الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
الإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
-
تمهيد
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
يفسر الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله الشهادة، فيقول:"شهادة (أن لا إله إلا الله) و (أن محمداً رسول الله) هي الركن الأول من أركان الإسلام، ومعنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحق إلا الله، وهي نفي وإثبات. (لا إله) نافياً جميع العبادة لغير الله، (إلا الله) مثبتاً جميع العبادة لله وحده لا شريك له، وأما كلمة (محمد رسول الله) فمعناها: الإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بها والانقياد لها قولاً وفعلاً واعتقاداً، واجتناب كل ما ينافيها من الأقوال والأعمال والمقاصد والتروك، وبعبارة أخرى معناها: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع"(1).
لا إله إلا الله هي كلمة الإخلاص وعنوان التوحيد، ولا يتم إسلام عبد دون تحقيق معناها، والعمل بمدلولها.
وهي تعني إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وحده لا شريك له، والبراءة من كل معبود سواه، فمعنى لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله (2).
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، وأن تعلم وتعتقد بأن محمد بن عبد الله القرشي
(1) فتاوى اللجنة (1/ 86 - 87).
(2)
ينظر: تفسير الطبري (9/ 161)(11/ 317 - 318)، تفسير البغوي (7/ 285)، مجموع الفتاوى (3/ 101)(13/ 202 - 205)، تفسير ابن كثير (1/ 215)، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (1/ 44)، تجريد التوحيد المفيد للمقريزي (47، 48)، تطهير الاعتقاد للصنعاني (5، 6)، مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (2/ 120)، تيسير العزيز الحميد (73، 74)، فتح المجيد (1/ 121)، مفتاح الجنة لا إله إلا الله للمعصومي الحنفي (60، 62)، معارج القبول للحكمي (2/ 416)، أضواء البيان (4/ 508)(6/ 273).
الهاشمي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق من الجن والإنس، وأنه عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، من أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، وأن تعلم وتعتقد بأن تلقي التشريع سواء في العقيدة، أم في شعائر العبادات التي أمر الله بها، أم في نظام الحكم والتشريع، أم في مجال الأخلاق، أو في مجال بناء الأسرة، أو في مجال التحليل والتحريم. . لا يكون إلا عن طريق هذا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأنه رسول الله المبلغ عنه شريعته، فلا يتحقق معنى شهادة أن محمداً رسول الله إلا بتمام الاتباع وكمال الاقتداء، بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (1).
وجوب اتباعه:
قال الشيخ رحمه الله: "الأدلة متضافرة على وجوب اتباعه عليه الصلاة والسلام في كل ما جاء به من التشريع فعلاً كان أو قولاً، أمراً أو نهياً، إيماناً به وتسليماً له وعملاً بمقتضاه؛ إلاّ أن المتبع فيه من التشريع ليس على وزن واحد في حكمه، بل جزيئاته متفاوتة في الرتبة؛ فمنه المطلوب والممنوع والمباح، فكان واجباً اتباعه عليه الصلاة والسلام في كل ذلك على الوجه الذي بينته الأدلة التفصيلية بإيجاب الواجب وندب المندوب والعمل بكل منهما في درجته، والتوسع في المباح بفعله تارة وتركه أخرى، ومنع المحرم والمكروه وتجنب كل منهما حسب درجته. وبالجملة الأمر ظاهر في وجوب الاتباع والإجمال إنما هو في المتبع فيه فيرجع في بيان
(1) ينظر: دعاوى المناوئين لدعوة محمد بن عبد الوهاب للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (1/ 108)، الأصول الثلاثة (1/ 8)، الغنية عن الكلام وأهله للإمام الخطابي (1/ 41)، عقيدة المسلم للشيخ محمد بن جميل زينو (8/ 5)، الإسلام أصوله ومبادئه لمحمد بن عبد الله بن صالح السحيم (1/ 169)، دين الحق لعبد الرحمن بن حماد آل عمر (51 - 52)، أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة لنخبة من العلماء نشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية (1/ 339)، موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعها وقدم لها ورتبها الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود (4/ 204)، كتاب العلم للعثيمين (1/ 52)، شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ (1/ 315)، من أخلاق الرسول الكريم لعبد المحسن بن حمد العباد البدر (ج 1/ 46).
