الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النووي (1) رحمه الله: " أي مسلمين وقيل طاهرين من المعاصي وقيل مستقيمين منيبين لقبول الهداية وقيل المراد حين أخذ عليهم العهد في الذر وقال ألست بربكم قالوا بلى"(2).
ثانياً:
الأدلة العقلية:
بين الشيخ عبد الرزاق: دليلاً من أدلة العقل وهو دليل التمانع فقال بعد قول الله تعالى {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)} المؤمنون: 91: "استخلص بعض العلماء من ذلك دليلاً سموه: دليل التمانع، استدلوا به على توحيد الربوبية. قالوا: لو أمكن أن يكون هناك ربَّان يخلقان، ويدبران أمر العالم لأمكن أن يختلفا بأن يريد أحدهما وجود شيء، ويريد الآخر عدمه، أو يريد أحدهما حركة شيء، ويريد الآخر سكونه. وعند ذلك إما أن يحصل مراد كل منهما، وهو محال. لما يلزمه من اجتماع النقيضين، وإما أن يحصل مراد واحد منهما دون الآخر فيكون الذي نفذ مراده هو الرب دون الآخر لعجزه، والعاجز لا يصلح أن يكون ربَّاً (3) "(4).
قال ابن أبي العز رحمه الله: "فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته، مستقر في الفطر معلوم بصريح العقل بطلانه، فكذا تبطل إلهية اثنين. فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية، دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الإلهية"(5).
(1) هو: يحيى بن شرف بن مُري بن حسن بن حسين الحزامي النووي، أبو زكريا، المشهور بالنووي، أحد أعلام الشافعية، من مؤلفاته: المجموع شرح المهذب، شرح صحيح مسلم، رياض الصالحين، توفي سنة 676 هـ.
ينظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (4/ 1470)، طبقات الشافعية الكبرى (5/ 165)، الأعلام (8/ 149).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 197)، وينظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري (18/ 70 - 71).
(3)
قَالُ المتكلمون: هذا الدليل العقلي جَاءَ به القرآن، وهم في الحقيقة أخذوه من علماء اليونان الذين كانوا يثبتون وجود الله بهذه الطريقة التي أغنانا الله سبحانه وتعالى عنها.
(4)
مذكرة التوحيد (30 - 32).
(5)
شرح الطحاوية في العقيدة السلفية لابن أبي العز الحنفي (1/ 139)، وينظر: ودَرْءُ التَعَارُضِ (5/ 449 - 451) و (6/ 3 - 8)، ومنهاج السنة النبوية (2/ 85 - 88) و (3/ 156 - 157)، والقول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح العثيمين (1/ 4)، وقدم العالم وتسلسل الحوادث بين ابن تيمية والفلاسفة لكاملة الكواري (215 - 216)، شرح العقيدة الطحاوية لسفر بن عبدا لرحمن الحوالي (1/ 1072).
والعقل الصريح يقطع بأن المخلوق لابد له من خالق، والمصنوع لابد له من صانع، والحادث لابد له من محدث؛ لاستحالة حدوث الحادث بنفسه. وقد أرشدنا الله إلى ذلك في كثير من آيات القرآن الكريم.
قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)} الطور: 35.
فقد أنكر - سبحانه-: أن يكونوا قد خُلقوا بلا خالق، وأن يكونوا قد خَلقوا أنفسهم، فإنه لابدّ لهم من خالق موجود مغاير لهم وهو الله - تعالى - (1).
ثالثاً: الأدلة من الفطرة:
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} النحل: 36، فالرسل دعوا أقوامهم ابتداءً إلى توحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بالعبادة، ولو لم يكن الإقرار بالله تعالى وربوبيته أمراً فطرياً لابتدؤوا أقوامهم بذلك؛ لأن الأمر بتوحيده تعالى في عبادته فرع عن الإقرار به وبربوبيته (2)، ولصح لأعداء الرسل عند دعوتهم لهم أن يقولوا نحن لم نعرفه أصلاً فكيف تأمروننا بعبادته؟ ولما لم يحدث ذلك منهم دل على أن معرفتهم بالله مستقرة في فطرهم (3).
بين الشيخ عبد الرزاق رحمه الله: "أن هذا النوع من التوحيد قد أقرت به الفطرة، وقام عليه دليل السمع والعقل، ولم يعرف عن طائفة بعينها القول بوجود خالقين متكافئين في الصفات والأفعال، ومن نقل عنهم من طوائف المشركين نسبة شيء من الآثار والحوادث لغير الله، كقوم هود، حيث قالوا فيما حكاه الله عنهم:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} هود: 54.فإن ما نسبوه إلى آلهتهم إنما كان لزعمهم أنها وثيقة الصلة بالله، وأنها شفيعة لمن عبدها، وتقرب إليها بالقرابين عند الله، في جلب النفع له، ودفع الضّر عنه.
(1) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، لأحمد بن إبراهيم بن عيسى (1/ 17).
(2)
ينظر: درء التعارض (3/ 129 - 130).
(3)
ينظر: درء التعارض (8/ 440).
