الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} البقرة: 102؛ وما لا نفع فيه، وكان ضرره متحتماً لا يجوز تعلمه بحال (1).
وبهذا يتضح حرمة تعلم السحر مطلقاً والله أعلم.
3 - التبرك بالقبور وأصحابها:
أ- عبادة القبور.
يقرر الشيخ رحمه الله: "بأن عبادة القبور شرك بالله فالمكلف الذي يصدر منه ذلك يُبَين له الحكم فإن قبل وإلَاّ فهو مشرك، إذا مات على شركه فهو خالد مخلد في النار ولا يكون معذوراً بعد بيان الحكم له"(2).
عبادة القبور: هي اعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات فيستعان ويستغاث بهم (3).
يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} الأحقاف: 5.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)(4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكبائر سبعٌ أولُهُنَّ الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقِّها، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وفرارُ يومِ الزحفِ، وقَذفُ المحصناتِ، والانتقالُ إلى الأعرابِ بعدَ هجرتِهِ"(5).
(1) ينظر: السحر بين الماضي والحاضر، د. محمد بن إبراهيم الحمد (ص 24).
(2)
ينظر: فتاوى اللجنة) 1/ 388).
(3)
الصابئة معتقدهم وعبادتهم (1/ 58)
(4)
أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} برقم (4497).
(5)
أخرجه البزار من رواية عمرو بن أبي سلمة، حسنه الألباني في صحيح الترغيب رقم (1848).
وعبادة القبور هي أصل شرك العالم، وقبورية قوم نوح هي أم القبوريات؛ ثم انتشرت القبورية في اليهود والنصارى والعرب والعجم من الهند والترك والبربر وغيرهم؛ فقد قال الإمام ابن أبي العز، والعلامة نعمان الآلوسي (1)، واللفظ للأول، في بيان مبدأ عبادة القبور وتطور القبورية في العالم: "فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية
…
؛ ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم؛ بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم: من الهند، والترك والبربر، وغيرهم؛ تارة يعتقدون: أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين، ويتخذونهم شفعاء ويتوسلون بهم إلى الله؛ وهذا أصل شرك العرب؛ قال الله تعالى حكاية عن قوم نوح؛ {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)} نوح: 23؛ وقد ثبت في صحيح البخاري وكتب التفسير، وقصص الأنبياء وغيرها، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره من السلف:
أن هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح؛ فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم طال عليهم الأمد، فعبدوهم، وأن هذه الأصنام بعينها ..... " (2).
ومن الوسائل الوقائيةِ النافعةِ تجاهَ هذا الانحراف: العملُ بقاعدةِ سدّ الذرائع؛ فكلُّ ما كان وسيلةً أو ذريعةً تؤولُ إلى الشركِ فينبغي التحذيرُ منها ومنعها حمايةً لجنابِ التوحيد؛ فالتهاونُ في هذهِ الوسائلِ يفضي إلى الوقوعِ في الشركِ بالله عز وجل والخروجِ عن الملةِ، فمثلاً الصلاةُ عند القبورِ، والبناءُ عليها، أمورٌ حرمها الشارعُ؛ لأنَّها طريقٌ ووسيلةٌ تفضي إلى الشركِ بالله - تعالى -، وقد أشار العلامة الشوكاني رحمه الله إلى أن البناءَ على القبور سببٌ رئيس في عبادةِ القبور فقال: (فلا شكَّ ولا ريبَ أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقادُ في الأموات، هو ما زينَّهُ الشيطانُ للناسِ من رفعِ القبورِ، ووضعِ الستور عليها، وتجصيصها، وتزيينها بأبلغِ زينة، وتحسينها بأكملِ
(1) هو: نعمان خير الدين الألوسي، أبو البركات، البغدادي الحنفي، من مؤلفاته: جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح، صادق الفجرين وغيرها. توفي سنة (1317 هـ).
