الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
أصول الخوارج:
قال الشيخ رحمه الله في بيان بعض أصولهم: "ومن أصولهم التي اشتركت فيها فرقهم: البراءة من علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعائشة، وابن عباس رضي الله عنهم وتكفيرهم. والقول بأن الخلافة ليست في بني هاشم فقط -كما تقول الشيعة- ولا في قريش فقط- كما تقول أهل السنة-؛ بل في الأمة عربها وعجمها، فمن كان أهلاً لها، علماً، واستقامة في نفسه، وعدالة في الأمة؛ جاز أن يختار إماماً للمسلمين، والخروج على أئمة الجور، وكل من ارتكب منهم كبيرة؛ ولذلك سموا (الخوارج).
والإيمان عندهم: عقيدة، وقول، وعمل.
وقد وافقوا في هذا أهل السنة والجماعة، وخالفوا غيرهم من الطوائف. ومن أصولهم أيضاً: التكفير بالكبائر، فمن ارتكب كبيرة فهو كافر.
وتخليد من ارتكب كبيرة في النار إلا النجدات في الأخيرين؛ ولذا سموا (وعيدية).
ومن أصولهم أيضاً: القول بخلق القرآن.
وإنكار أن يكون الله قادراً على أن يظلم.
وتوقف التشريع والتكليف على إرسال الرسل.
وتقديم السمع والطاعة على العقل، على تقدير التعارض؛ فمن وافقهم في هذه الأصول فهو منهم، وإن خالفهم في غيرها. ومن وافقهم في بعضها، ففيه منهم بقدر ذلك" (1).
نستطيع القول بأن منهجهم وأصولهم وسماتهم العامة كالتالي (2):
1 -
التكفير بالمعاصي (الكبائر)، وإلحاق أهلها (المسلمين) بالكفار في الأحكام والدار والمعاملة والقتال.
(1) مذكرة التوحيد للشيخ عبد الرزاق (ص 121 - 122)، وينظر في أصول الخوارج: غاية المراد في نظم الاعتقاد لنور الدين السالمي العماني (ص 12)، ورسالة في فرق الشيعة والخوارج وتكفيرهم غلاتهم للدبسي (ص 13)، مختصر تاريخ الإباضية للباروني (ص 65).
(2)
ينظر: الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام (ص 31 - 33) استفدت منه طريقة السبر والتقسيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والفرق .. في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات، ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان. وكذلك يقول جمهور الرافضة، وجمهور المعتزلة، والجهمية، وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم (1).
فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة وجعل السيئة كفراً" (2).
وقال: " وأما التكفير بذنب أو اعتقاد سُنِّيٍّ فهو مذهب الخوارج، والتكفير باعتقاد سُنِّيٍّ مذهب الرافضة والمعتزلة وكثير من غيرهم"(3).
من أصول الخوارج اعتبار مرتكب الكبيرة كافراً فقد بنى الخوارج رأيهم فيه على قولهم: إن العمل بأوامر الدين والانتهاء عما نهى عنه جزء من الإيمان، فمن عطل الأوامر، وارتكب النواهي لا يكون مؤمناَ، بل كافراً إذ الإيمان لا يتجزأ ولا يتبعض. ولم يقف الخوارج عند هذا الحد، بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنباً، واتخذوا هذا مبدأ للتبرؤ والولاية، فمن ارتكب خطأ تبرؤوا منه وعدوه كافراً، ومن اتبع رأيهم، وسلم من الذنوب في ظنهم تولوه، وبناء على ذلك تولوا أبا بكر، وعمر، وعثمان في سنيه الأولى، وعلياً قبل التحكيم، وتبرؤوا من عثمان في سنيه الأخيرة لأنه -في زعمهم- غير وبدل، ولم يسر سيرة أبي بكر وعمر، وحكموا بكفره، وتبرؤوا من علي حينما قبل التحكيم وحكموا أيضاً بكفره، كما تبرؤوا وكفروا كلاً من طلحة، والزبير، وأم المؤمنين عائشة، وأبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص، ومعاوية، وحكام بني أمية (4).
