الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " العرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم"(1).
3 - صفة الرحمة
لله عز وجل:
يقرر الشيخ رحمه الله عند قول الله تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} الشورى: 48، صفة الرحمة لله عز وجل فيقول:" إذاقة الناس الرحمة بمعنى النعمة يستلزم عقلاً إثبات الرحمة صفة لله قائمة بذاته، إذ النعمة أثر من آثارها"(2).
ويرد الشيخ رحمه الله على من فسر الرحمة بالجنة فيقول: "قد يظن من فسر الرحمة بالجنة فراراً من إثبات صفة الرحمة لله حقيقة أنَّ ذلك ينفعه، وليس كذلك، فإن الجنة أثر من آثار الرحمة التي هي صفة لله قائمة بذاته والتي هي مصدر الخير، وأصل التراحم بين العالم وإثبات الأثر يستلزم عقلاً إثبات أصله ومصدره"(3).
وهي صفةٌ ثابتة بالكتاب والسنة، و (الرحمن) و (الرحيم) من أسمائه تعالى تكررا في الكتاب والسنة مرات عديدة.
وقد اختلف أهل العلم في هذه الصفة هل هي من الصفات الذاتية أو الفعلية، والراجح أنها من صفات الأفعال من حيث تعلقها بمشيئة الله تعالى وقدرته؛ لأنه سبحانه وتعالى يرحم من يشاء ويعذب من يشاء، ويمكن مع ذلك عدَّها من صفات الذات باعتبار أن الله لم يزل متصفاً بالرحمة، فالرحمة العامة ملازمة لذاته تعالى وإن كان أفرادها تتجدد (4).
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 438 - 439) برقم (659)، ينظر: مجموع الفتاوى (3/ 261)، الاعتقاد للبيهقي (ص 42)، معارج القبول للحكمي (1/ 202) وغيرها.
(2)
التعليق على تفسير الجلالين (ص 39).
(3)
التعليق على تفسير الجلالين (ص 63 - 64).
(4)
ينظر: الصفات الإلهية في الكتاب والسنة لمحمد بن أمان الجامي (ص 285).
الدليل على هذه الصفة من الكتاب:
- قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} الفاتحة: 2 - 3.
- قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)} البقرة: 218.
ومن السنة:
- عن عمران بن حصين قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فسلم فقال: السلام عليكم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (عشر) ثم جلس ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (عشرون) ثم جلس ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (ثلاثون)(1).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فرق العرش: إن رحمتي تغلب - أو: غلبت - غضبي)(2).
ورحمة الله تعالى نوعان:
1 -
رحمة عامة: وهي رحمته الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب معاشهم ومصالحهم مؤمنهم وكافرهم فهو الذي خلقهم وأوسع عليهم في أرزاقهم.
2 -
رحمة خاصة: لعباده المؤمنين بأن هداهم إلى الإيمان، وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لا ينقطع (3).
(1) أخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب ثواب السلام برقم (9758)، صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (1/ 385).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} برقم (3194)،ومسلم في كتاب التوبة باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها تسبق غضبه، برقم (2751).
(3)
ينظر: شأن الدعاء للخطابي (36 - 38)، وتفسير أسماء الله للزجاج (ص 28).
ورحمته تعالى بغير ضعفٍ ولا رقَّة، كما هو حال المخلوق، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل رحمة تليق بجلاله وعظمته (1).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن اتصاف الله بالرحمة، والمخلوق يتصف بها، لا يستلزم نقصاً له، فلو قُدر أن الرحمة في حق المخلوقين مستلزمة للنقص كالضعف والخور، لم يجب أن تكون في حق الله تعالى مستلزمة لذلك، كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، فينا يستلزم من النقص والحاجة، ما يجب تنزيه الله عنه، فإذا كانت ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا، وما اتصفنا به من الكمال من العلم والقدرة وغير ذلك، هو مقرون بالحاجة والحدوث، لم يجب أن يكون لله ذات ولا صفات ولا أفعال، ولا يقدر ولا يعلم، لكون ذلك ملازماً للحاجة فينا، فكذلك الرحمة وغيرها، إذا قُدر أنها في حقنا ملازمة للحاجة والضعف، لم تجب أن تكون في حق الله ملازمة لذلك (2).
قال ابن القيم رحمه الله: "فالرحمة صفة الرحيم، وهي في كل موصوف بحسبه، فإن كان حيواناً له قلب فرحمته من جنس رقَّة قائمة بقلبه، وإن كان ملكاً فرحمته تناسب ذاته، فإذا اتصف أرحم الراحمين بالرحمة حقيقة لم يلزم أن تكون رحمته من جنس رحمة المخلوق"(3).
(1) ينظر: اشتقاق أسماء الله للزجاجي (38 - 42).
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى (6/ 117 - 118)، " بين الشيخ رحمه الله أن الرحمة في حق المخلوقين لا تستلزم الضعف والخور. فالرحمة ممدوحة من المؤمنين، كما قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} البلد: 17، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنزع الرحمة إلا من شقي) (أخرجه أحمد (2/ 310)، والترمذي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الرحمة بين المسلمين، برقم (1924)، وابن حبان كتاب البر والإحسان، برقم (462)، والبيهقي في شعب الإيمان (8/ 161)، وغيرهم بإسناد حسن عن أبي هريرة)، ومحال أن يقول: لا ينزع الضعف والخور إلا من شقي، لكن لما كانت الرحمة تقارن في حق بعض الناس الضعف والخور، كما في رحمة النساء، ظن المخالف أنها كذلك مطلقاً".
ينظر: المسائل العقدية في فيض القدير للمناوي عرض ونقد للدكتور عبد الرحمن التركي حاشية رقم (2)(ص 454).
(3)
مختصر الصواعق اختصره محمد ابن الموصلي (ص 301).