ينظر: الأعلام (8/ 42)، أعلام العراق لمحمد بهجت الأثري (ص 57).
(2)
ينظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1/ 408)، الطحاوية .... التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام لعبد المجيد بن سالم المشعبي (1/ 7).
تحسين؛ فإنَّ الجاهلَ إذا وقعت عينُه على قبرٍ من القبور قد بُنيت عليه قبةٌ فدخلها، ونظرَ على القبور الستورَ الرائعة، والسُرجَ المتلألئة، وقد سطعتْ حولهُ مجامرُ الطيب، فلا شكَّ ولا ريب أنَّهُ يمتلئُ قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويضيقُ ذهنهُ عن تصورِ ما لهذا الميتِ من المنزلةِ، ويدخُلُه من الروعةِ والمهابةِ ما يزرعُ في قلبهِ من العقائدِ الشيطانيةِ التي هي من أعظمِ مكائد الشيطانِ للمسلمين، وأشدّ وسائلهِ إلى ضلال العباد، ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلبَ من صاحبِ ذلك القبرِ ما لا يقدرُ عليه إلا الله - سبحانه -، فيصيرُ في عدادِ المشركين) (1).
ب- الطواف بالقبور.
ويقرر الشيخ رحمه الله كذلك: "بأن الطواف بالقبور حرام وإن كان حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإن قصد التقرب إلى من فيها من الموتى فهو شرك أكبر يخرج من الإسلام، لأن الطواف عبادة؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} الحج: 29، وصرف العبادة أو شيء منها إلى غير الله شرك؛ والسجود على المقابر والذبح عليها وثنية جاهلية وشرك أكبر، فإن كلاً منهما عبادة، والعبادة لا تكون إلَاّ لله وحده فمن صرفها لغير الله فهو مشرك، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} الأنعام: 162 - 163، والنسك: هو الذبح"(2).
ج- الصلاة عند القبور:
يبين الشيخ رحمه الله: "بأنه لا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا تجوز الصلاة في المساجد التي بنيت على قبر أو قبور، ولا يجوز أن يدعو الإنسان الأموات؛ لجلب منفعة أو دفع مضرة، بل دعاؤهم والاستغاثة بهم شرك أكبر يخرج عن ملة الإسلام، والعياذ بالله"(3).
(1) شرح الصدور بتحريم رفع القبور .... (ص 17). المسالك والحلول لوثنية القبور - الداء والدواء - (1/ 8).
(2)
ينظر: فتاوى اللجنة (1/ 390 - 401).
(3)
فتاوى اللجنة (1/ 426).
من أعظم الوسائل المفضية إلى عبادة القبور والشرك بها واتخاذها أوثاناً تعبد من دون الله، العكوف عندها للصلاة والدعاء والعبادة وسائر القرب، فقد تواترت النصوص في النهي عن ذلك، ووردت بأبلغ عبارات التحذير وأشدها، إذ جاءت مقرونة باللعن والقتل والغضب، ووصف فاعلوها بأنهم شرار الخلق عند الرب عز وجل (1).
1 -
فعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)(2).
2 -
وعن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور)(3).
3 -
وعن عائشة رضي الله عنها: أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوَّرُوا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)(4).
4 -
وعن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم (طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، قالت عائشة:(يحذر ما صنعوا)(5).
5 -
وعن جندب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (
…
ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك) (6)
(1) جلاء البصائر (1/ 34).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه برقم (972).
(3)
أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة برقم (2323)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم (6893).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد برقم (427)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (528).
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب الصلاة في البيعة برقم (436)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (531).
(6)
أخرجه مسلم في كتاب في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور برقم (532).
والصلاة عند القبور لها حالات ثلاث هي:
الحالة الأولى: أن يقصد بصلاته الصلاة لصاحب القبر، وصرف العبادة له، فهذا هو الشرك بعينه، كما قال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} الجن: 18، وقال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} البينة: 5، وقال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} الزمر: 65.
