الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - قول ما شاء الله وشئت وما في معناه:
يقرر الشيخ رحمه الله خطر هذه الأقوال؛ فيقول: "يجري على ألسنة كثير من المسلمين من قولهم: ما شاء الله وشئت، لولا الله وأنت، ونحو ذلك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد من قاله إلى أن يقول: (ما شاء الله وحده- أو- ما شاء الله ثم شئت)؛سداً لذريعة الشرك الأكبر من اعتقاد شريك لله في إرادة حدوث الكونيات ووقوعها، وفي معنى ذلك قولهم: توكلت على الله وعليك، وقولهم: لولا صياح الديك أو البط لسرق المتاع"(1).
عن قتيلة (2) رضي الله عنها: أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنكم تُشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. (فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أنْ يحلفوا، أنْ يقولوا: ورب الكعبة، ويقولوا: ما شاء الله ثم شئت)(3).
"والعبد وإن كان له مشيئةٌ فمشيئته تابعة لمشيئة الله، ولا قدرة له على أن يشاء شيئاً إلا إذا كان الله قد شاءه، كما قال تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)} التكوير: 28 - 29، وقوله:{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)} الإنسان: 29 - 30.
وفي هذه الآيات والحديث: الردُّ على القدرية والمعتزلة نفاة القدر، الذين يُثبتون للعبد مشيئةً تخالف ما أراده الله تعالى من العبد وشاءه.
(1) فتاوى اللجنة (1/ 748).
(2)
بِمُثَنَّاه مصغَّرة- بنت صيفي الأنصارية، صحابية مهاجرة، لها حديث في سنن النسائي، وهو الحديث المذكور، ورواه عنها عبد الله بن يسار الجُعفي.
ينظر: الوافي بالوفيات (7/ 228).
(3)
أخرجه النسائي في كتاب الأيمان والنذور، الحلف بالكعبة برقم (4696)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (3773).
وأما أهل السنَّة والجماعة فتمسكوا بالكتاب والسنَّة في هذا الباب وغيره واعتقدوا أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى في كل شيء مما يوافق ما شرعه الله وما يخالفه: من أفعال العباد وأقوالهم. فالكلُّ بمشيئة الله وإرادته. فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه، وما خالفه كرهه من العبد، كما قال تعالى:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} الزمر: 7.وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، قال: (أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده) (1).
وهذا يقرر ما تقدَّم من أن هذا شرك؛ قال: (أجعلتني لله نداً؟) فيه: بيان أن من سوَّى العبد بالله ولو في الشرك الأصغر فقد جعله نداً لله، شاء أم أبى، خلافاً لما يقوله الجاهلون، مما يختص بالله تعالى من عبادة، وما يجب النهي عنه من الشرك بنوعيه. و (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)(2) " (3).
قال الشيخ الألباني (4)
رحمه الله: "وفي هذه الأحاديث أن قول الرجل لغيره (ما شاء الله وشئت) يعتبر شركا في نظر الشارع، وهو من شرك الألفاظ، لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، وسببه القرن بين المشيئتين
…
" (5)
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (1842) و (1965)، والبخاري في الأدب المفرد، برقم (787)، والبيهقي في السنن في كتاب الجمعة باب ما يكره من الكلام في الخطبة، برقم (5386)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (139)(1/ 216).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب العلم باب من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، برقم (71) و (3116) و (7312)،وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة النهي عن المسألة برقم (1037).
(3)
فتح المجيد (465 - 468).
(4)
هو: محمد بن ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم الألباني، أحد علماء المحدثين المعاصرين، من مؤلفاته: التوسل أنواعه وأحكامه، سلسلة الأحاديث الصحيحة، وغيرها، توفي سنة 1420 هـ.
ينظر: حياة الألباني وآثاره، لمحمد بن الوليد الطرطوشي.
(5)
السلسلة الصحيحة (1/ 216).
المبحث الثالث
نواقض توحيد الأسماء والصفات
توحيد الله في أسمائه وصفاته يتضمن إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال والجلال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقصان، وعلى ذلك يكون من نفى شيئًا مما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم كمن نفى قدرة الله، أو قيوميته أو بصره أو استواءه أو علمه أو كلامه، وغير ذلك مما هو ثابت لله في القرآن وفي السنة- فقد كفر، ويدخل في ذلك من أنقص كمال صفات الله عز وجل، كمن قال -مثلاً-: إن الله عليم، ولكنه علم إجمالي، وأنه سبحانه لا يعلم بالجزئيات والتفصيلات.
وكذلك من شبه صفات الله بصفات المخلوقين، كمن ادعى أن الله يبصر كما يبصر البشر، أو يسمع كسمع البشر، أو يتكلم ككلام البشر، وفي ذلك قدح فيما نفاه الله-عز وجل عن نفسه من صفات النقصان، وكذلك يكفر من أثبت لله عز وجل أية صفة نفاها سبحانه عن نفسه أو نفاها عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، كمن أثبت لله الصاحبة أو الولد أو البنات، أو من أثبت لله النوم أو الموت أو الغفلة، وكل هذه النواقص لا تجوز في حق الله تعالى، وكذلك يكفر كل من ادعى لنفسه صفة من صفات الله، أو أثبت هذه الصفة لأي مخلوق، كقول من قال: عندي من الحكمة كما عند الله. أو قال: أنا أعلم كعلم الله. فيكفر من قال ذلك، وكذلك يكفر من يصدقه في دعواه (1).
(1) ينظر: الواسطية مع شروحها: التنبيهات السنية للرشيد (ص 18) وما بعدها، الروضة الندية للفياض (ص 21) وما بعدها، شرح العقيدة الواسطية للعثيمين (ص 56) وما بعدها،
…
إلخ، وينظر: مجموع الفتاوى (5/ 58)، واجتماع الجيوش الإسلامية (ص 83)، والمسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة لـ
…
(1/ 277 - 278)، العلو للذهبي (ص 116)، شرح السنة للالكائي (ص 936)، التمهيد لابن عبد البر (7/ 145).
وعليه فقد بين الشيخ عبد الرزاق رحمه الله بأنه لا بد من: "الاقتداء بسلف هذه الأمة في خير قرونها، بأن تمر نصوص الأسماء والصفات كما جاءت وتفسر بمعانيها التي تدل عليها حقيقة في لغة العرب التي بها نزل القرآن وكانت لسان النبي صلى الله عليه وسلم، مع تفويض العلم بكيفيتها إلى الله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى: 11،ولا يلزم من ذلك تشبيه الله بعباده؛ ونؤمن بذات لله تعالى على الحقيقة، مع الكف عن الخوض في كنهها.
وذلك لأن الله أعلم بنفسه من خلقه وأرحم بهم منهم بأنفسهم وكلامه أبلغ كلام وأبينه، وله سبحانه الحكمة البالغة فيستحيل أن تتوارد النصوص وتتتابع الآيات والأحاديث على إثبات أسماء الله وصفاته بطريقة ظاهرة واضحة والمراد غير ما دلت عليه حقيقة، ويقصد الله منها أو يقصد رسوله عليه الصلاة والسلام إلى معان مجازية من غير أن ينصب من كلامه دليلاً على ما أراد من المعاني المجازية اعتماداً على ما أودع عباده من العقل وقوة الفكر، فإن ذلك لا يتفق مع كمال علمه تعالى وسعة رحمته وفصاحة كلامه وقوة بيانه وبالغ حكمته، ولأن يتركهم الله دون أن يعرفهم ويعرفهم به رسوله صلى الله عليه وسلم بوحيه، خير لهم وأيسر سبيلا، لعدم وجود المعارض للشبه الباطلة التي زعموها أدلة وبراهين وما هي إلا الخيالات ووساوس الشيطان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فمن جحد شيئاً من هذه النصوص أو تأولها على معان من غير دليل يرشد إلى ما تأولها عليه فقد ألحد في آيات الله وأسمائه وصفاته وحق عليه ما توعد الله به الملحدين في ذلك بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فصلت: 40، وقوله:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} الأعراف: 180.
وقد زادت السنة عن نصوص الكتاب في إثبات الأسماء والصفات توكيداً وبياناً فقضت على قول كل متأول يحرف كلام الله عن مواضعه، كما فعلت اليهود في تحريفها لكتاب ربها وتلاعبها بشريعة نبيها" (1).
(1) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (146 - 147) بتصرف يسير في البداية.
وذكر الشيخ عبد الرزاق رحمه الله بطلان تأويل الصفات فقال: "ومن تأمل كيفية ورود آيات الصفات في القرآن والسنة علم قطعاً بطلان تأويلها بما يخرجها عن حقائقها فإنها وردت على وجه لا يحتمل معه التأويل بوجه"(1).
ومثل على هذا بقوله: " وانظر إلى قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الأنعام: 158، هل يحتمل هذا التقسيم والتنويع تأويل إتيان الله جل جلاله بإتيان ملائكته أو آياته وهل يبقى مع هذا السياق شبهة أصلاً أنه إتيانه بنفسه. وكذلك قوله:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)} النساء: 163 - 164، ففرق بين الإيحاء العام والتكلم الخاص وجعلهما نوعين ثم أكد فعل التكلم بالمصدر الرافع لتوهم ما يقوله المحرفون.
وكذلك قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} الشورى: 51، فنوع تكليمه إلى تكليم بواسطة وتكليم بغير واسطة وكذلك قوله لموسى عليه السلام:{إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} الأعراف: 144، ففرق بين الرسالة والكلام وإنما تكون الرسالة بكلامه وكذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام:(إنكم ترون ربكم عيانا كما ترون القمر ليلة البدر في الصحو ليس دونه سحاب وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب)(2)، والاحتراز ينافي إرادة التأويل. ولا يرتاب في هذا من له عقل ودين" (3).
(1) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق رحمه الله (ص 130).
(2)
أخرجه الإمام أحمد برقم (18708)، والترمذي في كتاب صفة الجنة باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى برقم (2554)، صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2554).
(3)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق رحمه الله (ص 130).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل؛ فلا يجوز نفي صفات الله التي وصف بها نفسه، ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين؛ بل هو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} "(1) والشواهد في هذا الباب كثيرة (2).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " وأما السلف والأئمة فلم يدخلوا مع طائفة من الطوائف فيما ابتدعوه من نفي وإثبات؛ بل اعتصموا بالكتاب والسنة ورأوا ذلك هو الموافق لصريح العقل؛ فجعلوا كل لفظ جاء به الكتاب والسنة من أسمائه وصفاته حقاً يجب الإيمان به وإن لم تعرف حقيقة معناه، وكل لفظ أحدثه الناس فأثبته قوم ونفاه آخرون فليس علينا أن نطلق إثباته ولا نفيه حتى نفهم مراد المتكلم. فإن كان مراده حقاً موافقاً لما جاءت به الرسل والكتاب والسنة من نفي وإثبات قلنا به، وإن كان باطلاً مخالفاً لما جاء به الرسل والكتاب والسنة من نفي وإثبات منعنا القول به، ورأوا أن الطريقة التي جاء بها القرآن هي الطريقة الموافقة لصريح المعقول وصحيح المنقول، وهي طريقة الأنبياء والمرسلين"(3).
(1) مجموع الفتاوى (5/ 195)، وينظر: منهاج السنة (2/ 111).
(2)
ينظر: كتب أئمة السنة وسلف الأمة، ومنها الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية، واجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم وغيرها.
(3)
مجموع الفتاوى (6/ 36 - 37).