الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن تقسيم ما أورده الشيخ عبد الرزاق رحمه الله من الخصائص إلى قسمين:
1 - ما عد من خصائصه صلى الله عليه وسلم وهو ثابت
.
-
اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالسماع في قبره
.
قال الشيخ رحمه الله: "الأصل: أن الأموات عموماً لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم، كما قال تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)} فاطر: 22، ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط، سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيداً عنه كلاهما سواء في ذلك؛ لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي ن:(أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم)(1).
أما حديث: (من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي بعيداً بلغته) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم (2).
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام (3). فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم، بل يحتمل أنه يرد
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (8586)، وقال الألباني في تحذير الساجد (ص 127): إسناده مسلسل بأهل البيت، إلا أن أحدهم وهو علي بن عمر مستور، وقال الشيخ ابن عثيمين في مجموع فتاويه (9/ 448): إسناده متصل وفيه عنعنة لكنها لا تضر.
(2)
ينظر: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم (158). والعقيلى في الضعفاء الكبير (4/ 136)، برقم (1696). وإسناد ضعيف فيه العلاء بن عمرو الحنفي وهو ضعيف الحديث ومحمد بن مروان السدي وهو مجهول، وقال بوضعه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(27/ 241)، والألباني في سلسة الأحاديث الضعيفة برقم (203).
(3)
أخرجه الترمذي كتاب المناسك باب زيارة القبور برقم (2041)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (2266).
عليه إذا بلغته الملائكة ذلك، ولو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء" (1).
وقال: كذلك: "سماع الأصوات من خواص الأحياء، فإذا مات الإنسان ذهب سمعه فلا يدرك أصوات من في الدنيا ولا يسمع حديثهم، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)} فاطر: 22، فأكد تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عدم سماع من يدعوهم إلى الإسلام بتشبيههم بالموتى، والأصل في المشبه به أنه أقوى من المشبه في الاتصاف، بوجه الشبه، وإذًا فالموتى أدخل في عدم السماع وأولى بعدم الاستجابة من المعاندين الذين صموا آذانهم عن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام وعموا عنها، وقالوا: قلوبنا غلف، وفي هذا يقول تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} فاطر: 13 - 14، وأما سماع قتلى الكفار الذين قبروا في القليب يوم بدر نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم وقوله لهم: (هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا) وقوله لأصحابه: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) (2) حينما استنكروا نداءه أهل القليب فذلك من خصوصياته التي خصه الله بها فاستثنيت من الأصل العام بالدليل، وهكذا سماع الميت قرع نعال مشيعي جنازته مستثنى من هذا الأصل، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام (3) مستثنى من هذا الأصل"(4).
(1) فتاوى اللجنة (1/ 472 - 473) تصرف يسير.
(2)
أخرجه البخاري كتاب المغازي باب قتل أبي جهل برقم (3976)، وأخرجه مسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها باب عرض مقعد الميت من الجنة
…
برقم (2873)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أبو داود (2/ 218)، كتاب المناسك باب: زيارة القبور (2041)، وقد حسنه الألباني. ينظر: صحيح سنن أبي داود (1/ 570) ح 2041.
(4)
فتاوى اللجنة (1/ 478 - 479).
ومن المعلوم أن الاعتقاد بأن الموتى يسمعون هو السبب الأقوى لوقوع كثير من المسلمين اليوم في الشرك الأكبر، ألا وهو دعاء الأولياء والصالحين وعبادتهم من دون الله عز وجل
…
فإذا تبين أن الصواب بأن الموتى لا يسمعون لم يبق حينئذ معنى لدعاء الموتى من دون الله تعالى (1).
