الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
من المعلوم أن الإسلام نهى عن الشرك، بل وحذر من كل ما يوقع فيه، وسدّ كل الطرق المؤدية إليه، والشرك على نوعين يبينها الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله؛ بقوله: " الشرك الأكبر: أن يجعل الإنسان لله نداً؛ إما في أسمائه وصفاته، وإما أن يجعل له نداً في العبادة، وإما أن يجعل لله نداً في التشريع، فهذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام، فلا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتله ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إلَاّ أنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين.
أما الشرك الأصغر: فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركاً كالحلف بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر؛ ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاَ فليحلف بالله أو ليصمت)(1)، بل سماه: مشركاً، روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من حلف بغير الله فقد أشرك)(2)، لأن الحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم غير الله، وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير الله إلى الشرك الأكبر.
والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام، ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر؛ ولذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً)(3)، وعلى هذا فمن أحكامه أن يعامل معاملة المسلمين فيرثه أهله، ويرثهم حسب ما ورد بيانه في الشرع، ويصلى عليه إذا مات ويدفن في مقابر المسلمين وتؤكل
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم رقم الحديث (6185)، وأخرجه مسلم في كتاب الأيمان، باب النهي عن الحلف بغير الله، رقم الحديث (3110).
(2)
أخرجه الإمام أحمد برقم (5352، 5568، 6037)، والترمذي الأيمان والنذور، باب ما جاء في الحلف بغير الله برقم (1534)، وأبو داود في كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء برقم (3251) واللفظ له، وابن حبان في صحيحه في كتاب الإيمان برقم (4358)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (5/ 69).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه باب الأيمان ولا يحلف إلا بالله برقم (15929)، وصححه الألباني في الإرواء الغليل برقم (2562).
ذبيحته إلى أمثال ذلك من أحكام الإسلام، ولا يخلد في النار إن دخلها كسائر مرتكبي الكبائر عند أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة" (1).
تنوعت عبارات أهل العلم في بيان أنواع الشرك، فمنهم من قسم الشرك إلى أكبر وأصغر (2)، وبعضهم قسمه إلى ثلاثة أقسام أكبر، وأصغر، وخفي (3)، والبعض الآخر قسمه حسب أجزاء التوحيد الثلاثة (4)، وبعضهم يقسمه إلى نوعين الشرك في الربوبية والشرك في الألوهية، ويدخل الشرك في الأسماء والصفات ضمن النوع الأول (5).
وجميع هذه التقسيمات لا تخرج عن المدلول الشرعي للشرك (6)؛ ولعل التقسيم الذي يجمع هذه التقسيمات هو ما اختاره (7) الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله وهو: الشرك على نوعين أكبر، وأصغر:
أما الأكبر:
فهو أن يتخذ شريكاً أو نداً مع الله تعالى في ذاته أو في أسمائه أو صفاته، أو أن يعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده (8).
أو أن يقال: هو أن يجعل لله نداً في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته (9).
(1) فتاوى اللجنة (1/ 746 - 750).
(2)
مدارج السالكين لابن القيم (1/ 339)، الدرر السنية لابن سحمان (2/ 85).
(3)
ينظر: رسالة أنواع التوحيد وأنواع الشرك، ضمن الجامع الفريد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (ص 341).
(4)
تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله (ص 43).
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى (1/ 91 - 94)، ودرء التعارض لابن تيمية (7/ 390)، وتجريد التوحيد المفيد للمقريزي (ص 8).
(6)
ينظر: الشرك في القديم والحديث لأبي بكر محمد زكريا (1/ 138 - 141).
(7)
فتاوى اللجنة (1/ 746 - 750).
(8)
ينظر: الاستقامة لابن تيمية (1/ 344)، ومدارج السالكين (1/ 339).
(9)
ينظر: معارج القبول (2/ 483)، واقتضاء الصراط المستقيم (2/ 3، 7).
أما الشرك الأصغر:
فقد جاء في تعريفه عبارات عدة، لعل من أجمعها: أنه كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركاً (1). وبعضهم لا يعرفه، وإنما يذكره بالأمثلة لكثرة أفراد هذا النوع وتنوعه (2).
وهو محرم، بل هو أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر، لكنه لا يخرج من ارتكبه عن ملة الإسلام (3).
(1) ينظر: مجموع الفتاوى (7/ 72)، مدارج السالكين (1/ 344)، تيسير العزيز الحميد (ص 45)، القول السديد للسعدي (ص 24) ينظر: حاشية كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن قاسم (ص 50)، القول المفيد لابن عثيمين (1/ 264 - 266)، مجلة البحوث الإسلامية (37/ 204).
(2)
ينظر: مدارج السالكين (1/ 344).
(3)
ينظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 518).