ومن أجل هذه الشبهة من الشرك في الربوبية نبه الله على بطلانه، وأنكر على من زعمه (1) فقال تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)} المؤمنون: 91 - 92.
فبين - سبحانه - أنه لو كان معه إله يشركه في استحقاقه العبادة لكان له خلق، وملك، وقهر، وتدبير، إذ لا يستحق العبادة إلا من كان كذلك، ليرجى خيره ونفعه، فيطاع أمره، وينفذ قصده، ويخشى بأسه وبطشه. فلا يعتدى على حدوده، ولا ينتهك حماه، ولو كان له خلق وتدبير وملك وتقدير لعلا على شريكه وقهره إن قوي على ذلك، ليكون له الأمر وحده، ولذهب بخلقه، ويتفرد بملكه دون شريكه. إن لم يكن لديه القوة والجبروت ما يفرض به سلطانه على الجميع. فإن من صفات الرب - تعالى - كمال العلو، والكبرياء، والقهر، والجبروت. وفي معنى هذه الآية قوله تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42)} الإسراء: 42.
إذا كان المعنى المراد لاتخذوا سبيلاً إلى مغالبته. وقيل: المعنى: لاتخذوا سبيلاً إلى عبادته، وتأليهه، والقيام بواجب حقه. وابتغوا إلى رضاه سبيلاً. كما قال تعالى: {أُولَئِكَ
(1) قال ابن أبي العز رحمه الله: " وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الأنبياء: 22، لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بيَّنّهُ القُرآنُ، ودعت إليه الرسلُ عليهم السلام، وليس الأمر كذلك، بل التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب: هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وأن خالق السماوات والأرض واحد، كما أخبر تعالى عنهم بقوله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لقمان: 25، وقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)} المؤمنون: 84 - 85، ومثلُ هذا كثيرٌ في القرآن".
شرح العقيدة الطحاوية (1/ 129 - 130) وينظر: منهاج السنة (2/ 73)، درء التعارض (9/ 348 - 376).
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)} الإسراء: 57 " (1).
إذاً فتوحيد الربوبية قد فطرت عليه القلوب، وأقرت به النفوس، إذ كل ما في الوجود يدل على بديع صنعه، وإتقان فعله، وتفرده عن خلقه.
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد (2).
ودلالة الفطرة على الخالق أقوى من دلالة العلوم العقلية عليه، ذلك لأن الفطرة من العلوم الضرورية الملازمة له، بخلاف العلوم العقلية، فإنها وإن كان بعضها ضرورياً، إلا أنه قد يغفل كثير من بني آدم عنها، أو قد لا يستطيع تصورها (3).
ومع أن الفطر مجبولة على الإقرار بتوحيد الربوبية، إلا أنه قد يعرض لها ما يصرفها عن ذلك الإقرار، وعندها تقام الحجة على المنُكر، قال الشيخ حافظ الحكمي (4) رحمه الله:" الاعتراف به - أي بتوحيد الربوبية- ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يَعرض لغيرها شكٌ واضطراب وأكثر ذلك على سبيل المكابرة والاستهزاء، فيجب إقامة الحجة عليهم للإعذار إليهم، ولهذا قالت رسلهم: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إبراهيم: 10، الذي خلقهما وأبدعهما على غير مثال سابق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهرةٌ عليهما، فلا بد لهما من خالق وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء"(5).
(1) مذكرة التوحيد (ص 30 - 32) وينظر: نفس المرجع (ص 17).
(2)
ديوان أبي العتاهية (ص 112) تقديم وشرح/مجيد طراد.
(3)
درء تعارض العقل والنقل (8/ 482) وما بعدها.
(4)
هو: حافظ بن أحمد بن علي بن أحمد حكمي، عالم متفنن، سلفي المعتقد، من مؤلفاته: معارج القبول، وأعلام السنة المنشورة، الجوهرة الفريدة في تحقيق العقيدة، توفي سنة (1377 هـ).
ينظر: الأعلام للزركلي (2/ 159)، الشيخ حافظ بن أحمد حكمي د. أحمد علوش، والنهضة الإصلاحية في جنوب المملكة العربية السعودية لعمر أحمد المدخلي (ص 168 - 187).
(5)
معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (1/ 106).
وهناك دلائل كثيرة (1) غير هذه الأدلة، وهذا التوحيد مركوز في الفطر لا يكاد ينازع فيه أحد من الناس، ومع ذلك فقد وجد شواذ من الناس أنكروا هذا التوحيد فاحتجنا إلى تقريره بهذه الأدلة.
(1) من هذه الأدلة دليل ما يشاهد من الحوادث "الحس"، ودليل الاختراع، ودليل العناية "ظهور الحكمة"، ودليل الإرادة والقدرة، ودليل الأمثلة المضروبة، ودليل الأقيسة المنطقية وغيرها.
ينظر: شرح العقيدة الأصفهانية لـ (ص 16)، بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (1/ 173،174، 179 - 180)(2/ 474)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (1/ 48)، منهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/ 141)، مفتاح دار السعادة لابن القيم (2/ 201)، منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير عقيدة التوحيد لإبراهيم البريكان (2/ 452).