الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
جهوده في تقرير الإيمان بالكتب
.
تمهيد
في تعريف الكتب
.
الكتب في اللغة: جمع كتاب، بمعنى مكتوب.
يقول ابن فارس: " الكاف والتاء والباء أصل صحيح واحد يدل على جمع شيء إلى شيء، من ذلك الكتاب والكتابة، يقال: كتبت الكتاب أكتبه كتباً"(1).
والمراد بالكتب هنا- التي يجب الإيمان بها-: "هي الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله، رحمة للخلق، وهداية لهم، ليصلوا بها إلى سعادة الدنيا والآخرة"(2).
في تعريف القرآن الكريم.
القرآن في اللغة:
يعرف الشيخ عبد الرزاق رحمه الله القرآن في اللغة، فيقول:" القرآن في الأصل مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآناً، ومعناه في اللغة: الجمع والضم قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} القيامة: 18، أي جمعناه لك في صدرك فاتبع ذلك الذي جمع تلاوة وبلاغا وعملا وقد صار علماً بالغلبة على الكتاب العزيز في عرف علماء الشرع"(3)(4).
(1) معجم مقاييس اللغة (ص 917)، وينظر: تهذيب اللغة (4/ 3097)، والصحاح (1/ 208 - 209)، لسان العرب (1/ 698 - 702)، القاموس المحيط (ص 165).
(2)
فتاوى ابن عثيمين (5/ 120).
(3)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 35).
(4)
ينظر: الصحاح في اللغة (2/ 67)، وتهذيب اللغة (9/ 271)، والبرهان في علوم القرآن للزركشي (1/ 278).
القرآن في الاصطلاح:
يعرف الشيخ رحمه الله القرآن، فيقول:"القرآن كلام الله حقاً لفظه ومعناه، تكلم به رب العالمين وسمعه منه جبريل عليه السلام وبلَّغه جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام دون تغيير ولا تبديل، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} الشعراء: 192 - 195، وقد تكفل الله بحفظه وجمعه في قلب محمد صلى الله عليه وسلم وبيانه له قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)} الإنسان: 23، وقال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} القيامة: 16 - 19، وليس كلامه مثل كلام الإنس أو الجن أو الملائكة، بل بصفة وكيفية مختصة به تعالى لا يعلم حقيقتها إلَاّ الله سبحانه لا يشابه فيها خلقه، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى: 11،وكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات فصفاته لا تشبه صفات أحد من المخلوقات، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً"(1).
وهذا التعريف موافق لتعريف أهل السنة؛ بأن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدا، وإليه يعود، وأن كلام الله صفة لله، قائمة بذاته، على ما يليق بجلاله وعظمته، وأنه تعالى لم يزل متكلماً، إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وهو متكلم بحرف وصوت يُسمع (2).
(1) فتاوى اللجنة (3/ 209 - 210)، وينظر: مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 35)،والإحكام في أصول الأحكام (3/ 40)، (4/ 209).
(2)
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص 174)، السنة لعبدالله بن أحمد (1/ 281)، التوحيد لابن خزيمة (1/ 348)، السنة لابن أبي عاصم (1/ 412 - 416)، خلق أفعال العباد للبخاري (ص 149)، ومناهل العرفان في علوم القرآن للزرقان (1/ 12).
ولقد اختص القرآن الكريم بخصائص كثيرة، ولعل هذه الخصائص سبب الاختلاف في تعريف القرآن بين العلماء، فكل تعريف يذكر خاصية للقرآن يعرفه بها لا يذكرها الآخر، ولهذا تعددت التعريفات.
- سبب تسمية القرآن بهذا الاسم:
يبين الشيخ رحمه الله سبب تسمية القرآن، فيقول:" وسمي قرآناً لجمعة ما تحتاج إليه الأمة في سعادتها وصلاحها عاجلاً وآجلاً من عقائد وعبادات وأخلاق ونظم المعاملات قال تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} يوسف: 111، وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} النحل:89، ولما فيه من الجمع بين السور والآيات"(1).
وسمي القرآن قرآناً لأن القارئ يظهره ويبينه ويلفظه من فيه، وقيل سمِّي القرآن لأنه يجمع السور فيضمها، وقيل سمي القرآن قرآناً لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض (2).
وهناك إشارة دقيقة استنبطها بعض العلماء من تسميته بالقرآن والكتاب فقال: روعي في تسميته قرآناً كونه متلواً بالألسن كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام فكلتا التسميتين من تسمية شيء بالمعنى الواقع وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور، والسطور جميعاً. أن تضل إحداهما فتذكر الأخرى، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب المنقول إلينا جيلاً بعد جيل على هيئته التي وضع عليها أول مرة ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر. وبهذه
(1) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 35)،والإحكام في أصول الأحكام (1/ 216).
(2)
المحيط في اللغة للصاحب بن عابد (1/ 496)، والصحاح في اللغة (2/ 67)، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (4/ 30).
العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمة المحمدية اقتداءً بنبيها بقي القرآن محفوظاً في حرز حريز (1).
- الفرق بين القرآن وبين الحديث والكتب الأولى:
يبين الشيخ رحمه الله الفرق بينهما، فيقول:" لا تسمى الأحاديث النبوية قرآناً لأن ألفاظها من الرسول وإن كان معناها وحياً. ولا تسمى الكتب الأولى كالتوراة قرآناً لنزولها على غيره من الأنبياء ولا يسمى الحديث القدسي قرآناً لأنه ليس مما يتعبد بتلاوته"(2).
هناك فروق كثيرة ذكرها العلماء منها:
-أن القرآن أوحيت ألفاظه من الله اتفاقا، وأن الحديث القدسي أوحيت ألفاظه من الله على المشهور، والحديث النبوي أوحيت معانيه في غير ما اجتهد فيه الرسول والألفاظ من الرسول صلى الله عليه وسلم.
-وأن القرآن له خصائصه من الإعجاز والتعبد به ووجوب المحافظة على أدائه بلفظه ونحو ذلك، وليس للحديث القدسي والنبوي شيء من هذه الخصائص؛ والحكمة في هذا التفريق أن الإعجاز منوط بألفاظ القرآن، فلو أبيح أداؤه بالمعنى لذهب إعجازه، وكان مظنة للتغيير والتبديل واختلاف الناس في أصل التشريع والتنزيل، أما الحديث القدسي والحديث النبوي فليست ألفاظهما مناط إعجاز، ولهذا أباح الله روايتهما بالمعنى، ولم يمنحهما تلك الخصائص والقداسة الممتازة التي منحها القرآن الكريم، تخفيفا على الأمة ورعاية لمصالح الخلق في الحالين من منح ومنع.
- أن ثواب تلاوة القرآن ثواب عظيم كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف
(1) النبأ العظيم لمحمد دراز (12 - 13).
(2)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (ص 35)، والإحكام في أصول الأحكام (1/ 216).
ولام حرف وميم حرف) (1)، والحديث القدسي والنبوي ليس في تلاوتهما الثواب الوارد لتلاوة القرآن (2).
(1) ينظر: تعظيم قدر الصلاة للمروزي (1/ 293)، المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (1/ 317 - 323)، شعب الإيمان للبيهقي (1/ 447)، شرح الطحاوية لابن أبي العز (2/ 424 - 425)، فتح الباري (12/ 172)، معارج القبول (2/ 675)، أضواء البيان للشنقيطي (1/ 148 - 149)، فتاوى ابن عثيمين (3/ 241 - 242).
(2)
ينظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني (1/ 37 - 38)، مباحث في علوم القرآن لمناع القطان (ص 23 - 24)، مدخل إلى علوم القرآن والتفسير لفاروق حمادة (ص 18)، النبأ العظيم لعبدالله دراز (ص 9)، ودراسات في علوم القرآن الكريم لفهد الرومي (ص 22 - 24)، وللاستزادة: المسائل العقدية في فيض القدير (603 - 606).