الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخبر به عنه؛ وهذا مما تدخله الحقيقة والمجاز، وهو حقيقة عند أصحابنا، وأما اتصافه بذلك؛ فسواء كان صفةً ثبوتَّيةّ وراء القدرة أو إضافية؛ فيه من الكلام ما تقدم" (1).
وقال في موضع آخر: "والله تعالى لا يوصف بشيء من مخلوقاته، بل صفاته قائمة بذاته، وهذا مطرد على أصول السلف وجمهور المسلمين من أهل السنة وغيرهم، ويقولون: إن خلق الله للسماوات والأرض ليس هو نفس السماوات والأرض، بل الخلق غير المخلوق، لا سيما مذهب السلف والأئمة وأهل السنة الذين وافقوهم على إثبات صفات الله وأفعاله"(2).
وقال في موضع ثالث: "ولهذا كان مذهب جماهير أهل السنة والمعرفة -وهو المشهور عند أصحاب الإمام أحمد وأبي حنيفة وغيرهم من المالكية والشافعية والصوفية وأهل الحديث وطوائف من أهل الكلام من الكرامية وغيرهم- أن كون الله سبحانه وتعالى خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً وباعثاً ووارثاً
…
وغير ذلك من صفات فعله، وهو من صفات ذاته؛ ليس من يخلق كمن لا يخلق.
ومذهب الجمهور أن الخلق غير المخلوق؛ فالخلق فعل الله القائم به، والمخلوق هو المخلوقات المنفصلة عنه" (3).
9 - صفة الهرولة
لله عز وجل:
يقرر الشيخ رحمه الله صفة الهرولة لله عز وجل على ما يليق به سبحانه (4)، مستدلاً بالحديث القدسي قال الله تعالى:(إذا تقرب إليَّ العبد شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إليَّ ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني ماشياً أتيته هرولة)(5).
(1) مجموع الفتاوى (6/ 272).
(2)
مجموع الفتاوى (8/ 126).
(3)
مجموع الفتاوى (12/ 435 - 436).
(4)
ينظر: فتاوى اللجنة (3/ 196).
(5)
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، برقم (7405، 7505، 7535)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، برقم (2675).
وهي صفة فعلية خبرية ثابتة لله عز وجل بالحديث الصحيح.
فدليلها من السنة:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (
…
وإن أتاني يمشي؛ أتيته هرولة) (1).
الهرولة (2) الواردة في هذا الحديث، هل يصح أن تثبت صفة لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، أم أن لها معنى آخر يقتضيه السياق فتحمل عليه؟ وفي هذا اختلف أهل العلم من أهل السنة والجماعة، على قولين هما:
القول الأول: أن المراد به ضرب مثل لكرم الله وجوده على عبده (3).
القول الثاني: أن الهرولة صفة فعلية خبرية ثابتة لله تعالى بهذا الحديث السابق (4).
قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: "صفة الهرولة ثابتة لله تعالى؛ كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي
…
(فذكر الحديث، وفيه:) وإن أتاني يمشي؛ أتيته هرولة)، وهذه الهرولة صفة من صفات أفعاله التي يجب علينا الإيمان بها من غير تكييف، لأن التكييف
(1) سبق تخريجه آنفاً.
(2)
الهرولة: "بين المشي والعدو" ينظر: تهذيب اللغة (6/ 146) مادة هرول، ومعجم مقاييس اللغة (6/ 48)، ولسان العرب (11/ 695)، والمجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث لأبي موسى المديني (3/ 496).
(3)
وهذا القول مروي عن الأعمش وإسحاق بن راهويه وابن قتيبة وأبي يعلى وابن تيمية، عليهم رحمة الله، وإليه ذهب الشيخ عبد الله الغنيمان وعليه عامة أهل التأويل من شراح الحديث وغيرهم.
ينظر: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (3/ 94)، وأعلام الحديث للخطابي (4/ 2358)، والأسماء والصفات للبيهقي (2/ 384)، وشرح السنة للبغوي (5/ 26)، والمعلم للمازري (3/ 184)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (8/ 174)، والمفهم للقرطبي (7/ 8)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/ 261)، وشرح صحيح مسلم للنووي (17/ 6)، وفتح الباري (13/ 513 - 514)، وبيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (1/ 150 - 152)،ومجموع الفتاوى (5/ 510)، شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (1/ 271).
(4)
وقد صرح بكونها صفة لله تعالى بعض العلماء المعاصرين، كأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، والشيخ محمد العثيمين رحمه الله، وقد أطال النفس في تقرير وإثبات ذلك، وعلى هذا القول ظاهر كلام الهروي وأبي موسى المديني، عليهما رحمة الله.
ينظر: الأربعين في دلائل التوحيد للهروي (ص 79)، والمجموع المغيث لأبي موسى المديني (3/ 496)، تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي، د. عبد الرزاق البدر (ص 169)، إ
قول على الله بغير علم، وهو حرام، وبدون تمثيل؛ لأن الله يقول {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى: 11 " (1).
وقبل ترجيح أي من القولين السابقين لا بُدَّ من التذكير بقاعدتين هامتين هما:
الأولى: أن الواجب في نصوص الكتاب والسنة إجراؤها على ظاهرها، دون التعرض لها بتحريف أو تعطيل، لا سيما نصوص الصفات، لأنه لا مجال للرأي فيها (2).
الثانية: أن المراد بظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق آخر (3).
وبناءً على ما تقدم، فإن لفظ الهرولة وإن كان معناه: الإسراع في المشي، إلا أنه لا يقتضي أن يكون هذا معناه المراد منه في كل سياق ورد فيه، وإنما السياق هو الذي يحدد معناه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهو يتحدث عن قرب الله تعالى: " ولا يلزم من جواز القرب عليه، أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة، وينظر في النص الوارد، فإن دلَّ على هذا حمل عليه، وإن دل على هذا حمل عليه"(4).
فالهرولة في هذا الحديث معناها: مجازاة الله تعالى وإثابته لعبده بأكمل وأفضل من عمله -على ما جاء في القول الأول- وليس المراد بها: المشي السريع، فتثبت صفة لله تعالى، كما أن تقرب العبد بالشبر والذراع لا يراد به حقيقة الشبر والذراع، وإنما يراد به قدرهما، وإلا فما موضع العبادات القلبية - والتي هي من أعظم العبادات وعليها تنبني
(1) ينظر: إزالة الستار عن الجواب المختار لهداية المحتار (ص 24)، القواعد المثلى (ص 72)، صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة (ص 262).
(2)
ينظر: القواعد المثلى للعثيمين (ص 33).
(3)
ينظر: القواعد المثلى (ص 36)، ونقض الدارمي على المريسي (1/ 344).
(4)
مجموع الفتاوى (6/ 14).