وقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} آل عمران: 26.
ومن السنة:
-حديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وكل الله بالرحم ملكاً
…
فإذا أراد الله أن يقضي خلقها؛ قال
…
) (1).
-حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أراد الله بقوم عذاباً؛ أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم)(2).
-حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
…
قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي) (3).
-حديث أبي هريرة رحمه الله: (
…
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) (4).
(1) أخرجه البخاري في كتاب القدر، باب في القدر برقم (6595).
(2)
أخرجه مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب الأمر بحسن الظن بالله عند الموت برقم (2846).
(3)
أخرجه البخاري (4/ 1836)، في كتاب التفسير الرحمن الرحيم اسمان من الرحمة وباب وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب برقم (4569)، وأخرجه مسلم (4/ 2186 - 2187) كتاب الجنة وصفها ونعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (2846).
(4)
أخرجه مسلم (1/ 416)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته برقم (595).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: -بعد أن ذكر بعض الآيات السابقة وغيرها: "
…
وكذلك وصف نفسه بالمشيئة، ووصف عبده بالمشيئة
…
وكذلك وصف نفسه بالإرادة، ووصف عبده بالإرادة
…
ومعلوم أنَّ مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد ولا إرادته مثل إرادته
…
" (1).
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ويجب إثبات صفة الإرادة بقسميها الكوني والشرعي؛ فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة". (2)
وبين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية فروق (3) تُميز كلَّ واحدة منهما عن الأخرى، ومن تلك الفروق ما يلي:
1_
الإرادة الكونية قد يحبها الله ويرضاها، وقد لا يحبها ولا يرضاها.
أما الشرعية فيحبها الله ويرضاها؛ فالكونية مرادفة للمشيئة، والشرعية مرادفة للمحبة.
2_
الإرادة الكونية قد تكون مقصودة لغيرها كخلق إبليس مثلاً، وسائر الشرور؛ لتحصل بسببها محابّ كثيرة، كالتوبة، والمجاهدة، والاستغفار.
أما الشرعية فمقصودة لذاتها؛ فالله أراد الطاعة وأحبها، وشرعها، ورضيها لذاتها.
3_
الإرادة الكونية لابد من وقوعها؛ فالله إذا شاء شيئاً وقع ولابد، كإحياء أحد أو إماتته، أو غير ذلك.
أما الشرعية كالإسلام - مثلاً - فلا يلزم وقوعها، فقد تقع وقد لا تقع، ولو كان لابد من وقوعها لأصبح الناس كلهم مسلمين.
4_
الإرادة الكونية متعلقة بربوبية الله وخلقه، أما الشرعية فمتعلقة بألوهيته وشرعه.
(1) التدمرية (ص 25).
(2)
ينظر: القواعد المثلى (ص 39).
(3)
ينظر: منهاج السنة النبوية (3/ 180 - 183)(5/ 360، 413، 414)(7/ 72، 73)، والاستقامة لابن تيمية (2/ 78)، وشفاء العليل (ص 557)، ومدارج السالكين (1/ 264 - 268)، وتنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة، للشيخ ابن سحمان (ص 61 - 62)، وتعليق الشيخ ابن باز على الواسطية (ص 41)، وشرح الواسطية للهراس (ص 100)، وشرح الواسطية للشيخ صالح الفوزان (ص 42 - 43)، والقضاء والقدر للأشقر (ص 1062)، والتعليقات على لمعة الاعتقاد للشيخ عبد الله بن جبرين (ص 60 - 61).