قال ابن عبد الهادي (2)
في معنى رد الروح للسلام في حديث: (ما من أحد يسلم علي
…
): "
…
فإن قوله: (إلا ردَّ الله عليَّ روحي) بعد قوله: (ما من أحد يسلم علي
…
) يقضي ردّ الروح بعد السلام، ولا يقتضي استمرارها في الجسد، وليعلم أن رد الروح في البدن وعودها إلى الجسد بعد الموت لا يقتضي استمرارها فيه، ولا يستلزم حياة أخرى قبل يوم النشور نظير الحياة المعهودة، بل إعادة الروح إلى الجسد في البرزخ إعادة لا تزيل عن الميت اسم الموت
…
بل هي نوع حياة برزخية، والحياة جنس تحتها أنواع، وكذلك الموت، فإثبات بعض أنواع الموت لا ينافي الحياة، كما في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من النوم قال:(الحمد الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)(3) " (4).
عن ابن عمر م: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر فقال: (هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً) وقال: (إنهم ليسمعون الآن ما أقول)، فذكر ذلك لعائشة فقالت: وهم ابن عمر إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنهم ليعلمون الآن أن الذي قلت هو الحق)، ثم قرأت قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} النمل: 80، حتى قرأت الآية.
(1) ينظر: الآيات البينات للشيخ الألباني (10 - 11).
(2)
هو: محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة، أبو عبد الله، سلفي المعتقد، من أعلام المحدثين، وأحد تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية، من مؤلفاته: الصارم المنكى في الرد على السبكي، المحرر في الأحكام، توفي سنة (744 هـ).
ينظر: الدرر الكامنة لابن حجر (3/ 331)، تذكرة الحفاظ للذهبي (4/ 1508)، شذرات الذهب (6/ 141)، البداية والنهاية (14/ 210).
(3)
أخرجه البخاري (5/ 2326)، كتاب الدعوات، باب: ما يقول إذا نام، ح 5953، ومسلم (4/ 2083)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، ح 2711.
(4)
الصارم المنكي (213 - 214)، باختصار. وينظر: الروح لابن القيم (162 - 163)، وشرح النونية لابن عيسى (1/ 169 - 170).
قال القرطبي رحمه الله: " اعلم رحمك الله أن عائشة رضي الله عنها قد أنكرت هذا المعنى واستدلت بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} النمل: 80، وقوله: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)} فاطر: 22، ولا تعارض بينهما، لأنه جائز أن يكونوا يسمعون في وقت ما أو في حال ما، فإن تخصيص العموم ممكن وصحيح إذا وجد المخصص، وقد وجد هنا بدليل ما ذكرناه (1)، وبقوله عليه الصلاة والسلام: (إنه ليسمع قرع نعالهم) (2)، وبالمعلوم من سؤال الملكين للميت في قبره وجوابه لهما وغير ذلك مما لا ينكر"(3).
وقال الشيخ محمد الشنقيطي رحمه الله: "والحاصل أن تأوّل عائشة ك بعض آيات القرآن لا تردّ به روايات الصحابة العدول الصحيحة الصريحة عنه صلى الله عليه وسلم ويتأكّد ذلك بثلاثة أمور:
الأول: أن رواية العدل لا تردّ بالتأويل.
الثاني: أن عائشة رضي الله عنها لما أنكرت رواية ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنهم ليسمعون الآن ما أقول قالت: إن الذي قاله صلى الله عليه وسلم (إنهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم هو الحق) فأنكرت السماع ونفته عنهم وأثبتت لهم العلم، ومعلوم أن من ثبت له العلم صحّ منه السماع كما نبّه عليه بعضهم.
الثالث: هو ما جاء عنها مما يقتضي رجوعها عن تأويلها إلى الروايات الصحيحة.
قال ابن حجر رحمه الله: ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير (4) بإسناد جيّد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)
(1) من حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل القليب.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب الميت يسمع خفق النعال برقم (1338)، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه برقم (2870).
(3)
التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص 181).
(4)
هو: يونس بن بكير بن واصل الحافظ أبو بكر الشيباني الكوفي الحمال صاحب المغازي؛ قال ابن معين: صدوق، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وقال أبو داود: ليس بحجة، قال الشيخ شمس الدين: مما ينقم عليه التشيع، وقال ابن معين: ثقة إلا أنه مرجئ، وقال العجلي: ضعيف الحديث، وروى له مسلم تبعاً، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.