الحالة الثانية: أن يقصد بالصلاة عند القبور التبرك ببقعة معينة فهذا بدعة، وهو محادة الله ورسوله، وهو محرم، سواء كان القبر في قبلته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا إلى القبور
…
) (1) أم لم يكن في قبلته، فكل هذا ابتداع في دين الله، وقد أجمع المسلمون على أن الصلاة عند القبور - أي قبر كان- لا فضل فيها، ولا مزية خير أصلاً، بل مزية شر. (2) وقال صاحب تيسير العزيز الحميد: " إن الصلاة عند القبور وإليها، من اتخاذها مساجد، الملعون من فعله وإن لم يبن مسجداً، فتحرم الصلاة في المقبرة وإلى القبور
…
" (3).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " بل أئمة الدين متفقون على النهي عن ذلك، وأنه ليس لأحد أن يقصد الصلاة عند قبر أحد، لا نبي ولا غير نبي، وكل من قال: إن قصد الصلاة عند قبر أحد، أو عند مسجد بني على قبر أو مشهد أو غير ذلك، أمر مشروع بحيث يستحب ذلك، ويكون أفضل من الصلاة في المسجد الذي لا قبر فيه، فقد مرق من الدين وخالف إجماع المسلمين، والواجب أن يستتاب قائل هذا ومعتقده، فإن تاب وإلاّ قتل"(4).
(1) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد، ينظر: صحيح مسلم مع شرح النووي (7/ 38).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم لشيخ الإسلام (2/ 680 - 681).
(3)
تيسير العزيز الحميد (ص 327).
(4)
مجموع الفتاوى (27/ 488).
الحالة الثالثة: أن يصلي عند القبور اتفاقا من غير أن يقصد التوجه لغير الله بالصلاة، أو يقصد بركة البقعة، وهذه المسألة قد اختلفت أقوال العلماء فيها، فهناك من أجازها كما يروى عن الإمام مالك (1) رحمه الله وهناك من حكم عليها بالكراهة كالإمام الشافعي (2) رحمه الله وهو مذهب الأحناف (3) لمظنة النجاسة وهناك (4) من حرمها (5) لأنها ذريعة للشرك وعبادة أصحاب القبور، وهذا هو أرجح الأقوال، وأصحها، وهو الذي دلت عليه النصوص الشرعية، ويلائم مقاصد الشرع الحكيم.
د_ البناء على القبور.
ويقرر الشيخ رحمه الله: " بأن البناء على القبور بدعة منكرة، فيها غلو في تعظيم من دفن في ذلك وهو ذريعة إلى الشرك، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج حيان بن حصين (6) قال: (قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تدع صورة إلَاّ طمستها ولا قبراً مشرفاً إلَاّ سويته) (7)، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) (8) "(9).
(1) ينظر: المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس (1/ 90).
(2)
ينظر: الأم للشافعي (1/ 92).
(3)
ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني الحنفي (1/ 336).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى (27/ 34)، واقتضاء الصراط المستقيم (2/ 775 - 776).
(5)
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: " عِلَّة النَّهي بالنسبة للصلاة في المقبرة خوفُ أن تكون ذريعة لعبادة القبور، والصَّلاة على سطح الحجرة التي في المقبرة قد تكون ذريعة، ولا سيَّما أنَّ البناء على المقابر أصله حرام فيكون صَلَّى على بناء محرَّم للعِلَّة التي نُهيَ عن الصلاة في المقبرة من أجلها".
ينظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (2/ 249).
(6)
هو: حيان بن حصين الأسدي أبو الهياج ثقة من الطبقة الثالثة.
ينظر: تقريب التهذيب لابن حجر (ص 124).
(7)
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب الأمر بتسوية القبر برقم (969).
(8)
أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه برقم (970).
(9)
ينظر: فتاوى اللجنة (1/ 413 - 416).
