الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعدالتهم لا تعني عصمتهم من الذنوب والمعاصي (1). يقول ابن تيمية رحمه الله مبيناً عقيدة السلف في الصحابة رضي الله عنهم: هم (2) لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم (3).
ثالثاً: سب الصحابة
.
قال الشيخ رحمه الله في من سب الصحابة رضي الله عنهم: " وحذر صلى الله عليه وسلم من سب الصحابة، فقال:(لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)(4).فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمهم وخاصة الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم
…
فقد خالف كتاب الله وسنة رسوله وعارضهما بذمه إياهم، وكان محروماً من المغفرة التي وعدها الله من جاء بعدهم واستغفر لهم ودعا الله ألا يجعل في قلبه غلاً على المؤمنين" (5).
سبق بيان عدالة الصحابة رضي الله عنهم وما لهم من فضل وسبق في هذه الأمة، ولهذا فإن سبهم حرام بالكتاب والسنة، والإجماع.
فمن الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)} الأحزاب: 57.
(1) المراد بالعدالة الثابتة لجميع الصحابة هي قبول روايتهم من غير تكلف البحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية، إذ تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها لا يقع منهم رضي الله عنهم.
ينظر: هامش تدريب الراوي شرح التقريب (2/ 215).
(2)
أي: أهل السنة والجماعة، فبعد أن بين معتقدهم في أن الصحابة عدول، بين أن عدالتهم رضي الله عنهم لا تعني عصمتهم، فنفى العصمة عن أفرادهم، أما مجموعهم رضي الله عنهم فلا يجتمع على ضلالة.
ينظر: إعلام الموقعين (4/ 155).
(3)
العقيدة الواسطية شرح الهراس (ص 146)، وينظر: المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي (ص 232).
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري (1/ 1967 - 1968) برقم (2541).
(5)
فتاوى اللجنة (3/ 400).
ومن أذية النبي صلى الله عليه وسلم سب أصحابه وقد أخبر أن إيذاءهم إيذاء له، ومن آذاه فقد آذى الله (1) وأي أذية للصحابة أبلغ من سبهم.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)} الأحزاب: 58.
ووجه دلالة الآية على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم أنه لا يسبهم شخص إلا لما وجد في قلبه من الغيظ عليهم، وقد بين تعالى في هذه الآية إنما يغاظ بهم الكفار، فدلت على تحريم سبهم، والتعرض لهم بما وقع بينهم على وجه العيب لهم (2).
وقد جاءت الإشارة إلى تحريم سبهم في غير ما آية من كتاب الله تعالى.
ومن السنة: فقد جاءت النصوص القطعية الدالة على تحريم سبهم وتجريحهم أو الطعن فيهم والحطّ من قدرهم، ومن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه)(3).
(1) عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات باب فيمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (3862)، وابن حبان في كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة برقم (7256)، وقد ضعفه الألباني في ضعيف تخريج الطحاوية برقم (471)، (673)، وفي السلسلة الضعيفة برقم (2901)، وفي ضعيف الجامع الصغير برقم (1160).
(2)
ينظر: الجامع لأحاكم القرآن (16/ 296 - 297)، شرح السنة للبغوي (1/ 229)، عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم، د. ناصر بن علي الشيخ (2/ 831 - 836).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي هريرة وأبي سعيد الخدري (1/ 1967 - 1968) برقم (2541).
وأما الإجماع: فقد أجمع أهل العلم على تحريم سبهم والطعن في عدالتهم إجماعاً قطعياً (1)؛ يقول الإمام محي الدين أبو زكريا يحي النووي رحمه الله: " باب تحريم سب الصحابة، ثم قال: اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون
…
قال القاضي عياض: وسب أحدهم من المعاصي الكبائر" (2).
يقول العلامة الألوسي رحمه الله: " حرمة سب الصحابة رضي الله عنهم مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان، أو يتنازع فيه اثنان"(3).
قال الذهبي رحمه الله: " فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساويهم، وإضمار الحقد فيهم، وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم، وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم، وبيان فضائلهم ومناقبهم وحبهم
…
، والطعن في الوسائط طعن في الأصل، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول، هذا ظاهر لمن تدبره، وسلم من النفاق، ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته" (4).
والساب للصحابة رضي الله عنهم على أصناف، فمنهم من لا ريب في كفره، ومنهم من لا يحكم بكفره، ومنهم من يتردد فيه وكلام شيخ الإسلام الآتي يبين ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك،
(1) ينظر: الشفا (2/ 1108 - 1114)، وشرح صحيح مسلم (16/ 93)، والصارم المسلول (3/ 1067) وما بعدها، فتاوى السبكي (2/ 570 - 593)، إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر للسيوطي (ص 63 - 72)، والرد على الرافضة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن مجموع مؤلفاته (11/ 15 - 20)، وإرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي صلى الله عليه وسلم للشوكاني (ص 50 - 69)، وصب العذاب على من سب الأصحاب للألوسي (ص 470).
(2)
شرح صحيح مسلم (16/ 92 - 93)، وينظر: السنة لابن أبي عاصم (470)، الشريعة للآجري (5/ 2491)، الحجة في بيان المحجة للأصبهاني (2/ 395).
(3)
الأجوبة العراقية (ص 49).
(4)
الكبائر المنسوب للذهبي ص 282 باختصار.
فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير (1)، ولا يحكم بكفره بمجردّ ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفر من العلماء.
وأما من لعن وقبَّح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب في كفره؛ فإنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق
…
" (2).
عليه فحكم الساب يختلف باختلاف اعتقاده، ومن سبه، ومتعلق سبه.
وليعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم باب للزندقة، وعلامة وأمارة لأهل الأهواء والبدع، يقول الإمام أحمد بن حنبل:" ومن انتقص واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه، أو ذكر مساوئه، كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً"(3).
(1) التعزير: في اللغة يطلق على معان منها: المنع، والنصرة، والتأديب، واصطلاحاً: عقوبة غير مقدرة شرعاً بقصد منها منع الجاني من المعاودة وردعه عن المعصية.
ينظر: لسان العرب (4/ 561 - 562)، وحاشية الروض المربع (7/ 345).
(2)
الصارم المسلول (3/ 1110 - 1111)، ينظر: الرد على الرافضة ضمن مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (11/ 18 - 19).
(3)
رسالة أصول السنة له (ص 33) ضمن عقائد أئمة السلف جمع فواز زمرلي.