قال الأشعري: " أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب أن حكَّم، وهم مختلفون هل كفره: شرك أم لا؟ وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر، إلا النجدات، فإنها لا تقول
(1) ولذلك كان بعض السلف يُسمي كل أهل الأهواء: (خوارج) ينظر: الخوارج أول الفرق في التاريخ (ص 35).
(2)
مجموع الفتاوى (19/ 73).
(3)
مجموع الفتاوى (19/ 75).
(4)
ينظر: الفرق بين الفرق (ص 72 - 74)، ومجموع الفتاوى (4/ 467 - 468).
ذلك، وأجمعوا على أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات أصحاب نجدة" (1).
2 -
الخروج على أئمة المسلمين اعتقاداً وعملاً -غالباً-، أو أحدهما أحياناً.
قال الشيخ رحمه الله: " أما الخوارج فقد أبغضوا عثمان وعلياً وعمرو بن العاص ومعاوية وكثيراً من الصحابة ن وتبرؤوا منهم، ولهذا سموا النواصب لمناصبتهم عليا ومن والاه العداوة والبغضاء، وبراءتهم من كثير من الصحابة"(2).
3 -
الخروج على جماعة المسلمين ومعاملتهم معاملة الكفار في الدار والأحكام، والبراء منهم وامتحانهم، واستحلال دمائهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: - في معرض ذكره لصفات الخوارج-: " فهؤلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل، وأنهم ضالون، وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم، ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً، ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها"(3).
4 -
صرف نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى منازعة الأئمة والخروج عليهم، وقتال المخالفين.
5 -
كثرة القراء الجهلة فيهم والأعراب، وأغلبهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم:(حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام)(4).
6 -
ظهور سيما الصالحين عليهم، وكثرة العبادة كالصلاة والصيام، وأثر السجود، وتشمير الثياب، ومسهمة وجوههم من السهر، ويكثر فيهم الورع (على غير
(1) مقالات الإسلاميين (1/ 170)، وينظر: الخوارج لغالب عواجي (ص 336 - 345).
(2)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (ص 19)، ينظر: رسالة في فرق الشيعة والخوارج وتكفيرهم غلاتهم للدبسي (ص 13).
(3)
مجموع الفتاوى (28/ 297).
(4)
صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، برقم (6930).
فقه)، والصدق والزهد، مع التشدد والتنطع في الدين كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم
…
) (1).
7 -
ضعف الفقه في الدين، وقلة الحصيلة من العلم الشرعي، كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم:(يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم)(2).
8 -
ليس فيهم من الصحابة ولا الأئمة والعلماء وأهل الفقه في الدين أحد، كما قال ابن عباس:" وليس فيكم منهم أحد"(3) -يعني الصحابة-.
9 -
الغرور والتعالم والتعالي على العلماء، حتى زعموا أنهم أعلم من علي وابن عباس وسائر الصحابة، والتفّوا على الأحداث الصغار والجهلة قليلي العلم من رؤوسهم.
10 -
الخلل في منهج الاستدلال؛ حيث أخذوا بآيات الوعيد وتركوا آيات الوعد، واستدلوا بالآيات الواردة في الكفار، وجعلوها في المخالفين لهم من المسلمين؛ كما قال فيهم ابن عمر رضي الله عنهما:" انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين"(4).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا بها جملة المسلمين وأئمتهم، إحداهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة، هذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له ذو الخويصرة التميمي: اعدل، فإنك لم تعدل، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل، لقد خبت
(1) صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، برقم (6931)، ومسلم في كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم (1064).
(2)
صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب إثم من راءى بقراءة القرآن .. ،برقم (5058)، ومسلم في كتاب الزكاة باب التحريض على قتل الخوارج، برقم (1066).
