الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
لما فيه من مضاهاة خلق الله.
2 -
لأنه ذريعة إلى الشرك (1).
فلهذا حرم الإسلام التصوير لذوات الأرواح بجميع أنواعه سواء كان لها ظل أو لا ظل لها.
قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صور الحيوان شديد التحريم، وهو من الكبائر، لأنه متوعد بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو يغيره فصنعته حرام بكل حال، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى. وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها.
وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام" (2).
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما للرجل الذي استفتاه عن التصوير: "
…
إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له" (3). ويدل عليه قوله في الحديث السابق: (كلف أن ينفخ فيها الروح
…
) فهذا يدل على أن الوعيد خاص بما له روح. والله أعلم.
11 - الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها:
يقرر الشيخ رحمه الله: " بأن الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها، شرك أصغر -الذي هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه-، وذلك كأن يطيل في الصلاة أحياناً ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحياناً ليسمعه الناس فيحمدوه؛ روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد (4)
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء)(5). أما إذا كان لا يأتي بأصل العبادة إلَاّ رياء ولولا ذلك
(1) ينظر: شرح مسلم للنووي (14/ 81)، فتح الباري (10/ 384 - 385)، إعلان النكير على المفتونين بالتصوير للشيخ حمود التويجري (ص 35)، حكم الإسلام في الصور والتصوير، لدندل جبر (ص 61).
(2)
شرح مسلم للنووي (14/ 81)، ينظر: فتح الباري (3/ 190).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب اللباس باب تحريم تصوير صور الحيوان، برقم (5506).
(4)
هو: محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع بن امريء القيس بن زيد، أبو نعيم، توفي سنة (96 هـ)، أثبت له البخاري والترمذي الصحبة، وقال عنه أبو زرعة أنه ثقة.
ينظر: العبر في خبر من غبر للذهبي (1/ 115)، سير أعلام النبلاء (5/ 483)، شذرات الذهب (1/ 112).
(5)
الإمام أحمد برقم (23119)، والطبراني في الكبير (3/ 479)، والبغوي في شرح السنة (14/ 324). ينظر: السلسلة الصحيحة للألباني (2/ 671 - 672).
ما صلى ولا صام ولا ذكر الله ولا قرأ القرآن فهو مشرك شركاً أكبر، وهو من المنافقين الذين قال الله فيهم:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} النساء: 142 - 146، وصدق فيهم قوله تعالى في الحديث القدسي:(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)(1) " (2).
الرياء في اللغة: مشتق من الرؤية، وهي النظر، يقال: راءيته، مراءاة، ورياء، إذا أريته على خلاف ما أنا عليه (3).
وأما في الاصطلاح: فقد ذكر أهل العلم له تعريفات متعددة، إلا أنه وإن اختلفت عباراتهم فيها، فإن مدارها على أمرين:
الأول: إرادة غير الله من دون الله.
والثاني: إرادة غير الله مع الله (4).
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله برقم (2985).
(2)
فتاوى اللجنة (1/ 748 - 749).
(3)
ينظر: تهذيب اللغة (2/ 1326)، الصحاح (6/ 2348)، لسان العرب (14/ 296)، القاموس المحيط (ص 1658).
(4)
ينظر: التعريفات للجرجاني (ص 113)، إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 257)، فتح الباري (11/ 336)، تيسير العزيز الحميد (ص 537)، فتح المجيد (2/ 617)، معارج القبول (2/ 493).
"والفرق بينه وبين السُّمعة: أن الرياء لما يُرى من العمل، كالصلاة، والسُّمعة لما يسمع؛ كالقراءة والوعظ والذكر. ويدخل في ذلك التحدُّثُ بما عمله"(1).
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} الكهف: 110، أي ليس لي من الربوبية ولا الإلهية شيء، بل ذلك كله وحده لا شريك له، أوحاه إليّ {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أي يخافه:{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} قوله {أَحَدًا} نكرة في سياق النهي تعُمّ، وهذا العموم يتناول الأنبياء والملائكة والصالحين والأولياء وغيرهم (2).
قال ابن القيم رحمه الله في الآية: " أي كما أن الله واحد لا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له، فكما تفرِّد بالإلهية يجب أن تفرَّد بالعبودية، فالعمل الصالح: هو الخالص من الرياء المُقيَّدُ بالسنَّة"(3).
قال ابن رجب رحمه الله: " واعلم أنَّ العمل لغير الله أقسام: فتارةً يكون رياءً محضاً كحال المنافقين، كما قال تعالى:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} النساء: 142. وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام. وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي يتعدَّى نفعُها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقتَ من الله والعقوبة.
وتارةً يكون العملُ لله، ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدلُّ على بطلانه منها حديث شدَّاد بن أوس رضي الله عنه مرفوعاً: (من صلَّى يُرائي فقد أشرك، ومن صام يُرائي فقد أشرك، ومن تصدَّق يُرائي فقد أشرك، وإن الله عز وجل
(1) شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للغنيمان (4/ 395).
(2)
ينظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 45)، (2/ 93)، الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد (1/ 112).
(3)
الجواب الكافي (1/ 91).
يقول: أنا خيرُ قسيم لمن أشرك بي، فمَن أشرك بي شيئاً فإن حشدَّه عمله قليلهِ وكثيره لشريكه الذي أشرك به. وأنا عنه غني) (1)، ثم قال: وأما إن كان أصل العمل لله، ثم طرأ عليه نية الرياء: فإن كان خاطراً ثم دفعه، فلا يضرُّه بغير خلاف، وإن استرسل معه فهل يُحبِط عملَه أم لا، ويُجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلافٌ بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير، ورجَّحا أن عمله لا يبطل بذلك، أنه يُجازى بنيَّته الأولى، وهو مروي عن الحسن وغيره.
فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، ففرح بفضل الله ورحمته، واستبشر بذلك، لم يضره بذلك. وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمدُه الناس عليه، فقال:(تلك عاجِلُ بشرى المؤمن)(2) " (3).
قال ابن القيم رحمه الله: " وأما الشرك الأصغر؛ فكيسير الرياء، والتصنُّع للمخلوق، والحلف بغير الله، وقولِ الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك. وأنا بالله وبك، ومالي إلا الله وأنت، وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا، وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب حال قائله ومقصده"(4).
(1) أخرجه أحمد برقم (16691)، والطبراني في المعجم الكبير برقم (7139)، وقال صاحب ذخيرة الحفاظ محمد بن طاهر المقدسي:" رواه شهر: عن عبد الرحمن بن غنم، عن شداد بن أوس. وشهر ضعيف"(4/ 2329).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره برقم (2642).
(3)
جامع العلوم والحكم شرح حديث إنما الأعمال بالنيات (ص 16).
(4)
مدارج السالكين (1/ 344).