الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
طريقته في الاستدلال
.
المتأمل لكلام الشيخ رحمه الله وفتاويه يتضح له أنه كان متبعاً لمنهج السلف في الاستدلال تحقيقاً، وتطبيقاً، ومما يؤيد ذلك عدة أمور:
1 -
أنه اقتصر في الاستدلال على الأحكام- ومنها أمور الاعتقاد -، على ما اقتصر عليه السلف الصالح الكتاب والسنة وفهم السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم وسائر الأئمة المقتدى بهم في الدين (1).
2 -
احتجاجه بخبر الآحاد (2) في مسائل الاعتقاد (3).
3 -
تقديم الشرع على العقل:
والسلف رحمهم الله يقدمون الشرع على العقل، ويرون أن كل ما خالف الشرع فهو خيال وأوهام (4) لا حقائق؛ وإلاّ ففي حقيقة الواقع لا يمكن أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح (5).
قال الشيخ عبد الرزاق: وهو يبين أن العقل لا يقوى على معارضة النقل: " لا يغترَ إنسان بما آتاه الله من قوة في العقل وسعة في التفكير، وحصيلة في العلم، فيجعل عقله أصلاً، ونصوص الكتاب والسنة الثابتة فرعاً، فما وافق منهما عقله قبله واتخذه ديناً وما خالفه منهما لوى به لسانه وحرفه عن موقعه، وأوله على غير تأويله إن لم يسعه إنكاره
…
ثقة بعقله
…
واتهاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم
…
واتهاماً لثقات الأمة وعدولها، الذين نقلوا إلينا
(1) أغلب كلام الشيخ في هذه الرسالة مصداقاً لهذا المنهج.
(2)
خبر الآحاد: الآحاد جمع واحد، وخبر الواحد ما يرويه شخص واحد، واصطلاحاً: ما لم يجمع شروط المتواتر.
ينظر: لسان العرب (3/ 448)، نزهة النظر (ص 13)، إرشاد الفحول (ص 41 - 43).
(3)
ينظر: لكلام الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله عن خبر الآحاد في المصدر الثاني من مصادر التشريع (ص 45).
(4)
ينظر: درء التعارض (7/ 29).
(5)
ينظر: درء تعارض العقل والنقل (1/ 141)، الصواعق المرسلة (2/ 741،742)، قواعد المنهج السلفي مصطفى حلمي (253 - 257).
نصوص الشريعة ووصلت إلينا عن طريقهم قولاً وعملاً
…
فأي عقل من العقول يجعل أصلاً يحكم في نصوص الشريعة فترد أو تنزل على مقتضاه فهما وتأويلاً؟
…
" (1).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط تعارض في هذا العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل"(2).
4 -
عدم الأخذ بالأحاديث الضعيفة:
وكان من منهج السلف رحمهم الله طرح الأحاديث الضعيفة وعدم الأخذ بها؛ لأن الدين لا يبنى على حديث ضعيف غير ثابت، فضلاً عن أن يبنى على حديث موضوع يعلم كذبه، بل ولا يجوز تأويل ما علم كذبه بتقدير ثبوته (3).
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: " فأما إذا علم أن اللفظ كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز أن يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَدَّثَ عَنِّى، بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) (4)، ولا يجوز تفسير ما علم أنه كذب بتقدير ثبوته"(5).
5 -
الأخذ بظاهر النصوص:
ويعتقد أهل السنة أن الله خاطبنا بما نفهم، وأراد منا اعتقاد ظاهر النصوص على الوجه اللائق، فنصوص الصفات مثلاً تجري على ظاهرها بلا كيف، كما تظافرت عبارات السلف في ذلك، فتثبت له الصفات الواردة بلا تمثيل، فلو كان ظاهر النصوص غير مراد لما
(1) مجموعة ملفات الشيخ (ص 40 - 41).وينظر: مجموعة ملفات الشيخ (88 - 89) و (127 - 128)، وشبهات حول السنة (58) وما بعدها.
(2)
الفرقان بين الحق والباطل، ضمن مجموع الفتاوى (13/ 28 - 29)، وينظر: درء التعارض (5/ 255 - 256)، والصواعق المرسلة (2/ 741 - 742)، قواعد المنهج السلفي لمصطفى حلمي (ص 253)، في العقيدة الإسلامية بين الفلاسفة والمعتزلة لمحمد خفاجي (ص 81 - 84).
(3)
والمتأمل لكلام الشيخ رحمه الله وفتاويه يلحظ أنه لا يحتج بالضعيف بل في أكثر الأحيان يقول: "وفي الحديث الصحيح".
(4)
أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 9).
(5)
نقض التأسيس (3/ 486 - 488)، وينظر: ذمّ التأويل لابن قدامة (ص 47)، التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوى (1/ 250 - 251).
خاطبنا بها ربّنا تعالى، ولما أمرنا بتدبر كتابه، كما قال:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} ص: 29. (1)
فبهذا نعلم أن الواجب الأخذ بظواهر النصوص، وأنه ليس هناك باطن يخالف الظاهر، فالباطن الحق عند السلف موافق للظاهر الحق، وكل معنى باطن يخالف ظاهر الكتاب والسنّة فهو خيال وجهل وضلال (2).
قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله: " فيستحيل أن تتوارد النصوص وتتتابع الآيات والأحاديث على إثبات أسماء الله وصفاته بطريقة ظاهرة واضحة والمراد غير ما دلت عليه حقيقة، ويقصد الله منها أو يقصد رسوله عليه الصلاة والسلام إلى معان مجازية من غير أن ينصب من كلامه دليلا على ما أراد من المعاني المجازية اعتماداً على ما أودع عباده من العقل وقوة الفكر، فإن ذلك لا يتفق مع كمال علمه تعالى وسعة رحمته وفصاحة كلامه وقوة بيانه وبالغ حكمته، ولأن يتركهم الله دون أن يعرفهم ويعرفهم به رسوله صلى الله عليه وسلم بوحيه، خير لهم وأيسر سبيلا، لعدم وجود المعارض للشبه الباطلة التي زعموها أدلة وبراهين وما هي إلا الخيالات ووساوس الشيطان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فمن جحد شيئاً من هذه النصوص أو تأولها على معان من غير دليل يرشد إلى ما تأولها عليه فقد ألحد في آيات الله وأسمائه وصفاته وحق عليه ما توعد الله به الملحدين في ذلك بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فصلت: 40، وقوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} الأعراف: 180"(3).
هذه من أهم الخصائص والمميزات التي اتسم بها منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله في طريقته في الاستدلال على مسائل الاعتقاد، ولعله يأتي في المباحث القادمة بيانها بوضوح بإذن الله تعالى.
(1) ينظر: موقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة لسليمان الغصن (1/ 72 - 73).
(2)
ينظر: درء التعارض (5/ 86).
(3)
مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (146 - 147).