(3)
ينظر: سنن النسائي الكبرى (5/ 166)، المستدرك على الصحيحين (2/ 164)، سنن البيهقي الكبرى (8/ 179)، الاعتصام للشاطبي (2/ 188).
(4)
شرح السنة للحسين بن مسعود البغوي (10/ 233).
وخسرت إن لم أعدل) (1)، فقوله: فإنك لم تعدل، جعل منه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم سفهاً وترك عدل، وقوله:"اعدل"أمر له بما اعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح، وهذا وصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة، فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة، وينفي ما أثبتته السنة، يحسن ما قبحته السنة، ويقبح ما حسنته السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل، لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة.
وثانيها: أن الخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن.
وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا؛ فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه " (2).
11 -
الجهل بالسنة واقتصارهم على الاستدلال بالقرآن غالباً.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " والخوارج جوزوا على الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدَّقوه فيما بلغه من القرآن؛ دون ما شرعه من السنة التي تخالف - بزعمهم- ظاهر القرآن؛ وغالب أهل البدع والخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا، فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه، كما يحكى عن عمرو بن عبيد (3) في حديث الصادق المصدوق (4)، وإنما يدفعون عن نفسهم الحجة؛ إما برد النقل، وإما بتأويل المنقول. فيطعنون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا
(1) أحرجه البخاري في صحيحة، كتاب استتابة المرتدين، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، برقم (6933).
(2)
مجموع الفتاوى (19/ 72 - 73).
(3)
هو: عمرو بن عبيد أبو عثمان البصري، القدري رأس المعتزلة، عُرف بالزهد والعبادة، رويت له أقوال شنيعة في موقفه من النصوص، وكذبه العلماء، توفي سنة (144 هـ).
ينظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (12/ 162)، سير أعلام النبلاء (6/ 104).
(4)
حديث الصادق المصدوق: عن ابن مسعود رضي الله عنه في القدر، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً
…
) الحديث في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة، برقم (3207)، ومسلم كتاب القدر باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه .. برقم (2643).
متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، بل ولا بحقيقة القرآن" (1).
وبين شيخ الإسلام: ما يترتب على تعطيل السنة، فقال: " والخوارج لا يتمسكون من السنة إلا بما فسّر مجملها دون ما خالف ظاهر القرآن عندهم، فلا يرجمون الزاني، ولا يرون للسرقة نصاباً، وحينئذٍ فقد يقولون: ليس في القرآن قتل المرتد، فقد يكون المرتد عندهم نوعين
…
" (2).
والذي أدى بالخوارج إلى مثل هذه الآراء هو سوء فهمهم للقرآن، فهم لم يقصدوا معارضته، ولكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يُوجب تكفير أرباب الذنوب، وإذا كان المؤمن هو البر التقي، فمن لم يكن براً تقياً، فهو كافر مخلد في النار. ثم قالوا: إن عثمان وعلياً، ومن والاهما ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله. فكانت بدعة الخوارج لها مقدمتان -كما يقول ابن تيمية - الأولى أن من خالف القرآن بعمل أو رأي أخطأ فيه فهو كافر. والثانية أن عثمان وعلياً، ومن والاهما كانوا كذلك، وكلا المقدمتين خطأ (3).
12 -
سرعة التقلب واختلاف الرأي وتغييره (عواطف بلا علم ولا فقه)، لذلك يكثر تنازعهم وافتراقهم فيما بينهم، وإذا اختلفوا تفاصلوا وتقاتلوا.
13 -
التعجل في إطلاق الأحكام والمواقف من المخالفين (سرعة إطلاق الحكم على المخالف بلا تثبت).
14 -
الحكم على القلوب واتهامها، ومنه الحكم باللوازم والظنون.
15 -
القوة والخشونة والجلد والجفاء والغلظة في الأحكام والتعامل، وفي القتال والجدل.
(1) مجموع الفتاوى (19/ 73).
(2)
مجموع الفتاوى (13/ 48 - 49).
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى (13/ 30 - 31)، ودراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (ص 67).