الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمكن وجوده بدلاً عن عدمه وعدمه بدلاً عن وجوده، فليس له من نفسه وجود ولا عدم لازم له" (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويفرق بين دعائه والإخبار عنه، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه؛ فلا يكون باسم سيء، لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ، وإن لم يحكم بحسنه؛ مثل: شيء وذات وموجود"(2).
وقال ابن القيم رحمه الله: "
…
ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفياً، كالقديم، والشيء، والموجود
…
" (3).
إذن فأهل السنة قد يطلقون وصف الوجود وكمال الوجود على الله، من باب الإخبار عن الله، وذلك في المناظرات، والمناقشات، مع من يستخدم هذا اللفظ. كما أنهم يرون أن الوجوب الذي دل عليه الدليل هو وجوده - سبحانه - بنفسه، واستغناؤه عن موجد.
16 - صفتا الحياة والقومية
لله عز وجل:
يقرر الشيخ رحمه الله صفتي الحياة والقيومية لله عز وجل بنفيه السِّنَة والنوم عن الله، وأن نفيهما كمال له سبحانه، مستدلاً بقوله تعالى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} البقرة: 255، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)(4) " (5).
(1) شرح العقيدة الطحاوية (1/ 170)، وينظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (1/ 110).
(2)
مجموع الفتاوى (6/ 142). وينظر: كلامه في القدم في مجموع الفتاوى (9/ 300). وسبق أن ذكرته في آخر المطلب الثاني عند الحديث عن القِدَم.
(3)
بدائع الفوائد (1/ 162)، وينظر: مختصر العقيدة الطحاوية تعليق الألباني رحمه الله (ص 19).
(4)
أخرجه مسلم كتب الإيمان، باب في قوله عليه السلام: إن الله لا ينام برقم (179).
(5)
ينظر: فتاوى اللجنة (3/ 212).
والرب تبارك وتعالى حي حياة كاملة لم يسبقها عدم، ولا يعتريها نقص، ولا يعقبها فناء؛ بل هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهاتان الصفتان ذاتيتان لله سبحانه ثابتتان بالكتاب والسنة، كما سبق بعض أدلتها في كلام الشيخ رحمه الله السابق:
فمن الكتاب:
- قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)} آل عمران: 2.
- وقال تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} طه: 111.
ومن السنة:
- عن يسار بن زيد عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف)(1).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالساً ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئِل به أعطى)(2).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " فنفي أَخْذ السِّنَة والنوم له مستلزم لكمال حياته وقيوميته، فإن النوم ينافي القيومية، والنوم أخو الموت؛ ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون"(3).
قال ابن القيم رحمه الله: " صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى هو اسم الحي القيوم، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة؛ لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات، ونقصان
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار برقم (1517)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1622).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء برقم (1495)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1/ 279)(1326).
(3)
مجموع فتاوى ابن تيمية (التفسير)(5/ 126).
الحياة يضر بالأفعال وينافي القيومية؛ فكمال القيومية لكمال الحياة؛ فالحي المطلق التام لا يفوته صفة الكمال البتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة " (1).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " وقوله: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} البقرة: 255، هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى دلالة مطابقة وتضمنا ولزوما، فالحي من له الحياة الكاملة المستلزمة لجميع صفات الذات، كالسمع والبصر والعلم والقدرة، ونحو ذلك، والقيوم: هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين من فعله ما يشاء من الاستواء والنزول والكلام والقول والخلق والرزق والإماتة والإحياء، وسائر أنواع التدبير، كل ذلك داخل في قيومية الباري، ولهذا قال بعض المحققين: إنهما الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ومن تمام حياته وقيوميته أن {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} البقرة: 255، والسنة النعاس"(2).
واسم الله القيوم يدل باللزوم على الوجود والبقاء والغنى بالنفس وسائر أنواع الكمال في الذات والصفات والأفعال، جميع الأسماء الحسنى تدل على صفة الحياة باللزوم ما عدا الحي فإنه يدل عليها بالتضمن كذلك القول في اسم الله القيوم؛ فإن جميع الأسماء الحسنى تدل على صفة القيومية باللزوم ما عدا القيوم فإنه يدل عليها بالتضمن، ولولا صفة الحياة والقيومية ما كملت بقية أسمائه وصفاته وأفعاله فدوام الحياة والقيومية من دلائل دوام الملك والربوبية وكمال الصفات الإلهية (3).
وقد أحسن ابن قيم الجوزية حين وصف ذلك في النونية فقال:
وله الحياة كمالها فلأجل ذا
…
ما للممات عليه من سلطان
وكذلك القيوم من أوصافه
…
ما للمنام لديه من غشيان
وكذاك أوصاف الكمال جميعها
…
ثبتت له ومدارها الوصفان
فمصحح الأوصاف والأفعال والأ
…
سماء حقا ذانك الوصفان
ولأجل ذا جاء الحديث بأنه
…
في آية الكرسي وذي عمران
(1) الطب النبوي (ص 159).
(2)
تفسير السعدي (1/ 110).
(3)
ينظر: أسماء الله الحسنى في الكتاب والسنة، د. محمود عبد الرازق الرضواني (2/ 157).