ينظر: الوافي بالوفيات للصفدي (29/ 177).
وأخرجه أحمد بإسناد حسن فإن كان محفوظاً فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصّة انتهى منه (1).
واحتمال رجوعها لما ذكر قوي لأن ما يقتضي رجوعها ثبت بإسنادين.
قال ابن حجر رحمه الله: إن أحدهما جيّد والآخر حسن ثم قال ابن حجر قال الإسماعيلي (2) كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه لكن لا سبيل إلى ردّ رواية الثقة إلا بنصّ مثله يدلّ على نسخه أو تخصيصه أو استحالته (3) " (4).
وقال العيني رحمه الله: " قال ابن التين (5):
لا معارضة بين حديث ابن عمر والآية، لأن الموتى لا يسمعون لا شك، لكن إذا أراد الله إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع كقوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} الأحزاب: 72، وقوله:{فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} فصلت: 11، وأن النار اشتكت إلى ربها، ويكون معنى قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} النمل: 80، مثل قوله:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} القصص: 56، ثم قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} النمل: 80، وقبله: قال تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)} النمل: 79 - 80، قال أبو الليث السمرقندي (6) رحمه الله: هذا مثل ضربه للكفار، فكما أنك لا تسمع الموتى فكذلك لا تفقه
(1) فتح الباري (7/ 304).
(2)
هو:
(3)
فتح الباري (7/ 304).
(4)
أضواء البيان (6/ 134 - 135).
(5)
هو: أبو محمد عبد الواحد بن التين الصفاقسي المغربي المالكي. الشهير بابن التين، فقيه محدث مفسر. له اعتناء زائد في الفقه والتفسير، اعتمده الحافظة ابن حجر في شرح البخاري، وكذلك ابن رشد وغيرهما، توفي سنة (611 هـ)؛ من تصانيفه:" المخبر الفصيح في شرح البخاري الصحيح ".
ينظر: كشف الظنون (1/ 46)، هدية العارفين لإسماعيل باشا (1/ 635)، شجرة النور الزكية لمحمد بن محمد مخلوف (ص 168).
(6)
هو أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم البخاري السمرقندي، علامة من أئمة الحنفية ورائد من الزهاد، قدم بغداد وحدث بها، وهو مفسر ينقل عنه كثير من المتأخرين، وهو صاحب كتاب تنبيه الغافلين وكتاب بستان العارفين، توفي سنة 373 هـ.
ينظر: تاريخ بغداد (13/ 301)، ومقدمة تحقيق كتاب تنبيه الغافلين (ص 9).
كفار مكة، {وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)} قرأ ابن كثير:{ولا يسمع الصم (80)} بفتح الياء وبضم "الصمُ" على أنه فاعل "لا يسمع" والباقون "ولا تُسمع" بالخطاب ونصب "الصمَ" على المفعولية، قوله: قال تعالى: {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)} النمل: 80، يعني إذا أعرضوا عن الحق مكذبين" (1).
وقال الزمخشري (2) رحمه الله عند قول الله تعالى: {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)} النمل: 80 - : " تأكيد لحال الأصم لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن تولى عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته"(3).
وقال الشوكاني رحمه الله عند قول الله تعالى: {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)} النمل: 80 - : " ظاهر نفي إسماع الموتى العموم، فلا يخص منه إلا ما ورد بدليل كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خاطب القتلى في قليب بدر فقيل له: يا رسول الله إنما تكلم أجساداً لا أرواح لها، وكذلك ما ورد من أن الميت يسمع خفق نعال المشيعين له إذا انصرفوا (4) "(5).
(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (8/ 202)، وينظر: أضواء البيان (6/ 131 - 135).
(2)
هو: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي، العلامة النحوي كبير المعتزلة والداعي إلى الاعتزال، ولد (467 هـ) كان رأساً في البلاغة والعربية وله نظم جيد، توفي سنة 538 هـ. من تصانيفه: الكاشف في التفسير، وأساس البلاغة، وغيرها.
ينظر: وفيات الأعيان (4/ 254 - 260)، السير (20/ 252 - 256)، البداية والنهاية (12/ 219).