لا ريب أن بناء القبب التي على القبور أمر محدث في الإسلام (1)، لم يفعله الصحابة والتابعون بل هو من شر البدع، قال الإمام الشوكاني (2):
اعلم أنه قد اتفق الناس سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت، أن رفع القبور والبناء عليها، بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها، واشتد وعيد رسول الله لنا عليها. مع ما في ذلك من كونه ذريعة إلى الشرك، ووسيلة إلى الخروج عن الملة (3).
وقال الشيخ عبد الله البسام (4) رحمه الله: والبناء على القبور من أعظم وسائل الشرك، والمنع منه، قطع لتلك الوسائل المفضية إلى أعظم ذنب عصي الله به:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} لقمان: 13، وأعظم البناء تلك القبب المشيدة على قبور الملوك والزعماء والعلماء، وكثير منها في المساجد، محادة لله تعالى ولشرعه وتوحيده، فيجب إزالتها ومحو آثارها، ولا يجوز إبقاء شيء منها (5).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فإن بناء المساجد على القبور ليس من دين المسلمين، بل هو منهي عنه بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفاق أئمة الدين، بل لا يجوز اتخاذ القبور
(1) ينظر: المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع محمد بن عبد الرحمن بن قاسم (1/ 24).
(2)
هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني، فقيه محدث، من مؤلفاته: التحف في مذاهب السلف، الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد، شرح الصدور في تحريم رفع القبور، توفي سنة 1250 هـ.
ينظر: البدر الطالع (2/ 204)، أبجد العلوم (3/ 201) وما بعدها، الأعلام (6/ 298)، معجم المؤلفين (3/ 541 - 542)، مقدمة كتاب تفسير الشوكاني (1/ 7 - 35).
(3)
ينظر: شرح الصدور بتحريم رفع القبور (ص 7، 22، 17)، المسائل العقدية في فيض القدير للمناوي عرض ونقد (ص 375).
(4)
هو: أبو عبد الرحمن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد البسام، ولد في مدينة عنيزة في القصيم عام 1346 هـ، توفي الشيخ في ضحى يوم الخميس الموافق 27/ 11/1423 هـ إثر سكتة قلبية رحمه الله. من مؤلفاته: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، وتوضيح الأحكام شرح بلوغ المرام، والاختيارات الجلية في المسائل الخلافية، ورسالة في مضار ومفاسد تقنين الشريعة.
ينظر: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (1/ 9 - 14).
(5)
توضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/ 553). وينظر: فتح المجيد (1/ 399 - 400)، والروضة الندية لصديق حسن خان (1/ 178).
مساجد، سواء كان ذلك ببناء المساجد عليها أو بقصد الصلاة عندها، بل أئمة الدين متفقون على النهي عن ذلك" (1).
وقال ابن القيم رحمه الله: " يجب هدم القباب التي على القبور لأنها أسست على معصية الرسول لأنه قد نهى عن البناء على القبور. فبناء أسس على معصيته ومخالفته بناء غير محترم، وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة"(2).
والسبب في ذلك حرص الشارع على جانب التوحيد، ومنع وسائل الشرك، لأن بناء المساجد عليها يؤدي إلى إقامة الصلاة فيها وهذا فيه مشابهة للمشركين في تعظيم الأصنام بالسجود لها والتقرب إليها، كذلك يؤدي إلى تعظيم أصحاب القبور مما قد يصل لصرف العبادات إلى أصحاب القبور وهذا شرك أكبر.
ومن الجدير بالذكر أن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ليس المقصود منه منع بناء المساجد عليها فقط، بل يدخل في ذلك الصلاة فيها والعكوف عليها من غير بناء. وفي ذلك يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله في شرحه لقوله عليه الصلاة والسلام:" قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد": "في هذا الحديث
…
تحريم السجود على قبور الأنبياء، وفي معنى هذا أنه لا يحل السجود لغير الله عز وجل، ويحتمل الحديث أن لا تجعل قبور الأنبياء قبلة يصلى إليها، وكل ما احتمله الحديث في اللسان العربي فممنوع منه، لأنه إنما دعا على اليهود محذراً لأمته صلى الله عليه وسلم من أن يفعلوا فعلهم" (3).
