الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: تقرير الولاء والبراء
.
قال الشيخ رحمه الله: " الولاء والبراء أصل من أصول الإسلام، وهما مظهران من مظاهر إخلاص المحبة لله، ثم لأنبيائه وللمؤمنين.
والبراء: مظهر من مظاهر كراهية الباطل وأهله. وهذا أصل من أصول الإيمان وأما أهميته بالنظر للوقت الحاضر: فلأنه قد اختلط الحابل بالنابل!، وغفل الناس عن مميزات المؤمنين التي يتميزون بها عن الكافرين، وضعُف الإيمان في قلوبهم حتى ظهرت فيهم مظاهر يكرهها المؤمن.
والوا الكافرين أمما ودولاً، وزهدوا في كثير من المؤمنين، وحطوا من قدرهم وساموهم سوء العذاب" (1).
وعلق الشيخ رحمه الله على قوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الفتح: 29، بقوله:" دلَّ ذلك على ما كان عليه سلف الأمة من الولاء للمؤمنين، ووجوب التراحم بينهم، والبراء من الكافرين، وإعلانهم العداوة والبغضاء، وذلك خلاف ما عليه المسلمون اليوم"(2).
قال الشيخ رحمه الله: " نهى الله تعالى المؤمنين أن يوالوا اليهود وغيرهم من الكفار ولاء ود ومحبة وإخاء ونصرة، وأن يتخذوهم بطانة ولو كانوا غير محاربين للمسلمين، قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} المجادلة: 22، وما في معناه من نصوص الكتاب والسنة"(3).
قال الشيخ رحمه الله: " لا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار في أعيادهم ويظهر الفرح والسرور بمناسباتهم ويعطل الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية، لأن مشاركتهم مشابهة لأعداء الله المحرمة، ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(1) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (ص 116، 117)، وينظر: المرجع السابق (ص 172، 173).
(2)
تعليق الشيخ على تفسير الجلالين (ص 92).
(3)
فتاوى اللجنة (2/ 64).
(من تشبه بقوم فهو منهم)(1)، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} المائدة: 2" (2).
1 -
أهمية الولاء والبراء.
إن الولاء والبراء شرط في الإيمان، كما قال تعالى:{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)} المائدة: 80 - 81.
يقول ابن تيمية عن هذه الآية: " فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط، وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودلّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه
…
" (3).
والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم:(أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله)(4).
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (5):
" فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله، والمعاداة في الله والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا
(1) أخرجه أحمد (2/ 50، 92)، وأبو داود في كتاب اللباس باب في لبس الشهرة برقم (4031)، وصححه الألباني في غاية المرام برقم (109)، وفي الإرواء برقم (1269).
(2)
فتاوى اللجنة (2/ 73)، ينظر: المرجع السابق (2/ 74 - 78)(2/ 95 - 100).
(3)
الإيمان (ص 14).
(4)
أخرجه أحمد برقم (18053).
(5)
هو: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، أحد أئمة الدعوة السلفية النجدية، محدث فقيه، من مؤلفاته: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، حاشية على المقنع في الفقه، الدلائل في عدم موالاة أهل الإشراك، توفي سنة 1233 هـ.
ينظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (2/ 341)، وعلماء الدعوة لعبد الرحمن آل الشيخ (ص 37).
بغضاء، لم يكن فرقان بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" (1).
يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ (2): " وأصل الموالاة الحب، وأصل المعادة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال"(3).
2 -
مشاركة الكفار في أعيادهم.
أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مثل أن يهنأهم بأعيادهم فيقول: عيدك مبارك، أو تهنأ بهذا العيد، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الزنا ونحوه.
وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه، وإن بلي الرجل فتعاطاه دفعاً لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك (4).
(1) رسالة أوثق عرى الإيمان (ص 38).
(2)
هو: عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، النجدي الأزهري، من أعلام الدعوة السلفية الإصلاحية في نجد، من مؤلفاته: منهاج التأسيس في كشف شبهات داود بن جرجيس، ومصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام، وعيون المسائل وغيرها، توفي سنة 1293 هـ.
ينظر: علماء الدعوة لعبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (ص 47)، الأعلام (4/ 182).
(3)
الدرر السنية (2/ 157).
(4)
أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/ 205 - 206).