الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبق بذلك قبل بدء الخليقة، فقد جف القلم بما يلقاه كل عبد، فمن رضي، فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
ويشهد أن القدر ما أصابه إلا لحكمة اقتضاها اسم الحكيم جل جلاله وصفته الحكمة، وأن القدر قد أصاب مواقعه، وحل في المحل الذي ينبغي له أن ينزل به، وأن ذلك أوجبه عدل الله وحكمته وعزته وعلمه وملكه العادل، فهو موجب أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فله عليه أكمل حمد وأتمه، كما له الحمد على جميع أفعاله وأوامره " (1)
وبهذا يعلم أنه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد على مقتضى الحكمة في فعله وشرعه، ويرعى في ذلك مصلحة عباده فضلاً منه ورحمة.
6 - صفة العلم
لله عز وجل:
يقرر الشيخ رحمه الله بأن علم الله تعالى كامل وثابت له سبحانه بدليل النقل والعقل وبالنظر في كونه وشرعه (2).
ويبين الشيخ رحمه الله في تعليقه على تفسير الجلالين عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ
…
} الآية المجادلة: 7، قال:"أي بعلمه وهو فوق عرشه بذاته لا يخفى عليه شيء من شؤون خلقه، وليس هذا من التأويل الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره (3)، وذلك أن كلمة (مع) موضوعة لمطلق المقارنة، فيدخل في معناها المقارنة بالعلم وبالنصر والتأييد وبالهداية والتوفيق، فتفسيرها بالعلم ونحوه تفسير لمعنى وضع له اللفظ، وصدر الآية وتذييلها يعين هذا المعنى دون المقارنة بالذات"(4).
(1) ينظر: طريق الهجرتين (1/ 66 - 69).
(2)
ينظر: تعليق الشيخ على الإحكام (1/ 26،125)، (2/ 44)، وتفسير الجلالين (153).
(3)
قال ابن تيمية رحمه الله عند ذكره لهذه الآية: " وقد ثبت عن السلف أنهم قالوا: هو معهم بعلمه، وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم فيه أحد يعتد بقوله، وهو مأثور عن ابن عباس، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وسفيان الثوري، وأحمد ابن حنبل وغيرهم
…
".
ينظر: شرح حديث النزول (2/ 103، 217 - 219، 230).
(4)
تفسير الجلالين (ص 154 - 155).
وقال الشيخ رحمه الله: "إن علم الله تعالى محيط بأسمائه الحسنى وصفاته العلى كما أنه محيط بعباده وسائر خلقه"(1).
ويقرر الشيخ رحمه الله بعض صفات علم الله عز وجل، فيقول: "إن الأصل في الأمور الغيبية اختصاص الله بعلمها، قال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} الأنعام: 59، وقوله:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)} النمل: 65، ولكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسوله على شيء من الغيب، قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} الجن: 26 - 27، وقال تعالى:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)} الأحقاف: 9.
إذن فمن الغيب ما استأثر الله بعلمه فلم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً كتحديد الوقت الذي يقوم فيه الخلق لله رب العالمين للحساب، فإنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، قال تعالى:{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)} الأحزاب: 63؛ ومن الغيب ما أعلم الله بعض عباده كالأمور المستقبلية التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت معجزة له وآية من آيات الله خص الله بها رسوله، وهي داخلة في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} آل عمران: 179. ويتبين من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب علماً كلياً، وإنما كان يعلمه علماً جزئياً في حدود ما أطلعه الله عليه" (2).
وقد دل القرآن والسنة والعقل على أن صفة العلم من الصفات الذاتية الثابتة لله عز وجل.
(1) تفسير الجلالين (ص 23).
(2)
فتاوى اللجنة (2/ 168 - 171، 174، 176، 181، 182).
فمن القرآن:
الآيات السابق ذكرها في كلام الشيخ رحمه الله.
ومن السنة:
- حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلم السورة من القرآن يقول: (
…
فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب
…
) (1).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد
…
قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)(2).
أما دلالة العقل- فمن وجوه-:
أولاً: أنه يستحيل إيجاده الأشياء بغير علم سابق قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} الملك: 14.
ثانياً: أن المخلوقات فيها من الأحكام والإتقان وعجيب الصنعة ودقيق الخلقة ما يشهد بعلم الفاعل لها لامتناع صدور ذلك عن غير علم.
ثالثاً: أن في المخلوقات من هو عالم والعلم صفة كمال، فلو لم يكن الله عالماً لكان في المخلوقات من هو أكمل منه، وكل علم في المخلوق إنما استفاده من خالقه وواهب الكمال أحق به، وفاقد الشيء لا يعطيه (3).
قال ابن القيم: في ذكره لمراتب القدر: "فأما المرتبة الأولى: وهي العلم السابق فقد اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم، واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة وخالفهم مجوس الأمة"(4).
(1) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة برقم (6382).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين برقم (1384)، ومسلم في كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين برقم (2659).
(3)
ينظر: شرح العقيدة الأصفهانية لابن تيمية (ص 24 - 25)، ولوامع الأنوار (1/ 148 - 149).
(4)
شفاء العليل (ص 29).