"أما من قال بأن النهي عن البناء على القبور يختص بالمقبرة المسبَّلة، والنهي عن الصلاة فيها؛ لتنجسها بصديد الموتى، وهذا باطل من وجوه:
منها: أنه من القول على الله بغير علم. وهو حرام بنص الكتاب.
ومنها: أن ما قالوه لا يقتضي لعن فاعله والتغليظ عليه، وما المانع له من أن يقول: من صلى في بقعة نجسة فعليه لعنة الله. ويلزم على ما قاله هؤلاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين العلة، وأحال الأمة في بيانها على من يجيء بعده صلى الله عليه وسلم، وبعد القرون المفضلة والأئمة.
(1) مجموع الفتاوى (27/ 488).
(2)
ينظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن قيم الجوزية (1/ 210).
(3)
التمهيد لابن عبد البر (6/ 383).
وهذا باطل قطعاً وعقلاً وشرعاً؛ لما يلزم عليه من أن الرسول صلى الله عليه وسلم عجز عن البيان، أو قصر في البلاغ، وهذا من أبطل الباطل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بلَّغ البلاغ المبين، وقدرته في البيان فوق قدرة كل أحد، فإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
ويقال أيضاً: هذا اللعن والتغليظ الشديد إنما هو فيمن اتخذ قبور الأنبياء مساجد، وجاء في بعض النصوص ما يَعُم الأنبياء وغيرهم، فلو كانت هذه هي العلة لكانت منتفية في قبور الأنبياء؛ لكون أجسادهم طرية لا يكون لها صديد يمنع من الصلاة عند قبورهم، فإذا كان النهي عن اتخاذ المساجد عند القبور يتناول قبور الأنبياء بالنص، علم أنَّ العلة ما ذكره هؤلاء العلماء الذين سبق ذكر بعض أقوالهم" (1).
هـ. شد الرحال إلى زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: " ولا يجوز أن يسافر إلى المدينة من أجل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبور أخرى؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) (2)، والمشروع زيارة مسجده والصلاة فيه وليست بواجبة، ومن زار مسجده صلى الله عليه وسلم شرع له أن يسلم عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهما، وهذا قول ابن القيم رحمه الله وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وجمع كثير من أهل العلم رحم الله الجميع، عملاً بالحديث المذكور، وبذلك يُعلم أنه لا يجوز في أصح قولي العلماء شد الرحال لا لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا لقبر الخليل ولا لغيرهما من القبور "(3).
وهو القول الصحيح في هذه المسألة، بمنع شد الرحال إلى القبور، والأماكن الفاضلة، لأجل التعبد.
وهذه المسألة من أشهر المسائل التي لاقى شيخ الإسلام ابن تيمية - لأجل الإفتاء بها- العنت والاضطهاد والسجن، وهي المحنة التي مات فيها رحمه الله مسجونا بسجن القلعة
(1) ينظر: فتح المجيد (255 - 256).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1139)، ومسلم في كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم (1397).
(3)
فتاوى اللجنة (1/ 429 - 434).
بدمشق (1)؛ وهذا القول هو الذي فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، فقد ثبت أن أبا بصرة الغفاري لقي أبا هريرة وهو مقبل فقال: من أين أقبلت؟ قال: أقبلت من الطور، صليت فيه، قال: أما إني لو أدركتك لم تذهب، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تشد الرحال
…
) (2). فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء مندرجة في العموم، لا يجوز السفر إليها، كما لا يجوز السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة (3).
وهذه المسألة من المسائل التي اختلف العلماء فيها، خاصة في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه (4):
فالحنفية: يرى بعضهم أن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واجبة، وبعضهم يراها من المندوبات فقد جاء في بعض كتبهم:" وزيارة قبره مندوبة، بل قيل واجبة لمن له سعة"(5).
كما أنهم أجازوا هذه الزيارة للنساء، وجعلوها من المندوبات (6).
أما المالكية: فقد أُثر عن الإمام مالك كراهته أن يقال: زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم (7) ومنع من شد الرحال إلى القبر القاضي عياض (8)، وبين أن كراهة مالك لذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا
(1) ينظر: البداية والنهاية (18/ 267 - 270)، الكواكب الدرية في مناقب المجتهد ابن تيمية لمرعي بن يوسف الكرمي (ص 157)، العقود الدرية في مناقب ابن تيمية لابن عبد الهادي (ص 328)، وفي ضوء رأي شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى المجلد (27).
(2)
أخرجه الطيالسي في مسنده برقم (1445) بإسناد صحيح، أما نص الحديث فهو متفق عليه.
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 665 - 666)، ينظر للاستزادة: المسائل العقدية في فيض القدير للمناوي عرض ونقد (ص 367 - 373).
(4)
ينظر للاستزادة: المسائل العقدية في فيض القدير للمناوي عرض ونقد (ص 367 - 373).
(5)
حاشية ابن عابدين (2/ 626).
(6)
ينظر: حاشية ابن عابدين (2/ 626).
(7)
ينظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض اليحصبي (2/ 84).
(8)
هو: أبو الفضل، عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي المالكي، المشهور بالقاضي، من أئمة المالكية وعلمائهم، الإمام العلامة الحافظ، كان إمام زمانه في الحديث وعلومه والنحو وكلام العرب، وله شعر حسن، له تصانيف نافعة تدل على غزارة علمه منها:"الشفا بتعريف حقوق المصطفى" وكتاب " الإكمال في شرح صحيح مسلم" كمّل به كتاب "الُمعلم" للمازري، توفي 544 هـ.
ينظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (20/ 212)، شذرات الذهب (4/ 138)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 43 - 44)، السير (20/ 212 - 218)، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض لشهاب الدين احمد بن محمد المقري التلمساني.
تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (1).
وهناك من المالكية من أجاز ذلك، وأجابوا عما روي عن مالك من كراهيته لهذا القول، بأن ذلك منه قطعاً للذريعة، وقال بعضهم أنه كره الاسم فقط، وقيل: إنما كره ذلك لأن الناس يستعملون لفظ الزيارة بينهم، فكره تسوية النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس بهذا اللفظ (2).
وأما الشافعية: فقد قال النووي رحمه الله: " اختلف العلماء في شد الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة، كالذهاب إلى قبور الصالحين، وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك، فقال الشيخ أبو محمد الجويني (3) من أصحابنا: هو حرام، وهو الذي اختاره إمام الحرمين، والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره"(4).
أما الحنابلة: فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن لهم قولين في هذه المسألة فقال: " وقد اختلف أصحابنا وغيرهم، هل يجوز السفر لزيارتها؟ على قولين: أحدهما: لا يجوز، والمسافرة لزيارتها معصية لا يجوز قصر الصلاة فيها، وهذا قول ابن بطة (5)، وابن عقيل، وغيرهما؛ لأن السفر بدعة لم يكن في عصر السلف.
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (1/ 172)،برقم (414).
(2)
ينظر: الشفا (2/ 84)، نيل الأوطار (5/ 115).
(3)
هو: أبو محمد، عبد الله بن يوسف الطائي الجويني، شيخ الشافعية، كان إماماً في التفسير والفقه، والأصول، مهيباً مجتهداً في العبادة، من تصانيفه: كتاب "التفسير الكبير" وكتاب "التبصرة" في الفقه، وغيرهما، توفي سنة 438 هـ. ينظر: ترجمته في: تبيين كذب المفتري (257 - 258)، طبقات السبكي (5/ 73 - 93)، السير (17/ 617 - 618).