درجته إلى الأدلة التفصيلية لينزل على ضوئها كل فعل أو قول منزلته، وهو شبيه في الجملة بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
…
} النحل: 90 الآية" (1).
وبين الشيخ رحمه الله عودة الضمير في قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا
…
} النور: 63، فيقول: " جملة {
…
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ
…
} النور: 63، جاءت تابعة لقوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا
…
} النور: 63، تقريراً للنهي وتهديداً لمن خالف؛ فكان الواجب رجوع الضمير إلى الرسول؛ فإنه المقصود في الآية بالتحذير من مخالفة أمره على أن نصوص الشريعة قررت التلازم بين طاعة الله وطاعة رسوله ومعصية الله ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم " (2).
ويقول كذلك الشيخ رحمه الله: " بين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع غير سبيل المؤمنين تلازمٌ كالتلازم بين معصية الله ومعصية رسوله، فكل ما كان مشاقة للرسول؛ فهو اتباع لغير سبيل المؤمنين، وكذا العكس، كما أن كل معصية لله معصية لرسوله وكل طاعة لله أو لقضائه طاعة لرسوله ولقضائه، وكذا العكس، قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} النساء: 13 - 14، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} الأحزاب: 36، وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
…
} النساء: 69. وفي الحديث:
(1) الإحكام في أصول الأحكام (1/ 239 - 240)، ينظر: المسألة السادسة من مسائل الأوامر والنواهي في كتاب "الموافقات"للشاطبي.
(2)
الإحكام (1/ 242)، وينظر: الإحكام (1/ 244،249).
(من أطاعني؛ فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله
…
) (1) إلخ. فلم يكتف بأحدهما عن الآخر ولم ينفك عنه" (2).
ما ذكره الشيخ عبد الرزاق رحمه الله وساقه من نصوص شرعية محكمة يبين وجوب الإيمان بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومحبته وتصديقه وطاعته والانقياد له، يعد من أصول الإيمان الذي لا يتم إيمان العبد إلا به، ولا يستقيم له أمر إلا باعتقاده، بل إنه لا يقبل للمرء صرف ولا عدل إلا بتوحيد متابعته ونهج طريقه؛ إذ جميع السبل غير سبيله مسدودة، وكل الأعمال على غير هديه مردودة، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} آل عمران: 31 - 32، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} النساء: 69، قال تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} النساء: 115، قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} النور: 63. وهكذا في كثير من النصوص القرآنية الكريمة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)(3).
وقال: (إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العُريان فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به برقم (2957)، ومسلم في كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء
…
برقم (1835)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
الإحكام في أصول الأحكام (1/ 273).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالسنة، باب الإقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم برقم (7280)(الفتح 13/ 249)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثلُ من عصاني وكذب بما جئت به من الحق) (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بالسيف حتى يعُبد الله لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمُحي، وجعُل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)(2).
قال الإمام أحمد: "نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعاً"(3).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: "والمقصود أن بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة؛ فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعزة والكفاية والنصرة والولاية والتأييد وطيب العيش في الدنيا والآخرة، وقد أقسم صلى الله عليه وسلم بأن (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هو أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)(4)، وأقسم الله سبحانه بقوله:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} النساء: 65.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالسنة، الإقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم برقم (7283)(الفتح13/ 250)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته
…
برقم (19)(4/ 1788 - 1789) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (5093)، وقال عنه الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (7/ 121).
(3)
الإبانة لابن بطة (1/ 260).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان برقم (15)(الفتح 1/ 58)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد
…
برقم (44)(1/ 67)، من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه ولفظ البخاري:(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، وعند البخاري أيضاً وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:(فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده).