الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
الإلحاد في أسماء الله وصفاته
قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: "ومن الشرك الأكبر أن يجعل الإنسان لله نداً؛ في أسمائه وصفاته، فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} الأعراف: 180، ومن الإلحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك"(1).
اللفظ الجامع لأنواع المخالفات في توحيد الأسماء والصفات هو الإلحاد ولذا ختم به ابن القيم رحمه الله القول في المسائل العشرين في باب الأسماء والصفات التي ساقها في بدائع الفوائد وقال بأن معرفته هي الجامعة للوجوه المتقدمة كلها
…
وأنه لا بد من معرفة الإلحاد في أسمائه ليحذر من الوقوع فيه (2).
والإلحاد في اللغة: هو الميل والعدول عن الشيء، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة، ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل (3).
وفي الاصطلاح: هو العدول بأسماء الله وصفاته وآياته عن الحق الثابت (4) وعليه فالإلحاد يقع في أمرين؛ الأول: في الأسماء والصفات؛ والثاني: في الآيات.
أنواع الإلحاد:
ولا يُعرف الإلحاد إلا بمعرفة الاستقامة؛ لأنه كما قيل: بضدها تتبين الأشياء. فالاستقامة في باب أسماء الله وصفاته أن نجري هذه الأسماء والصفات على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، على القاعدة التي يمشي عليها أهل السنة والجماعة في هذا الباب، فإذا عرفنا الاستقامة في هذا الباب فإن
(1) فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 746).
(2)
بدائع الفوائد (1/ 169).
(3)
ينظر: لسان العرب (3/ 388).
(4)
بدائع الفوائد (1/ 169).
خلاف الاستقامة هو الإلحاد، وقد ذكر أهل العلم للإلحاد في أسماء الله تعالى أنواعاً يجمعها أن نقول: هو الميل بها عما يجب اعتقاده فيها. وهو على أنواع:
النوع الأول: إنكار شيء من الأسماء، أو مما دلت عليه من الصفات، ومثاله:- من ينكر أن اسم الرحمن من أسماء الله تعالى كما فعل أهل الجاهلية.
أو يثبت الأسماء، ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات، كما يقول بعض المبتدعة (1): إن الله تعالى رحيم بلا رحمة، وسميع بلا سمع.
يقول الشيخ محمد بن عثيمين: "إنكار شيء من أسماء الله أو صفاته نوعان:
أ- إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك فلو أن أحداً أنكر أسماً من أسماء الله، أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة مثل: أن يقول ليس لله يد، فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأن تكذيب خبر الله ورسوله كفرٌ مخرج عن الملة.
ب- إنكار تأويل، وهو أن يجحدها، ولكن يؤولها، وهذا نوعان:
1 -
أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية فهذا لا يوجب الكفر.
2 -
أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية، فهذا موجب للكفر، لأنه نفاها نفياً مطلقاً فهو مكذّب حقيقة، ولو قال في قوله تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} المائدة: 64، المراد بيديه السماوات والأرض فهو كافر، لأنه لا يصح في اللغة العربية، ولا هو مقتضى الحقيقة الشرعية فهو منكر مكذب، لكن إن قال المراد باليد النعمة أو القوة، فلا يكفر؛ لأن اليد في اللغة تطلق على النعمة" (2).
(1) مثل المعتزلة: أتباع واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، فهم يثبتون الأسماء، وينكرون الصفات، معتقدين أن إثباتها يؤدي إلى تعدد القدماء.
ينظر: المعتزلة، وأصولهم الخمسة، وموقف أهل السنة منها د. عواد المعتق (ص 84).
(2)
المجموع الثمين (2/ 62 - 63).
النوع الثاني: أن يسمى الله سبحانه وتعالى بما لم يسم نفسه.
ووجه كونه إلحاداً: أن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية، فلا يحل لأحد أن يسمي الله تعالى باسم لم يسم به نفسه؛ لأن هذا من القول على الله بلا عِلْم، ومن العدوان في حق الله عز وجل، وذلك كما فعل بعض الفلاسفة فسموا الإله بالعلة الفاعلة، وكما فعل النصارى فسموا الله تعالى باسم الأب ونحو ذلك.
النوع الثالث: أن يعتقد أن هذه الأسماء دالة على أوصاف المخلوقين فيجعلها دالة على التمثيل.
ووجه كونه إلحاداً: أن من اعتقد أن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على تمثيل الله بخلقه. فقد أخرجها عن مدلولها ومال بها عن الاستقامة، وجعل كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم دالاً على الكفر، لأن تمثيل الله بخلقه كفر، لكونه تكذيباً لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} الشورى: 11، ولقوله:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} مريم: 65. قال نعيم بن حماد الخزاعي (1)
شيخ البخاري رحمها الله: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه تشبيه"(2).
النوع الرابع: أنه يشتق من أسماء الله تعالى أسماء الأصنام، كاشتقاق اللات من الإله، والعُزَّى من العزيز، ومَنَاة من المّنَّان (3).
(1) هو: نعيم بن حماد الخزاعي الحافظ أبو عبد الله المروزي الأعور، شيخ البخاري والدارمي وحمزة الكاتب، امتحن فمات محبوسا بسامراء عام (229 هـ).
ينظر: السير (20/ 103)، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، لمحمد بن أحمد أبي عبد الله الذهبي الدمشقي (2/ 324).
(2)
أخرجه الذهبي في العلو (ص 116)، وينظر: شرح السنة للالكائي (3/ 532)، شرح الطحاوية (1/ 85)، معارج القبول (1/ 365).
(3)
ينظر لأنواع الإلحاد: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (1/ 159)، بدائع الفوائد لابن القيم (1/ 190 - 191).