(3)
الكشاف (3/ 387).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الميت يسمع خفق النعال، برقم (1338)، ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه برقم (2870).
(5)
فتح القدير (4/ 151).
- اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأنه خاتم (1) النبيين.
قال الشيخ رحمه الله: "في معناه ما رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم من طريق أنس، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت؛ فلا رسول بعدي ولا نبي) (2) الحديث، وفي آخر عند أحمد بلفظ: (لا نبوة بعدي إلا المبشرات) (3) الحديث، وقد صح في ذلك المعنى أحاديث بلغت درجة التواتر"(4).
قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} الأحزاب: 40، كقوله عز وجل {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} الأنعام: 124، فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كل رسول نبي ولا ينعكس وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة ن فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي قال فشق ذلك على الناس فقال ولكن المبشرات قالوا يا رسول الله وما المبشرات قال رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة)(5) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل النبيين كمثل رجل بنى دارا فأتمها إلا لبنة واحدة فجئت أنا فأتممت
(1) يقال: خاتم بفتح التاء وكسرها وقد قرئ بهما، والفتح بمعنى الختام والانتهاء، والمعنى أنه انتهاء النبيين فهو كالخاتم والطابع الذي يكون عند الانتهاء. والكسر بمعنى أنه خاتمهم يعني جاء آخرهم فلم يبق بعده نبي، فيه انتهت النبوة والرسالة صلى الله عليه وسلم.
ينظر: مختار الصحاح (1/ 71)، ولسان العرب (12/ 165).
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (13412)، والترمذي في كتاب الرؤيا باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات برقم (2272)، قال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2272) صحيح الإسناد.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (23283)، قال الألباني في إرواء الغليل (8/ 129): إسناده صحيح.
(4)
الإحكام في أصول الأحكام (3/ 151 - 152).
(5)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (13412)، والترمذي في كتاب الرؤيا باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات برقم (2272)، قال الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2272) صحيح الإسناد.
تلك اللبنة) (1) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون)(2)، وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته)(3)،
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله تعالى بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي)(4)؛ فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل ولو تخرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم فكلها محال وضلال عند أولي الألباب كما أجرى الله سبحانه وتعالى على يد الأسود العنسي (5) باليمن ومسيلمة الكذاب (6)
باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله
(1) وأخرجه البخاري كتاب المناقب باب خاتم النبيين برقم (3534)، ومسلم كتاب الفضائل باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين برقم (2287).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة المقدمة برقم (523).
(3)
أخرجه الإمام أحمد برقم (16712)، قال الحاكم: صحيح الإسناد، (2/ 656)، حديث برقم (4175)، وصححه الألباني في شرح الطحاوية (ص 159) ..
(4)
أخرجاه في الصحيحين فأخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله تعالى: ((من بعدي اسمه أحمد)) برقم (4896)، ومسلم في كتاب الفضائل باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم برقم (2355).
(5)
هو: عيهلة بن كعب بن عوف العنسي المذحجي، ذو الحمار، أسلم يوم أسلمت اليمن، ثم ارتد عن الإسلام، وادعى النبوة، قتل سنة 11 هـ.
ينظر: الأعلام (5/ 111).
(6)
هو: مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي، أبو ثمامة، ادعى النبوة، وتلقب بالرحمن، حتى عرف برحمان اليمامة، قتل سنة 12 هـ.
ينظر: شذرات الذهب (1/ 23)، الأعلام (7/ 226).
تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا على سبيل الاتفاق أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221)} الشعراء: 221 الآيات، وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم في غاية البر والصدق والرشد والاستقامة والعدل فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات والأدلة الواضحات والبراهين الباهرات فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا مادامت الأرض والسموات" (1).
(1) تفسير ابن كثير (3/ 494 - 495)، وينظر: اللفظ المكرم (2/ 5) وما بعدها، الخصائص الكبرى (1/ 8)، سبل الهدى والرشاد (11/ 56 - 57)، شرح الزرقاني (5/ 300).