(4)
شرح صحيح مسلم (9/ 106)، وينظر: المجموع للنووي (8/ 272) وما بعدها.
(5)
هو: أبو عبد الله، عبيدالله بن محمد بن محمد العكبري الحنبلي، شيخ العراق، وصاحب كتاب "الإبانة" كان عالماً جليلاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، توفي سنة 387 هـ.
ينظر: ترجمته في: طبقات الحنابلة (2/ 144 - 153)، شذرات الذهب (3/ 122 - 124)، السير (16/ 529 - 533).
الثاني: أنه يجوز السفر إليها، قاله طائفة من المتأخرين، منهم: أبو حامد الغزالي، وأبو الحسن ابن عبدوس الحراني (1)،
والشيخ أبو محمد (2) المقدسي" (3).
والمتأمل في أحكام الشريعة الإسلامية، يرى حرص الشارع على أمته، وخوفه عليها من الوقوع في المهلكات التي أهلكت الأمم قبلها، وخاصة الشرك؛ ولذا سدّ الرسول صلى الله عليه وسلم كل طريق، وأغلق كل باب قد يوصل إليه، ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن شدِّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، لما قد يؤدي إليه ذلك من البدع والشركيات، ونهيه صلى الله عليه وسلم يقتضي التحريم؛ ولذلك فإن من جوَّز السفر لزيارة القبور ونحوها وخاصة قبره صلى الله عليه وسلم، كابن الصلاح (4) وغيره، فإن هؤلاء لا يسلَّم لهم في هذا الباب وتجويزهم لذلك مخالف للنصوص الصحيحة الصريحة الصادرة منه صلى الله عليه وسلم، فإن قالوا: إنَّما أوجبنا ذلك تعظيماً له، فإننا نقول لهم: إن تعظيمه صلى الله عليه وسلم يتمثل في موافقته واتباع شرعه، ومحبة ما يحب، وكراهية ما يكره، وفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، وقد نهانا عن شدِّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، وقبره داخل في عموم هذا النهي.
كما أن من أوجب زيارة قبره، أو أباحها، وأجاز شدّ الرحال إليه، فإن هذا قد يتضمن جعل القبر منسكاً يقصده الناس، كما يقصدون مكة والمشاعر ونحوها، وهذا هو
(1) هو: أبو الحسن، علي بن عمر بن عبدوس الحراني الحنبلي، مفسر واعظ فقيه، كان من أهل الخير والصلاح، توفي سنة 558 هـ.
ينظر ترجمته في: ذيل طبقات الحنابلة (1/ 241 - 244)، شذرات الذهب (4/ 183/184)، معجم المؤلفين (7/ 157).
(2)
هذه كنية الحافظ عبد الغني المقدسي.
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 670 - 672) باختصار، وللمزيد حول الأقوال السابقة انظر: فتح الباري (3/ 79 - 80)، نيل الأوطار (5/ 112 - 116).
(4)
هو: عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشافعي -تقي الدين أبو عمرو الإمام الحافظ العلامة، كان من كبار الأئمة، وقد أفتى وجمع وألف توفي سنة 643 هـ، من مؤلفاته: أدب المفتي والمستفتي، علوم الحديث الذي يسمى مقدمة ابن الصلاح وغيرها.
ينظر: تذكرة الحفاظ (4/ 1430 - 1431)، السير (23/ 140 - 144)، طبقات الشافعية (8/ 326 - 336)، البداية والنهاية (13/ 168 - 169)، النجوم الزاهرة (6/ 354).
عين ما يفعله عبّاد القبور، الذين يذهبون إلى قبور الأنبياء والأولياء، ويفعلون عندها من الشركيات ما لا يعلمه إلا الله، من الطواف حولها، واستلامها، وتقبيلها، وتعفير الخدود على ترابها، وغير ذلك، وهذا كله مما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم أشد التحذير، ونهى عنه؛ ولذلك فإن إجازة السفر لزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم قد يترتب عليها هذه المحاذير، ومن هنا فإنه يقال بعدم جواز ذلك سداً لذريعة الشرك، وحماية لجانب التوحيد، وتمشياً مع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم (1).
هـ - الذبح عند القبور.
قال الشيخ عبد الرزاق رحمه الله: "الذبح لله عند القبور تبركاً بأهلها وتحري الدعاء عندها وإطالة المكث عندها رجاء بركة أهلها والتوسل بجاههم أو حقهم ونحو ذلك بدع محدثة، بل من وسائل الشرك الأكبر، فيحرم فعلها ويجب نصح من يعمله. أما الذبيحة عند القبور تحرياً لبركات أهلها فهو منكر وبدعة لا يجوز أكلها؛ حسماً لمادة الشرك ووسائله، وسداً للذريعة، وإن قصد بالذبيحة التقرب إلى صاحب القبر صار شركاً بالله أكبر ولو ذكر اسم الله عليها؛ لأن عمل القلوب أبلغ من عمل اللسان وهو الأساس في العبادات"(2).
لا شك في أن الذبح لله تعالى عبادة يقصد بها تعظيمه سبحانه والتذلل له والتقرب إليه، فصرفها لغير الله شرك أكبر ودليله، قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ} الأنعام: 162 - 163، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لعن الله من ذَبَحَ لغير الله)(3).
(1) منهج الإمام ابن الصلاح لعبد الله بن أحمد الغامدي (ص 160 - 161).
(2)
فتاوى اللجنة (1/ 435).
(3)
أخرجه مسلم كتاب الأضاحي باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله برقم (1978) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومعنى قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} المائدة: 3: " ما ذبح لغير الله تعالى، وقصد به صنم أو بشر من الناس كما كانت العرب تفعل، وكذلك النصارى، وعادة الذابح أن يسمي مقصوده ويصيح به، فذلك إهلاله"(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} المائدة: 3، ظاهره أنه ما ذبح لغير الله تعالى، مثل أن يقال: هذا ذبيحة لكذا، إذا كان هذا هو المقصود، فسواء لفظ به أو لم يلفظ"(2).
القلوب أبلغ من عمل اللسان وهو الأساس في العبادات، والذبح لله عند القبور تبركاً بأهلها من وسائل الشرك المحرمة؛ لأنها تؤدي إلى الشرك الأكبر:"وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟ أي: الرجل الصالح؛ فإن عبادته هي الشرك الأكبر، وعبادة الله عنده وسيلة إلى عبادته، ووسائل الشرك محرمة؛ لأنها تؤدي إلى الشرك الأكبر، وهو أعظم الذنوب"(3).
وهذا الصنعاني رحمه الله يوضح هذا الأمر فيقول -مناقشاً شبهات من يذبح لغير الله-: " فإن قال: إنما نحرت لله، وذكرت اسم الله عليه، فقل: إن كان النحر لله فلأي شيء قربت ما تنحره من باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه؟ هل أردت بذلك تعظيمه؟ إن قال: نعم، فقل له: هذا النحر لغير الله تعالى، بل أشركت مع الله تعالى غيره، وإن لم ترد تعظيمه فهل أردت توسيخ باب المشهد وتنجيس الداخلين إليه؟ أنت تعلم يقيناً أنك ما أردت ذلك أصلاً، ولا أردت إلا الأول، ولا خرجت من بيتك إلا قصداً له"(4).
(1) تفسير ابن عطية (5/ 21).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 563).
(3)
فتح المجيد (ص 243).
(4)
تطهير الاعتقاد (ص 33)، ينظر: سبل السلام للصنعاني (4/ 225)، الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ص 20، 21).