الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - الحياة البرزخية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات موته:
يقرر الشيخ رحمه الله هذا بقوله: "إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل له بها التنعم في قبره بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، ولم تعد إليه روحه ليصير حيًا كما كان في دنياه ولم تتصل به وهو في قبره اتصالاً يجعله حياً كحياته يوم القيامة، بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة، وبذلك يعلم أنه قد مات، كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم"(1).
ويبين الشيخ رحمه الله أن تفاصيل الحياة البرزخية الأصل فيها أنها من الغيب، فيقول: " والأصل في الأمور الغيبية: اختصاص الله بعلمها، قال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} الأنعام: 59، وقال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)} النمل: 65، لكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب، قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} الجن: 26 - 27، وقال تعالى:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)} الأحقاف: 9، وثبت في حديث طويل من طريق أم العلاء أنها قالت:(لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك فقد أكرمك الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أن الله أكرمه) فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري
(1) فتاوى اللجنة (1/ 470 - 471)، وينظر: فتاوى اللجنة (1/ 480 - 481).
وأنا رسول الله ما يفعل بي) فقلت: والله لا أزكي بعده أحدًا أبدًا) (1)، وفي رواية له:(ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به)، وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه فبشرهم بالجنة، وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال:(ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)(2) ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها، فدل على أنه علم من الغيب ما أعلمه الله به دونما سواه من المغيبات، وأخبره به عند الحاجة. كما أن الله سبحانه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مغفور له في سورة الفتح.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (النبي في الجنة وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة - وهو ابن أبي وقاص - وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)(3) رضي الله عنهم جميعًا، وهذا كله من علم الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه." (4).
فلا نثبت من الحياة البرزخية إلا ما ورد به الدليل لأنها من الأمور الغيبية، فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا ما أعلمه الله فغيره من البشر لا يعلمون من باب أولى.
والحياة البرزخية تختلف عن الحياة المعروفة في الدنيا، يقول الشيخ سليمان ابن سحمان رحمه الله: "ومن المعلوم أنه لم يكن صلى الله عليه وسلم حياً في قبره كالحياة الدنيوية المعهودة، التي تقوم فيها الروح بالبدن، وتدبره وتصرفه، ويحتاج معها إلى الطعام والشراب واللباس والنكاح،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات باب القرعة في المشكلات برقم (2687).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان
…
برقم (50)، ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى برقم (8).
(3)
أخرجه الإمام أحمد من حديث سعيد بن زيد (1/ 187، 188)، وأبو داود (5/ 37، 38، 39)، والترمذي (5/ 651)، وابن ماجه (1/ 49)، ولم يذكر أبا عبيدة، كما أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن عوف (1/ 193)، وذكر أبا عبيدة ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4649)، وفي صحيح ابن ماجة برقم (133).
(4)
فتاوى اللجنة (1/ 122 - 128).